استفاق المعاربة، صباح يوم الاثنين 21 غشت الجاري، على وقع شريط فيديو صادم، يوثق لمحاولة اغتصاب جماعي لفتاة داخل حافلة للنقل العمومي في مدينة الدارالبيضاء، دون أن يثير ذلك حفيظة السائق، أو من كانوا على متن الحافلة. ولم يكن الفاعلون سوى مجموعة من المراهقين، الذين بدوا فخورين بفعلتهم، ويضحكون بطريقة مثيرة، فيما لم تجد الفتاة من مغيث سوى صراخها الهستيري، الذي يبدو أنه لم يحرك ضمير أحد في الحافلة. وبقدر ما هز الفيديو المذكور شعور المغاربة، وحرك السلطات الأمنية، التي أعلنت اعتقالها ستة مراهقين يشتبه في تورطهم في الجريمة، طٌرح عدد من الأسئلة المسكوت عنها حول دلالات، وأسباب انتشار العنف الجنسي، وحوادث الاغتصاب وسط المراهقين القادمين من أحزمة الفقر، والبؤس الاجتماعي. عبد الواحد النقاز، الباحث في علم الاجتماع، اعتبر في تصريح لموقع "اليوم 24″، أن الموضوع يستدعي أكثر من تفاعل فايسبوكي لحظي، يدغدغ الوجدان الجماعي للمغاربة، الذي يبقى في عمومه محافظا، ومتخوفا دائما من الفضيحة، وفق منطق "عيبنا ما يعرفو غيرنا". وأضاف النقاز أن "الغريب في قضية محاولة اغتصاب الفتاة على متن "الطوبيس"، تجاهل السائق، والراكبين للأمر، مبرزا أن هذا النوع من الاغتصاب لا يعبر عن العنف الجنسي، كما يقع في حالات كثيرة معروفة، بقدر ما يعبر عن سقوط ستار الانضباط لدى فئة المراهقين. ويرى المصدر ذاته أن الملاحظة السيوسيوجية الأولية تنبهنا إلى أن المغرب ماض نحو المصرنة، أي التحول إلى مصر جديدة بكل مظاهر العشوائية، وهيمنة الفوراق الطبقية، وانفلات المجتمع. وعزا النقاز أسباب هذا الانفلات بالأساس إلى انتشار الفقر، والتفكك الأسرى، وانسحاب الدولة من مجال الخدمات، أي دولة الرعاية الاجتماعية، مضيفا أن مقولات ضياع الهوية، وغياب القيم لا تسعف في الفهم، والتحليل الحقيقي، فكل من عاش في الأحياء الشعبية للمدن الكبرى بعد الانفجار الحضري لسنوات الثمانينيات يعرف أن الأطفال، والمراهقين يتأطرون وفق قيم "الزنقة"، التي تغذي العنف، والتفوق الجسدي، والتمرد على النظام العام، وتمتح من ثقافة السيبة، مبرزا أن هؤلاء،غالبا، ما يتحركون وفق مجموعات الأقران، ويقترفون، من باب المغامرة، أفعالا شبه إجرامية في الفضاء العام. ولفت الباحث المغربي الانتباه إلى أن هذا الوضع تفاقم مع انهيار المدرسة العمومية، وموت النشاط الثقافي لدور الشباب، والجمعيات، وانحصار تأطير الجماعات الدينية، لذا صار المراهق، الذي لا يدرس، ولا يعمل ولا يتعلم حرفة عاريا أمام إغراءات المخدرات، خصوصا القرقوبي، المسؤول الأول عن هذا الهيجان، الذي يؤكد فشل الدولة في حماية المجتمع من معاول الهدم، التي تذر أرباحا خيالية في جيوب مافيا التهريب.