أصدر مشروع العلوم السياسية للشرق الأوسط، الذي يوجد مقره بجامعة جورج واشنطنالأمريكية؛ دراسة مفصلة شارك فيها عدة باحثين جامعيين حول الحركات الإسلامية والسياسات المحلية. الإصدار الجديد يتضمّن دراستين تهمّان حزب العدالة والتنمية المغربي، الأولى تفسّر الصعود الانتخابي القوي لحزب المصباح، في الانتخابات البلدية والمحلية، بينما تقوم الدراسة الثانية بتشخيص العطب الذي يميّز الآلة الانتخابية للبيجيدي في العالم القروي. الدراسة الأولى أنجزتها الباحثة جيني كلارك، عن جامعة "كيلف" الكندية، والتي اعتمدت على عمل ميداني يتعلّق بثلاث دوائر انتخابية محلية، هي كل من شفشاونوتيفلت وأرفود، خلال الانتخابات المحلية للعام 2009. الباحثة قالت إنها اختارت هذه الدوائر لكون حزب العدالة والتنمية واجه فيها منافسين أقوياء وأعيان ظلوا يتربعون على صدارتها الانتخابية لعقود طويلة، ولكونها موزعة جغرافيا بين مناطق مختلفة من المغرب. "وقد اخترت التركيز على انتخابات 2009، لأنها كانت الأخيرة التي خاضها حزب العدالة والتنمية من موقع الحزب المعارض الوحيد في البلاد". أول خاصية تميّز الانتخابات المحلية عن نظيرتها التشريعية، أن حزب العدالة والتنمية يواجه أعيانا محليين نافذين وقريبين من السلطة. وأوضحت الباحثة أن اعتماد حزب المصباح على خلفيته الإيديولوجية المعارضة ستضعف موقعه في أي انتخابات محلية. وأول خطوة اعتمدها حزب المصباح، هي نقل خطابه المتعلق بالحكامة الجيّدة إلى فروعه المحلية، وجعلها في خدمة شبكة من المجتمع المدني. وأوضحت الباحثة أن الحزب وجّه أعضاءه على المستوى المحلي نحو الانخراط القوي في جمعيات العمل المدني، ومنح الأولوية في ترشيحاته للأعضاء الأكثر نشاطا في هذا المجال، خاصة منهم الناقمين على الأعيان المقرّبين من السلطة. الخطوة الثانية التي قام بها حزب العدالة والتنمية لمواجهة أعيان ومنتخبين عمّروا لسنوات طويلة، هو وضع شخصيات قادرة على المنافسة على رأس اللوائح المحلية. خطوة تقوم على وضع مرشحين معروفين على الصعيد المحلي ولهم رصيد كبير في المجتمع المدني، بهدف إظهار التقارب مع السلطة وتعزيز الحظوظ الانتخابية. ولاحظت الباحثة كيف أن فرعي الحزب في كل من شفشاون وأرفود، ترجما التوجه الوطني القائم على التقارب مع المجتمع المدني، عبر اختيار وجوه بارزة في هذا المجال وغير منتمية إلى الحركة الإسلامية. وتجسّد هذا الخيار في شخص محمد السفياني في انتخابات شفشاون، وهو شخص، تقول الباحثة، لا ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية وغير متعاطف معه. أما في أرفود، فتقول الباحثة إن الحزب عمد منذ 2003، إلى تأسيس جمعيات مقربة منه، والاشتغال إلى جانب أخرى موجودة، بهدف التعريف بأعضائه وإظهار كفاءاتهم. بل إن الحزب ذهب في حالة أرفود، إلى عقد تحالف مسبق مع جمعية يقودها شخص ينتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي. أما تجربة الحزب في مدينة تيفلت، فاعتمدت على تأسيس شبكة من جمعيات الأحياء، جرى تحويلها في وقت لاحق إلى تواصل مباشر مع المواطنين، ومنها انبثقت ترشيحات الحزب للانتخابات المحلية. وتخلص الدراسة إلى أن عمل فروع حزب العدالة والتنمية على تطبيق الخطاب المركزي القائم على الحكامة الجيدة، ونسج علاقات مع المجتمع المدني، مكّنه من التغلب على أعيان نافذين في الانتخابات المحلية. "في حالتي شفشاون وأرفود، لم تقتصر فروع الحزب على تقاسم السلطة مع المجتمع المدني، بل وظفت هذه العلاقة لمحاكاة أسلوب الأعيان، أي إظهار القرب من السلطة، واختيار مرشّح يتمتع ب"بريستيج" محلي، وربط علاقات شخصية مع الفاعلين في المجتمع المدني". الدراسة الثانية التي تضمّنها الإصدار الجديد لمشروع POMEPS الأكاديمي الأمريكي، ركّزت على الجزء الفارغ من كأس حزب العدالة والتنمية الانتخابي. وتوضّح الباحثة في جامعة أوكسفورد، ياسمينة أبو الزهور، أنها اعتمدت في إنجازها على المعطيات التي حصلت عليها خلال فترة إقامتها في المغرب، بين 2013 و2017. وتنطلق الدراسة بالتأكيد أن حزب العدالة والتنمية يتمتع بجاذبية كبيرة بفعل مرجعيته الإسلامية وسلوكه الذي يظهره يجعله يبدو كحزب سياسي عادي. كما يبدو هذا الحزب، حسب الباحثة، أكثر فعالية ونزاهة من الأحزاب الإدارية، وأكثر براغماتية من الأحزاب اليسارية، كما أن التضييق الذي واجهه من جانب السلطة بعد تأسيسه، منحه مصداقية في أعين الناخبين. لكن، ومنذ الانتخابات التشريعية للعام 2007، بدأ الحزب في استشعار ضعف أدائه في المجال القروي، والذي جعله يحتل المرتبة الثانية بعد حزب الاستقلال من حيث المقاعد البرلمانية، رغم تفوقه من حيث عدد الأصوات. الباحثة ياسمينة أبو الزهور، تقدم تفسيرين اثنين لضعف البيجيدي في المجال القروي. التفسير الأول يتمثل في استراتيجية الحزب، والتي تقوم على تقديم عرض انتخابي يتناسب مع طبيعة الطبقة المتوسطة التي تقيم في المدن، أكثر مما يستجيب لانتظارات الساكنة القروية. وتضيف الباحثة أن حزب العدالة والتنمية حاول تجنّب هذا الضعف في انتخابات 2016 التشريعية، من خلال توجيه خطاب جديد إلى العالم القروي، وحث أعضائه المقيمين بالمدن ممن ينحدرون من أوساط قروية، على الانتقال إلى البوادي وتعبئة الناخبين. مجهودات تقول الباحثة إنها لم تثمر النتائج المرجوة منها، مستدلة على ذلك بنتائج كل من محليات 2015 وتشريعيات 2016. هنا تمرّ الباحثة في جامعة أوكسفورد إلى التفسير الثاني، والذي يقول بتجسيد هذا الوضع الانتخابي لاستمرار الخلاف بين القصر وحزب العدالة والتنمية. وتوضح الباحثة كيف أن دراسات تاريخية تكشف كيف أن المجال القروي يتخذ دائما موقفا مساندا للنظام في المغرب. وتفسّر الباحثة ذلك بكون النخب والأعيان القروية سارعت بعد الاستقلال إلى التقرب من الملكية، لحماية نفسها من البورجوازيات الحضرية التي تنقم على هؤلاء الأعيان بسبب تحالفهم مع الاستعمار الفرنسي. ومنذ ذلك الحين، عمد الأعيان القرويون إلى حشد الأصوات لصالح مرشحي الإدارة بهدف الحيلولة دون تغيير الوضع القائم. "وفي الوقت الذي يصوّت الحضريون لصالح العدالة والتنمية لأنهم يرون فيه الحزب الوحيد الذي يستطيع الوقوف أمام السلطة، فإن الساكنة القروية تصوّت ضده للسبب نفسه… فهؤلاء الناخبون القرويون، يعتبرون أنهم سيستفيدون أكثر من الإدارة بوجود أحزابها المفضلة في السلطة، أكثر مما سيستفيدون من وجود حزب العدالة والتنمية". وتخلص الباحثة في النهاية، إلى أن التفسير الحقيقي لعدم تناسب نتائج حزب العدالة والتنمية من حيث الأصوات مع عدد مقاعده، هو النظام الانتخابي، والذي يمنح مقاعد كثيرة لمجالات قروية تقيم فيها ساكنة قليلة مقارنة مع الدوائر الحضرية. "وهذا ما يفسّر كيف أن الحزب فاز من حيث الأصوات الشعبية في انتخابات 2009، لكنه حلّ في الرتبة السادسة من حيث عدد المقاعد".