الكل ينتظر الدخول الاجتماعي والسياسي لإعطاء الانطلاقة المنتظرة في كل مناحي الحياة بالمغرب. سيقول البعض وهل المغرب في حالة غيبوبة؟ فيما قد يقول قائل إن المسببات نفسها لا يمكن أن تفضي إلا للنتائج ذاتها. كيفما كان الحل، لا يمكن إلا أن نتزود بالتفاؤل وإلا علينا أن نغلق الأبواب وراءنا ونطفئ الأضواء ونبكي حظنا العاثر، وهذا بالطبع وضع مبالغ فيه. رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، قرر في هذا الدخول تكريس تقليد جميل يكمن في تنظيم لقاء غير رسمي مع الإعلاميين على دفعات بشكل دوري. قبل يومين كنت ضمن المجموعة الأولى وتسنت لي فرصة التقاط إشارات عدة في شخصية الرجل، في أسلوبه وفي منهجيته. لم يعد سراً أن الرجل هادئ، بشكل مبالغ فيه أحيانا، لكنه، كذلك، سميع جيد لمخاطبيه، يرتب أفكاره قبل إطلاق أجوبته ويتفادى المواقف المثيرة للجدل، ما لا يجعله «زبوناً جيداً للصحافة». ومع ذلك نجح الصحافيون الحاضرون أن يحصلوا منه على تصريحات يقولها لأول مرة. إذ حكى بكثير من التوتر وبتفاصيل دقيقة مجريات الأحداث التي جرت يوم تعيينه، وكيف كان في عيادته يشتغل وفي قاعة الانتظار يوجد زبونان، عندما تلقى مكالمة هاتفية من الديوان الملكي يوم الجمعة وكانت الساعة تشير إلى منتصف النهار تدعوه إلى الالتحاق بالقصر الملكي، حيث سيعينه الملك رئيساً للحكومة. إذاك غابت لدى الرجل كل هواجس السياسة وثقل المسؤولية واستحضر البعد الإنساني، مكلماً والدته التي مازالت تقطن جنوب المغرب ليخبرها ويطلب منها أن تدعو له بالتوفيق. الآن، والكل ينتظر أن يقدم رئيس الحكومة، عشية اليوم، الحصيلة الحكومية ل120 يوما من عمر الحكومة، لا بد أن نقف عما تم إنجازه، وما تم الإخفاق فيه من وجهة نظر إعلامية صرفة ومهنية. فمن حق رئيس الحكومة أن يفصل فيما يعتبره إنجازات، ومن حق الإعلامي أن يختار زاوية معالجته للوقائع. فالعثماني مازال يعتقد أنه، بالرغم من أن حزبه دخل السنة السادسة في رئاسة الحكومة، لا يمكن الحد من الفساد، ولا نقول القضاء عليه، إلا بمقاربة تشاركية، أي تشمل الجميع بمن فيها المواطن. نعم، إن هذه الحرب تهم الجميع، لكنها مسؤولية من له السلطة وقوة الزجر وهي الحكومة. وحتى وهو يعترف بهذه المسؤولية، فرئيس الحكومة يهرب بالنقاش لمرمى العدالة ويذكر الجميع أن القضاء خرج من السلطة الحكومية وصار مستقلا! هكذا نعود إلى نقطة الصفر وهذا ما حذر منه الحقوقيون والإعلاميون وقاومه المصطفى الرميد، وزير العدل السابق، حتى آخر أيامه بالوزارة، لأن التحجج باستقلالية القضاء والنيابة العامة سيكون هو شعار المرحلة كلما تضرر المواطن أو سجل قصور قضائي في أحد الملفات الكبرى. لذلك لا يمكن أن ننتظر ثورة في جسم القضاء المغربي بخصوص الاستقلالية الحقيقية وتطهيره من آفة الرشوة وجعله الجهاز الضامن للعدالة الاجتماعية المنشودة، على الأقل خلال الخمس سنوات المقبلة، أي الولاية الحكومية الحالية. فآليات محاربة الفساد التي يدفع بها العثماني تمر كلها تقريبا عبر الجهاز القضائي، الذي سيكون الفيصل في معالجة الملفات الصغرى والكبرى والتجاوب مع قضايا الرأي العام أو تجاهلها بمزاجه كما هو حاصل الآن. لقد تبين، كذلك، أن رئيس الحكومة يريد كسب السلم الاجتماعي بتفادي رفع الدعم عن مواد السكر والغاز والدقيق، وهنا يبدو، أيضا، أنه لن يكون هناك رفع للدعم على الأقل في السنوات الثلاث المقبلة، وهذا أول تناقض واضح مع التصريح الحكومي. في الشأن الداخلي اتضح أن هناك تباعدا في الرؤى مع عبدالإله بنكيران، الذي يرفض حضور اجتماعات أحزاب الأغلبية وهذا محرج لرئيس الحكومة، بحيث يكرس أمين عام البيجيدي، عدم قبوله لأحزاب بعينها في التحالف الحكومي وهذا يزيد متاعب العثماني، الذي بدا واضحاً أنه مسلم بإعادة ترشيح بنكيران لولاية ثالثة رغم مقتضيات الفصل 16 من القانون الداخلي للحزب. العثماني في وضع صعب، وتحديات البلد كبرى، وانتظارات الشعب كثيرة والبيت الداخلي مهزوز… كان الله في عون الرجل.