سليمة الزياني، أو سيليا، كما تُعرف في الريف، قضت فترة في سجن عكاشة بالدار البيضاء، وخضت للتحقيق بسبب كونها كانت ضمن الوجوه البارزة لحراك الريف. لكنها ستحصل على عفو ملكي عقب التحقيق معها. بيد أن المحاضر المتضمنة في قرار الإحالة لقاضي التحقيق المكلف بالقضية كما اطلع عليه مصدر قضائي، ستكشف ما حدث بالضبط لسيليا حتى كادت أن تنهار في السجن. وصلت سيليا إلى مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بعد رحلة بالسيارة دامت 13 ساعة، فقد وضعت في الكرسي الخلفي لسيارة الشرطة في منتصف الليل بالحسيمة، لكنها لم تصل سوى في الساعة الواحد ظهرا من اليوم الموالي. وتظهر محاضر التحقيق أن المروحية التي قيل إنها استعملت في نقل معتقلي الريف نحو الريف، لم تستخدم في واقع الأمر سوى مرة واحدة لنقل ناصر الزفزافي، القائد الميداني للحراك. في تلك الطريق الطويلة، كانت يدا سيليا مصفدتين إلى الأمام رغم أن ضابط شرطة في الحسيمة حاول إقناع عناصر الأمن اللذين سيرافقانها بأن يصفدا يديها إلى الخلف. وكان شهر رمضان، لكنهم تناولوا وجبة السحور دون أن يقدموا لها أي شيء، كما قالت. وشرعت الشرطة في استجوابها بمجرد وصولها إلى مقر الBNPJ، واستمر ذلك لأربع ساعات. «كانوا يقولون لي تحدثي يا وزيرة الثقافة»، كما قالت لقاضي التحقيق، وذلك لقب كان قد استخدمه المرتضى إعمرشا في قائمة صممها لوزراء في حكومة الريف على فايسبوك، وأدرج سيليا كوزيرة للثقافة. وكانوا يفعلون ذلك باستمرار للسخرية منها. في نهاية المطاف، وكما حكت لقاضي التحقيق، فإن رجال الشرطة سلموها محاضر للتوقيع، ثم عادوا لاحقا ليقولوا إن تعديلات حصلت على بعض الفقرات، وكانت توقع على أوراق المحضر رغم أنها لا تطلع عليها على حد قولها. وتعزو سيليا ذلك إلى ظروف الاستجواب، فقد «كان المحققون يقولون لي إن الملك الراحل الحسن الثاني كان صادقا عندما وصف الريفيين بالأوباش»، ناهيك عن التهديد المستمر لها. «كنت أسمع صراخا أثناء استجوابي، وكنت أعتقد أنه صادر من أحد رفاقي المعتقلين، فسألت عن حال ناصر الزفزافي فقالوا لي إنه الآن في فندق خمس نجوم، ويقصدون بذلك السجن». ثم أردفت: «لقد هددوني بأني سألقى المصير نفسه مثل هؤلاء الموقوفين الذين يصرخون إن لم أتعاون معهم في الأجوبة». وتروي سيليا قصة مشاركتها في ذلك اليوم الذي شهد الأحداث، أي يوم 26 ماي الفائت، فقد طلبت من سائق طاكسي يدعى محمد المحدالي (يوجد بسجن عكاشة حاليا) أن ينقلها من وسط المدينة إلى بيت عائلتها، وكانت الساعة حينها حوالي ال12 ظهرا، فأخبرها المحدالي بأنه سيلتقي ناصر بعد قليل ليتسلم منه مبلغا ماليا كان مدينا به لصالحه، مقترحا على سيليا أن ترافقه في هذه الرحلة، فعرجا فعلا على حي سيدي عابد حيث يسكن ناصر، فوجدت سيليا الوضع وقد أصبح محتقنا، وقد طلب منها ناصر أن تصوره وفعلت ذلك، لكنها سرعان ما طلبت من سائق سيارة الأجرة أن يعيدها إلى حيث كانت. لكنها ستعود مرة ثانية بمعية صديقات لها إلى بيت والدة الزفزافي، وكان ناصر حينها يلقي كلمة من فوق سطح منزله، وبسبب تدهور الوضع قررت الرحيل من ذلك المنزل، وغادرت صوب بيت عمتها غير البعيد عن المكان. ولاحقا، سيلقى عليها القبض وهي في سيارة أجرة أخرى بمعية صديقتين، وستفرج الشرطة عن صديقتيها وستبقيها هي وحدها. وفي الحسيمة، تعرضت سيليا لسوء معاملة كبيرة، فقد أخذت الشرطة عينة من لعابها وقيل لها إن الأمر يهم تحليل داء فقدان المناعة المكتسبة (السيدا). «قالوا لي ذلك باستهزاء»، كما ذكرت لقاضي التحقيق. المثير أن القصة التي روتها سيليا لقاضي التحقيق تختلف بشكل كبير عما نسب إليها في محاضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، ففي تلك المحاضر تقول سيليا إنها عملت على مساعدة ناصر الزفزافي على الهروب من الشرطة في ذلك اليوم بالقرب من المسجد الذي قاطع خطيبه، بمعية محمد المحدالي، ثم عادت لاحقا بمعيته إلى منزله وصعدت بجانبه إلى السطح حيث ألقى كلمة حث فيها الناس على الاستمرار في الاحتجاج.