مباشرة بعد إعلان نتائج انتخابات 7 أكتوبر، ظهر أن إلياس العماري في طريقه إلى التواري عن المشهد الحزبي، ليس لأنه فشل في إلحاق الهزيمة بغريمه السياسي، عبد الإله بنكيران، بل لأن السلطة التي دافعت عنه ومكّنته من كل الوسائل لتحقيق هذا الهدف، شرعت في ترتيبات جديدة، كان العماري أبرز الغائبين عنها. أولى تلك الترتيبات، التي أبانت أن السلطة طلّقت العماري، استدعاء عزيز أخنوش، رجل المال والأعمال، من خارج الساحة السياسية التي غادرها سنة 2012 ببلاغ رسمي، إلى رئاسة التجمع الوطني للأحرار، الذي غادره أمينه العام السابق، صلاح الدين مزوار، في صمت ودون أي رد فعل. هو رابع أمين عام لحزب الأصالة والمعاصرة، لكنه أسرعهم رحيلا. كان على مدى ثماني سنوات رجل الظل «القوي»، والطيف الذي يخيم على كواليس حزب الدولة الجديد، لكنه، منذ عودة بنكيران العدالة والتنمية إلى اكتساح الانتخابات المحلية ل2015، وإصرار هذا الأخير على الاستمرار كحارس أمين لمصباح الإسلاميين، خرج إلى الأضواء التي سرعان ما أحرقته. إلياس العماري استقال، لكنه في أعين المراقبين أقيل. «ليست استقالة ولا إقالة، إنها ‘‘ارحل'' آتية من الحراك»، يقول الخبير السوسيولوجي المخضرم محمد الناجي، مشددا على أن «استقالة رئيس الأصالة والمعاصرة حالة خاصة، علاقتها بتسيير الأحزاب تنحصر في إشكالية الأحزاب الإدارية. مقاربتها تطرح مشكل السلطة وعلاقتها بالتحكم في التطورات الاجتماعية وفي التيارات المناهضة للحكم. ورغم التوقيت الذي اختير لها، فليست لها علاقة بخطاب العرش». مصطفى اليحياوي، أستاذ الجغرافيا السياسية بكلية الآداب بالمحمدية، يرى أن الدولة، منذ سنتين على الأقل، ظهر أنها تخسر باستمرار مع العماري، إذ «فقدت الكثير من قوتها الاستباقية للأحداث بسبب فشلها في احتواء مضاعفات الأزمة الاقتصادية، واختلالات التوزيع المجالي للتنمية، وتسارع التحولات القيمية للمجتمع، وارتفاع أصوات الاحتجاجات الشعبية على تردي خدمات الديمقراطية المحلية»، وهي عوامل «لم يعد معها للدولة ولآلياتها المؤسساتية الخاصة بالتنظيم والضبط والوساطة هوامش كبيرة للتفاعل إيجابيا مع الطلب الشعبي المتزايد على الحرية والعدالة الاجتماعية والإنصاف». من جانبه، يقول مصطفى السحيمي إن الأمر يتعلّق بفشل مزدوج لشخص العماري ولحزب الأصالة والمعاصرة. «حزب الأصالة والمعاصرة يعاني أصلا مشكلة الزعامة، وذلك منذ تأسيسه في 2008-2009. فمنذ ذلك الحين، عرف هذا الحزب أربعة أمناء عامين، حسن بنعدي ثم محمد الشيخ بيد الله ثم مصطفى البكوري ثم إلياس العماري. هذا الأمر يعكس صعوبة في إيجاد الشخصية المناسبة لتولي هذه المهمة»، يقول السحيمي، الذي يخلص إلى ترجيح سيناريو انتقال تدريجي للثقل الانتخابي للبام نحو معسكر الرئيس الجديد لحزب الأحرار، عزيز أخنوش. استقالة كانت أم إقالة، ماذا بعد؟ هل هي نهاية متأخرة لمشروع أجمع من حضروا عقيقته أنه لن يعمّر طويلا؟ هل يمكن لهذا الحزب السياسي أن يستمر في الوجود بعدما لعب آخر أوراقه، وأخرج مهندس كواليسه ليقود المعركة الأخيرة ضد بنكيران؟ ثم ماذا عن المشروع الأصلي الذي أفضى إلى تأسيس هذا الحزب؟ هل تتراجع الدولة عن خيار الهيمنة على الحقل السياسي وفرض توازن مصطنع؟ أتتراجع السلطة عن أسلوب الفرملة ومقاومة التطلعات الشعبية نحو مزيد من الديمقراطية والحريات، أم إن اللحظة مجرد وقفة للتأمل و«تصحيح» المسار، ونقل السلاح من أيدي «يساريين» جرى تجنيدهم إلى كتف الملياردير الواثق عزيز أخنوش؟