إن البلاغ الرسمي الذي نشر عقب الاستقبال الملكي لكل من رئيس الحكومة ووزيري الداخلية والمالية والرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، والمتعلق بتتبع برنامج "الحسيمة منارة المتوسط"، يثير تساؤلين مبدئيين. التساؤل الأول يهم التقرير الذي أعده الوزيران المذكوران سابقا، بناء على عملية التفتيش التي قامت بها إدارتهما على مدى شهور. التقريران يخلصان إلى أن هناك تأخرا وعدم تنفيذ لأجزاء من هذا البرنامج. لكنه يسجل أيضا "استبعاد وجود أي عمليات اختلاس أو غش". فما هي الخلاصات التي تنتج عن مثل هذه التأكيدات؟ ينبغي التساؤل أولا حول ما إن كانت المفتشيتان العامتان لكل من الداخلية والمالية، مختصتين بإصدار مثل هذه الخلاصات، علما أن مهمتهما تنحصر، بطبيعتهما وحسب تعريفهما، في تقييم الظروف والمساطر التي أدت إلى وضع معين، أي تحديد ما ينطوي على ثغرات ويحتمل انتقادات. وبإصدارهما هذه الخلاصات بشكل مسبق، واستبعادهما لوجود أفعال تستوجب الملاحقة الجنائية، فإن المفتشيتين تخرجان عن مجالهما، وتمنحان لنفسيهما اختصاصا قضائيا لا يدخل ضمن صلاحياتهما، ويعود إلى المؤسسات المختصة قانونيا. فهل يعني هذا الوضع أن المعنيين بهذا البرنامج قد أفلتوا من الملاحقة الجنائية، ولن تنالهم سوى عقوبات إدارية في أقصى الحالات؟ التساؤل الثاني، الذي يثيره البيان الصادر أول أمس، يهم الإحالة على توجيهات ملكية سامية، إلى المجلس الأعلى للحسابات، لدراسة الملف في أجل 10 أيام. هنا نكون أمام مسطرة غير مسبوقة، لكون الإحالات على المجلس الأعلى للحسابات لا يمكن أن تتم إلا عبر رئيس الحكومة، أو الوكيل العام للملك لدى هذه المؤسسة نفسها، وإذا كان هو نفسه قد تلقى إحالة من رئيسي غرفتي البرلمان أو وزير الاقتصاد والمالية، أو الوزراء المعنيين. من الناحية الشكلية، ومن أجل احترام تام للمسطرة، بإمكان الملك أن يعطي توجيهاته إلى رئيس الحكومة. فمن الناحية العملية ليس هناك أي رابط بين الملك والمجلس الأعلى للحسابات، باستثناء التقرير السنوي الذي يرفعه الرئيس الأول للمجلس إلى الملك، كما هو الحال مع بنك المغرب مثلا. لا بد من القول إننا خارج المجال المشمول بالفصل 42 من الدستور، والمتعلق بحسن سير المؤسسات الدستورية. فهذا المجال لا يمكن أن يشمل تقييم التدبير الإداري، والذي يقع ضمن اختصاصات رئيس الحكومة ووزرائه. *مصطفى السحيمي