المشهد الإعلامي السمعي البصري والرسمي مقبل على تغييرات شاملة ستكون الأكبر منذ "تحرير" هذا القطاع عام 2002. التطورات السياسية والاجتماعية الأخيرة التي عرفها المغرب داخليا عبر حراك الريف، وخارجيا عبر الاختراقات الدبلوماسية في إفريقيا، كشفت للقائمين على تدبير إعلام الدولة ضعف أداء القنوات والمؤسسات الحالية وعجزها عن مواجهة التحولات التكنولوجية المرتبطة بالإنترنيت والشبكات الاجتماعية. مصادر متطابقة من داخل كبريات القنوات التلفزيونية ووكالة الأنباء الرسمية، قالت ل"اليوم24″ إن تغييرات كبيرة يجري التحضير لها، سواء في هيكلة المؤسسات وطرق اشتغالها، أو الأشخاص القائمين عليها. هذه التحولات تهدف إلى إعادة تموقع الأذرع الإعلامية للدولة واستعادة قدرتها على النفاذ والتأثير، في ظل التحولات التكنولوجية والاقتصادية المحيطة بالإعلام. التغيير الذي سيعرفه المشهد الإعلامي المرتبط بالدولة، سيشمل كلا من القطب العمومي والقناة الثانية وقناة "ميدي 1″، بالإضافة إلى وكالة المغرب العربي للأنباء. وترجّح المصادر أن يشكّل إبعاد فيصل العرايشي، المتربّع على عرش إمبراطورية القطب العمومي منذ 18 عاما، أهم القرارات التي سيتم اتخاذها. وأبرز الأسماء المرشحة لخلافة العرايشي، هو المدير العام السابق للمركز السينمائي المغربي نورالدين الصايل. هذا الأخير حوّل أكبر ذراع إعلامي للدولة إلى جسم متضخّم من حيث المديرين والموظفين، في مقابل تراجع مستمر في نسبة المشاهدة وجودة المواد الإعلامية. في المقابل، تعاني القناة الثانية التي بقيت صامدة من حيث نسب مشاهدتها، من وضعية مالية خانقة. مصدر مسؤول بالقناة قال ل"اليوم24" إن الوضع الحالي "لا يمكن أن يستمر"، موضحا أن "القناة تعتبر عمومية، بينما لا تتلقى سوى 30 مليون درهم من الدعم، تسترجعها الدولة بشكل شبه كامل عبر حقوق المؤلفين وغيرها من واجبات المالية. وفي المقابل تمنح الدولة أكثر من مليار ونصف مليار درهم للقناة الأولى وفروعها، دون تحقيق نتيجة تذكر". خيار رفع رأسمال القناة عبر إدخال شريك من القطاع الخاص، يبقى الأرجح، حسب المصادر المطلعة، فيما يروج اسم حسن خيار، المدير العام الحالي لقناة "ميدي 1″، كمرشح لخلافة سليم الشيخ على رأس "دوزيم". تغيير آخر في الهيكلة والإدارة، ينتظر أن يهمّ قناة "ميدي 1″، التي تبث من مدينة طنجة. هذه الأخيرة وإن أصبحت تعتبر قانونيا قناة خاصة، إلا أن مصادر متطابقة من داخلها، قالت ل"اليوم24" إن خطها التحريري جعلها تتحوّل إلى نسخة شبيهة بالقناة الأولى. "كنا نعتقد أن دخول القطاع الخاص سيحررنا أكثر، بينما أصبح هامش الحرية في تناول المواضيع واختيار الضيوف ضيقا جدا لدرجة نشعر معها بالاختناق". مصدر آخر قال ل"اليوم24″ إن فبركة صور تقرير متعلق بحراك الريف، وتدوينة مدير أخبار القناة، عمر الذهبي، حول حجاب الوزيرة بسيمة الحقاوي، ومعاقبة الصحافية سمية الدغوغي بسبب عبارة "الصحراء الغربية، أحداث أصابت القناة في مقتل". ترقّب كبير يسود حاليا داخل هذه المحطة التلفزيونية، حيث ينتظر أن ينعقد اجتماع لمجلس إدارتها الأسبوع المقبل، يحتمل أن يسفر عن قرارات مهمة. مصادر " اليوم24″ قالت إن دخول الملياردير عثمان بنجلون في رأسمال القناة بات شبه مؤكد، "ويحتمل أن يرافق ذلك تغيير على رأس القناة". هذه المصادر أضافت أن شبكة برامج القناة عرفت تأخرا في إطلاق برامج الموسم الجديد، خاصة منها البرامج السياسية والحوارية، في انتظار هذه التحولات المنتظرة. ومن بين الأسماء التي يتم تداولها لتولي إدارة القناة الطنجاوية، يوجد اسم مديرة أخبار القناة الثانية، سميرة سيتايل. ما يزكي احتمال خضوع قناتي عين السبع والمنطقة الحرة بطنجة لتغييرات هيكلية كبيرة، تمسّ رأسمالها وإدارتها، هو القرارات الأخيرة التي أصدرها المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري. مجلس "حكماء" الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، صادق مؤخرا على قرارين، الأول يهم مسطرة الترخيص لإحداث واستغلال الخدمات السمعية البصرية، فيما يتعلق الثاني بمسطرة "الأذون" الخاصة بالبث المؤقت الخاص ببعض التظاهرات الكبرى والبث التجريبي والخدمات السمعية البصرية ذات الولوج المشروط. الوثيقتان تفتحان الباب أمام إمكانية فتح الإعلام السمعي البصري أمام القطاع الخاص والمنافسة (قناة "ميدي1" والقناة الثانية)، في إحياء جزئي لمشروع كان يفترض انطلاقه عام 2009 عبر الترخيص لقناتين تلفزيونيتين، قبل أن يتم التراجع عنه. قرار "الهاكا" الصادر عام 2009 برفض الترخيص لقناتين تلفزيونيتين، كان مبرره الرسمي هو ضعف سوق الإشهار في المغرب وعدم استيعابه لمزيد من المحطات التلفزيونية. معطى قد يتم تجاوزه عبر اعتماد النموذج الاقتصادي الفرنسي في هذا المجال، والذي يرتكز على اقتصار الدعم العمومي على قنوات التابعة للدولة، في مقابل تخصيص العائدات الإشهارية بالكامل للقنوات الخاصة. خيار قد يساعد في تجاوز الوضع الحالي الذي يجعل أيا من النماذج الثلاثة القائمة، أي القطب العمومي و"دوزيم" و"ميدي 1″، لا يحقق النجاح والتوازن الماليين. وكالة الأنباء الرسمية بدورها تنتظر تغييرات وصفتها المصادر بالشاملة. المدير العام الحالي لوكالة المغرب العربي للأنباء، "يتصرّف منذ مدة وكأنه في حكم المغادر، بينما جلّ المسؤولين ورؤساء التحرير يتصرفون كمن ينتظر قرارا هاما"، يقول مصدر موثوق، موضحا أن المدير العام خليل الهاشمي، قد ينتقل إلى إدارة مجموعة ماروك سوار، أو المجلس الأعلى للصحافة الذي سيتم تشكيله قريبا. الوكالة التي تعتبر المصدر الأول للأنباء والمواقف الرسمية؛ أطلقت هذا الأسبوع عملية استطلاع واسعة في صفوف الصحافيين، باعتبارهم "الزبون" الأول لقصاصاتها. الوكالة تحضّر لدراسة تتعلّق بدور وكالة الأنباء في ظل التطوّر الكبير لشبكات التواصل الاجتماعي. وتحاول الوكالة الرسمية البحث عن موقع لها في هذا التحوّل، عبر استبيان طريقة حصول الصحافيين على الأخبار بواسطة شبكات التواصل الاجتماعي.