يؤكد رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أن كتيبته منسجمة، على الرغم مما يقال عن وجود صراعات داخلية بين مختلف الأحزاب والقطاعات الحكومية، ويعقد العزم على المضي قدماً نحو تحقيق ما يمكن من الإنجازات في الخمس سنوات التي مرت منها أربعة أشهر. وفي لقاء عقده مع بعض الصحافيين، أمس السبت، بمقر إقامة رئاسة الحكومة بحي السويسي بالرباط، حضرته هسبريس، أشار العثماني إلى أن الانسجام يطبع حكومته، وقال إن اللجان بين وزارية تشتغل باستمرار، خصوصاً اللجنة الخاصة بتتبع تنفيذ البرنامج الحكومي الذي عرضه أمام البرلمان لنيل الثقة. وكثيراً ما تتم مقارنة العثماني بسلفه عبد الإله بنكيران، الذي كان ظاهرة تواصلية بامتياز، لكن ذلك شيء عادي بالنسبة للعثماني، حيث يقول: "لدي أسلوبي الخاص في العمل، وأحاول قدر الإمكان أن أعمل أكثر، خصوصاً في المشاريع الكبرى، لأننا اكتشفنا أن الكثير منها تأخر ولا أحد اهتم بها، وهذا شيء غير معقول". وأوضح العثماني أن الحكومة أحدثت لجنتين، بعد الخطاب الملكي الذي انتقد الإدارة والمراكز الجهوية للاستثمار، مشيراً إلى أن اللجنتين ستُعدان تقارير، في أفق مراجعة التنظيم الذي تخضع له المراكز الجهوية للاستثمار منذ سنة 2002، بعدما تبين أن مركزين فقط منها يقومان بما يجب. وحول ما إذا كانت الحكومة الحالية تحاول القطع مع نهج حكومة عبد الإله بنكيران، قال العثماني: "هناك استمرارية، ليس فقط لما تم في الحكومة السابقة، بل لما أُنجز في الخمسة عشر عاماً الماضية". وفيما يصف البعض حكومة العثماني بحكومة "البلوكاج"، يؤكد الطبيب النفساني أن حكومته "حكومة دبلوكاج". العثماني وبنكيران الملاحظ أن العثماني يحاول ما أمكن الفصل بين ملفات الحكومة والشأن الداخلي لحزب العدالة والتنمية، فهو يريد أن يحاسب كرئيس حكومة من خلال الإنجازات التي حققها. وسيقدم الاثنين حصيلة 120 يوماً في لقاء سيحضره زعماء الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي. ويتعامل العثماني مع الصحافة بطريقة مختلفة عن بنكيران، الذي سبق له أن اصطدم مع صحافيين كثر، لكن العثماني يحاول كثيراً التعامل بهدوء، إذ يستمع إلى الأسئلة، ويجيب عنها بهدوء، وبعض المرات يختار الصمت قليلاً قبل الإجابة عن الأسئلة التي تمزج بين العمل الحكومي والحزبي. واختار العثماني أن يكون منهجياً أكثر في عمله، فحين تم تعيينه من طرف الملك محمد السادس، قام بإجراء مقارنة بين بعض الدول بخصوص العمل الحكومي، منها إيرلندا وفنلندا وإسبانيا وفرنسا، وهو لا يرى في عدد الوزراء وكتاب الدولة في حكومته أمراً غير جيد، فالأمر نفسه موجود في الجارة الشمالية إسبانيا، يقول العثماني. وهو يؤكد بشكل كبير على التقائية العمل الحكومي كثيراً، ولذلك يعمل مساعدوه في رئاسة الحكومة على متابعة العمل الجماعي للحكومة عبر اللجان بين الوزارية، ومتابعة تعهدات كل وزير على حدة من خلال برنامج قطاعي ممتد على خمس سنوات. وكثيراً ما تم الحديث عن ميثاق الأغلبية، الذي سيساهم في تحقيق التقائية العمل الحكومي، لكن لحد الساعة لم يتم اعتماده. وحسب ما أكده العثماني، فالميثاق تم إعداده ويوجد اليوم لدى الفرق البرلمانية للأحزاب المشكلة للحكومة من أجل الاطلاع عليه. ونفى أن يكون "بنكيران معارضاً لتوقيع هذا الميثاق". يوم التعيين لأول مرة يقر العثماني بأنه "كان يتوقع قليلاً تعيينه من طرف الملك"، ويحكي عن الاتصال الذي تلقاه من الديوان الملكي قائلاً: "يوم الجمعة 17 مارس، في منتصف اليوم، تلقيت اتصالاً هاتفياً يخبرني بضرورة حضوري إلى القصر الملكي بالدارالبيضاء على الساعة الثانية بعد الزوال. كنت حينها في عيادتي بالرباط، وكان هناك ثلاثة مرضى في قاعة الانتظار". ويضيف قائلاً: "كان علي أن أذهب إلى منزلي بحي السلام بسلا لأغير ملابسي، ولم يكن هناك وقت كاف، وفي الطريق إلى الدارالبيضاء كان أول من اتصل بي هو بنكيران فأخبرته بالأمر، فرد علي بالقول: سير أش كتسنا". تعيين العثماني من طرف الملك لتشكيل الحكومة كان مفاجأة، لكنه يقر بوجود "توقع صغير لذلك"، إذ يقول:il y avait une petite attente ، قبل أن يضيف أن لقاءه بالملك "دام 20 دقيقة، كان فيه مشجعاً ولطيفاً، وقال لي إنه يريد الاستمرار في العمل مع العدالة والتنمية، ووصاني بأن نسلم على أعضاء الحزب، وأعطاني مهلة 15 يوماً، أو أكثر، في حالة الحاجة إلى ذلك، من أجل تكوين الحكومة". بعد خروجه من الديوان الملكي بالدارالبيضاء، توجه العثماني لزيارة عمه. يقول: "خرجت من القصر الملكي ومْشيت شفت واحد عمي، في عمرو 87 سنة، كان كيدير الدياليز ثلاث مرات في الأسبوع، التقيته ودعا معايا من أجل أن أنجح في المهمة، بعد ذلك اتصلت بوالدتي التي توجد بإنزكان وحلت بالرباط بعد يومين من التعيين". يعي العثماني جيداً أن المسؤولية كبيرة، ويلخصها في جملة واحدة: "المشكل ماشي كيفاش تدخل، المشكل كيفاش غادي تخرج بحصيلة جيدة". كان اليوم حافلا وليس بالهين بالنسبة إلى العثماني، إذ مباشرة بعد عودته من الدارالبيضاء حل بمنزل عبد الإله بنكيران، رفقة كل من مصطفى الرميد ومحمد يتيم. فيما لم يستطع الخلفي واليزمي الحضور نظراً لتواجدهما في فاس. في الغد انعقد المجلس الوطني للحزب وصادق بالإجماع على "التفاعل الإيجابي" مع تعيين العثماني، خلفاً لبنكيران، بعد اجتماع دام 11 ساعة. ملفات كبرى يشدد العثماني كثيراً على الاستمرارية، ويؤكد أن هناك برامج حققت الكثير وتتطلب الإصلاح من أجل فعالية أكثر. ومن ضمن هذه البرامج التي يسعى العثماني إلى العمل عليها "نظام المساعدة الطبية" (راميد) ، حيث كشف لنا أن المرصد الوطني للتنمية البشرية يعكف منذ عامين على تقييم هذا النظام من أجل تطويره. هذا النظام الذي اعتمد في عهد الحكومة السابقة يستهدف 11 مليون مغربي، لكنه واجه مشاكل كثيرة، وهو أمر عادي بالنسبة إلى العثماني، فهو يقول إن التقييم والإصلاح المستمر هما الكفيلان بتحقيق الأهداف المرجوة من أي برنامج اجتماعي. استهداف الفئات الفقيرة يوجد في صلب اهتمامات الحكومة، فوزارة الداخلية تشرع حالياً، بدعم من البنك الدولي، في تحديد الفئات التي يجب أن تستهدف من خلال البرامج الاجتماعية، مثل "الراميد" والدعم المباشر المرتقب في حالة رفع الدعم عن المواد المدعمة من قبل صندوق المقاصة. وبخصوص هذا الصندوق، الذي لا يزال يدعم غاز البوتان والسكر والدقيق، نفى العثماني أن يكون هناك أي قرار قد اتخذ برفع الدعم لحد الساعة، لكنه يؤكد أن الرفع سيكون تدريجياً، وسيبدأ سنة 2019 بعد انتهاء دراسة تحديد الفئات المستهدفة التي تشرف عليها وزارة الداخلية. تعويم الدرهم والتشغيل وبخصوص سؤال: لماذا تم تأجيل قرار تحرير صرف سعر الدرهم؟ كان جواب العثماني هو أن التأجيل جاء بعدما تبين أن هناك عملية مضاربة في شراء العملة الصعبة، ولذلك تأجل إلى حين، لكنه لم يحدد ما إذا كان ذلك سيحدث في الأجل القريب أم البعيد، ما عدا تأكيده على أن القرار النهائي يعود إلى الحكومة بعد التشاور مع بنك المغرب ومكتب الصرف. "هناك أولويات كثيرة حالياً، لكن قرار تعويم الدرهم لا يزال على الطاولة، وليس لدي تاريخ محدد لذلك. يمكن أن نناقشه في مجلس الحكومة ذات خميس ويدخل حيز التنفيذ يوم الجمعة". وحول التشغيل، يشير العثماني إلى أن الحكومة محتاجة لإحداث 200 ألف منصب شغل سنوياً، وهو أمر ليس بالهين، يقول رئيس الحكومة، ومن أجل الوصول إلى ذلك "يجب تشجيع الاستثمار. ورغم أن الاستثمار العمومي لا يخلق فرصاً للشغل أكثر، لكنه يشجع القطاع الخاص ويساعد على توفير مناخ جيد، ولذلك فمشروع قانون مالية 2018 سيتضمن عدداً من الإجراءات في هذا الصدد"، يضيف العثماني. مؤتمر "البيجيدي" الثامن الكل يترقب المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية، لكن يبدو أن العثماني غير مبال بالأمانة العامة، بل لا يمكنه ذلك، فقوانين الحزب لا تتيح الترشح، بل تتيح الاختيار والتزكية. والمرجح أن بنكيران سيفوز بولاية ثالثة، ومن أجل الوصول إلى ذلك وجب تعديل المادة 16 من القانون الداخلي للحزب. هذا التغيير لن يحصل إلا إذا كان ضمن جدول أعمال المؤتمر، الذي يعده المجلس الوطني باقتراح من الأمانة العامة للحزب، التي بدورها تتلقى تقرير اللجنة التحضيرية للمؤتمر التي يرأسها محمد يتيم، وتضم لجانا قانونية وسياسية. لكن ماذا لو تم اختيار بنكيران أميناً عاماً لولاية ثالثة؟ يجيب العثماني قائلاً: "ليس لدي أي مشكل بخصوص هذا الأمر، ولن يضرني في شيء ولن يمنعني من الاستمرار، لأن وصولي إلى رئاسة الحكومة نال مصادقة المجلس الوطني بالإجماع". أهم الإنجازات والإخفاقات بعد ساعات من الدردشة مع رئيس الحكومة، التحق مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة والمكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الذي يبدو أنه متتبع لكل صغيرة وكبيرة في العمل الحكومي، إذ كان خلال اللقاء يتدخل من حين إلى آخر ليدقق أمراً أو يضيف تفصيلاً. وبالنسبة إلى الخلفي، الذي رافق بنكيران في حكومته على رأس وزارة الاتصال ويرافق العثماني من جديد، فإن الحصيلة التي ستقدم يوم الاثنين تهم 120 يوماً من عمر الحكومة، وستكشف عن 120إجراءً. وحين سألناه عن أهم ما تم إنجازه في الأربعة أشهر الماضية، لم يحتج الخلفي إلى وقت كثير ليقول لنا إن الإعلان عن منحة للتكوين المهني كان حدثاً كبيراً، كاشفاً أن الأمر كان صعباً، وتطلب إجراء لقاء مع الوزراء المعنيين للوصول إلى تخصيص 400 مليون درهم لفائدة طلبة التكوين المهني. أما الإنجاز الثاني الأكثر أهمية بالنسبة إلى الخلفي، فهو المصادقة على قانون التغطية الصحية للمستقلين، الذي بقي على رفوف مجلس المستشارين منذ الولاية التشريعية السابقة. هذا القانون، بالإضافة إلى آخر حول التقاعد، يهم 12 مليون مغربي لا يتوفرون على التغطية الاجتماعية، وهم العمال المستقلون. ويضيف الخلفي أن الإنجاز الثالث هو إنهاء إعداد برنامج "صندوق التنمية القروية" (الذي خصص له 55 مليار سنتيم على 5 سنوات)، رغم المصادقة عليه قبل سنتين، إلا أن اعتماد برنامجه لم يتم إلا في يوليوز الماضي، بعد لقاءات عدة مع الجهات الاثنتي عشرة. وفي نظر الخلفي، فقد كانت أصعب اللحظات في حكومة العثماني تتمثل في إخفاقها في اعتماد قانون التغطية الصحية للوالدين، وأبدى أسفه على انتهاء الدورة الخريفية دون أن ينجح البرلمان في المصادقة عليه. الحسيمة كانت أيضا ضمن أصعب اللحظات، حيث يحكي الخلفي أن "الأمر كان صعبا بالنسبة إلى الحكومة، فقد تواصلنا كثيراً وقمنا بزيارات إلى الحسيمة، وناشدنا السكان بعدم الاحتجاج، لكن الناس خرجوا للاحتجاج يوم 20 يوليوز". ويضيف أن من بين "الإخفاقات" التي طبعت عمل حكومة العثماني فشل قرار تخصيص 7 في المائة من المناصب في الوظيفة العمومية لذوي الإعاقة، حيث قال إن القرار لم ينجح، ويستلزم التقييم والبحث عن طريقة أسهل، وعن أسباب عدم نجاح ذلك. دخول سياسي بنقاش الحصيلة قبل نهاية اللقاء، أسر العثماني لأول مرة بأنه عقد اجتماعاً أسماه "ندوة الحكومة"، قبل 15 يوماً، مع الوزراء وكتاب الدولة، تدارس خلاله الحاضرون حصيلة الأربعة أشهر، ووافقوا عليها. ويراهن ربان سفينة الحكومة على أن يكون الدخول السياسي الجديد مرتبطاً بالحصيلة المرتقبة إعلانها، وأن تتم مناقشتها من قبل الجميع. يبدي العثماني اهتماماً بوسائل الإعلام، ويرى أن الصحافة يجب أن تقوم بدور كبير ليس فقط تجاه الحكومة، بل تجاه المغرب، وقال إن الأحداث الأخيرة (منها اعتداء قاصرين على فتاة في الحافلة) تسائل الكل للقيام بدور إيجابي تجاه المغرب وعدم تقديم الصورة السلبية دائماً.