هل للمخزن مواصفات لمرشحه لقيادة الأحزاب؟ وهل هذه المواصفات ثابتة أم إنها متغيرة؟ تثير هذه الأسئلة فرضية تحكم المخزن في اختار زعامات الأحزاب كلها، وهي فرضية نسبية بالنظر إلى اختلاف الأحزاب من حيث النشأة والتطور. فالأحزاب الإدارية خرجت من رحم السلطة، لذلك، فإن اختيار زعمائها من طرف المخزن يعتبر من باب تحصيل الحاصل. ينطبق هذا على أحمد رضى كديرة، مدير ديوان الحسن الثاني، الذي أسس جبهة الدفاع عن المؤسسات في الستينات، وعلى حزب التجمع الوطني للأحرار، ومؤسسه أحمد عصمان، والتغييرات التي طرأت فيه بتدخل المخزن، وآخرها طريقة إسقاط مصطفى المنصوري في 2009، بانقلاب من صلاح الدين مزوار، وكيف جاء أخنوش محل مزوار بعد انتخابات أكتوبر 2016، لكن التدخل في اختيار زعماء الأحزاب الوطنية هو الذي يثير التساؤلات؟ فهل للمخزن مرشح وسط هذه الأحزاب؟ وما هي مواصفاته؟ حسب مصطفى السحيمي، أستاذ العلوم السياسية بالرباط، هناك عدة مواصفات عامة يجب أن تتوفر في مرشح المخزن، أولها، «الولاء»، ثانيا، «الالتفاف حول المؤسسات»، ثالثا، «الإنصات إلى التعليمات وحسن تنفيذها»، ويضيف السحيمي أنه ليس مطلوبا من الزعيم الحزبي «أن يبدع أفكارا»، بل فقط أن «ينفذ» ما يملى عليه في الوقت المناسب. هذا هو منطق المخزن الذي يحكمه، والمتمثل في «الحفاظ على الوضع القائم». لكن هناك اختلافا في تقييم المخزن للأحزاب حسب تموقعها في المعارضة أو الأغلبية، وحسب المعطي منجب، الباحث والمؤرخ، فإنه إذا كان الحزب في المعارضة، فإن قيادته يجب أن تلتزم «بخط معارضة الحكومة المقربة من القصر»، أي أن «تمارس معارضة في حدود الأدب المخزني وليس معارضة جارحة، إلا إذا كانت هناك أزمة اجتماعية، فيمكن قبول معارضة قوية لطمأنة مصالح الناس». ثانيا، المعارضة يجب أن تنتبه إلى «عدم توجيه انتقادات حادة لتدبير بعض الملفات، مثل الأمن وقضية الصحراء، إلا في بعض الجزئيات». أما إذا كان الزعيم الحزبي مشاركا في الحكومة، فمطلوب منه تحمل مسؤولية أخطاء الحكومة، ونسبة القرارات الجيدة والإنجازات إلى المؤسسة الملكية، بالقول إنها «تمت بتعليمات ملكية». يقول منجب إن الزعيم الحزبي يجب أن يسير وفق خط السلطة حتى لا يتعرض لتهجم الإعلام الرسمي والأقلام المأجورة، ويتم تهميشه، استعدادا لتغييره، مثل ما حدث لشباط. لكن زعماء الأحزاب مختلفون، فمنهم من يأتي من الأحزاب الإدارية، ومنهم من تفرزه تجربة يسارية، ومنهم من يأتون من النقابات، ومنهم الإسلاميون، فهل يشترك كل هؤلاء في المواصفات نفسها التي يطلبها المخزن، أم إن المواصفات تتغير حسب الظروف السياسية؟ يقول السحيمي إنه مهما اختلفت مشارب الزعماء وسياقاتهم، فإن المخزن يضع «خريطة طريق» لهم، ومن لم يحترمها فإنه «يتم السعي إلى إسقاطه». أبرز مثال هو حميد شباط، الأمين العام الحالي لحزب الاستقلال، الذي لم يكن اسمه واردا لقيادة حزب الاستقلال في 2012 وخلافة عباس الفاسي، لأنه ينحدر من وسط شعبي وله خلفية نقابية، وله ماضٍ نضالي في فاس ارتبط بالإضرابات، لذلك، فإن المخزن لم يكن يتحمس له. لكن، بسبب صعود نجم عبد الإله بنكيران، الأمين العام للبيجيدي، إثر انتخابات 2011، بدأ السعي إلى إيجاد نوعية جديدة من الزعامات التي تستطيع أن تنافس بنكيران في «الشعبوية»، فكان شباط أحد هؤلاء، إلى جانب إدريس لشكر في الاتحاد الاشتراكي. شباط الذي صعد إلى السياسة على ظهر النقابة، تحول فجأة إلى «نجم»، وحظي بدعم شخصيات، مثل: توفيق حجيرة، وكريم غلاب، وياسمينة بادو، وعادل الدويري، الذين تحركت أيادي المخزن لتحثهم على إصدار بيان قبل أيام من يوم المؤتمر يعلنون فيه دعم شباط ضد عبد الواحد الفاسي، نجل الزعيم علال الفاسي، الذي لم يكن معارضا للمخزن، لكن مواصفاته كشخصية هادئة وبعيدا عن الجدل، «لم تكن تصلح للمرحلة». بعد صعود شباط، التزم ب«خريطة الطريق»، وبدأ يثير مشاكل لبنكيران داخل الحكومة: قاطع اجتماعات الأغلبية، وهاجم قرارات إصلاح نظام المقاصة، ورفض توزيع الدعم على الفقراء، حتى لا يستفيد منه البيجيدي في الانتخابات، ثم انتهى به المطاف بدفع حزبه إلى مغادرة الحكومة، معتقدا أن الحكومة ستسقط بعد خروجه، وسيكون مشاركا في حكومة جديدة، لكن ذلك لم يقع. شعر شباط بخيبة الأمل، ولأنه نقابي في الأصل، فإنه لم يقبل الإهانة. بعد الانتخابات المحلية والجهوية في 2015 والبرلمانية في 2016، «خرج شباط من بيت الطاعة المخزني»، وبدأ يميل إلى التحالف مع البيجيدي، يقول السحيمي إن شباط «بدأ يخرق خريطة طريق المخزن»، لذلك كان يجب الإطاحة به، ودعم نزار بركة لخلافته في المؤتمر السابع عشر. «الشعبوية» كانت صفة مؤقتة، طلبها المخزن لمواجهة بنكيران، وتمت ترجمتها في عدة تصريحات لشباط، من قبيل اتهامه لبنكيران بالانتماء إلى داعش والموساد، كما انطبقت أيضا على إدريس لشكر، الذي فاز على الراحل أحمد الزيدي وفتح الله ولعلو، في مؤتمر 2012، بعدما تحالف مع الحبيب المالكي، وأصبح كاتبا أول، وسط احتجاجات اتحاديين اشتكوا تعليمات الولاة والعمال للمؤتمرين للميل إلى جانب لشكر. لكن التحدي الذي واجهه المخزن، هو كيفية التعامل مع حزب البيجيدي، الذي له قاعدة منظمة ومؤطرة، وله زعيم كاريزمي، هو بنكيران؟ عندما كان هذا الحزب خارج الحكومة، فإنه كان يلتزم بقواعد المعارضة «أي معارضة الحكومة وليس الحكم»، لكن، بعد موجة الربيع العربي، اكتسح انتخابات 2011، وأصبح مفروضا التعامل معه. وطيلة خمس سنوات من قيادة بنكيران للحكومة، كان يبدو شخصا صعب التطويع، رغم استعداده لتقديم تنازلات، لكن، بعد انتخابات أكتوبر 2016، تمت تنحية بنكيران بعد 5 أشهر من البلوكاج، ونجح المخزن لأول مرة في بث الخلافات داخل الحزب، يقول السحيمي: «أصبح وزراء البيجيدي في حكومة العثماني في خدمة وزير الفلاحة أخنوش، وهذا أثار مشكلة داخل الحزب». وحسب قيادي في البيجيدي، فإن «إعفاء بنكيران وتعيين العثماني ليس قرارا يهم الحكومة فقط، إنما يعتبر تدخلا في اختيار الأمين العام للحزب في المؤتمر المقبل». ولهذا السبب فإنه في وقت كان يجب أن يغادر بنكيران قيادة الحزب، بعد ولايتين له على رأسه، فإنه لم يعترض على تعديل قانون الحزب للسماح له بولاية ثالثة. مقربوه يعتبرون أن استمراره «يحافظ على استقلال قرار الحزب».