في هذا الحوار مع الفنان كمال كاظمي، تخرج إلى العلن شخصية مسرحي مجد، لكنه متواضع، يخلق البسمة والفرجة التي هي ثمرة الفكرة والثقافة، بسيط في إنتاجه لكنه عميق في أدائه. يتحدث عن لقائه بالملك، وشخصية حديدان، والسيناريوهات التي كتب، والأدوار التي يتمنى أداءها. { إنك ممن أضحك القصر ما قصتك مع العائلة الملكية؟ هل سبق لك أن التقيت أحد أفرادها؟ القصر دخلته لدى توشيحي بالوسام، ولا قصة لي، لكن طبيعي أن أكون قد شوهدت من قبله، وذلك كان باديا من خلال حديث الملك إلي الذي كان راضيا عن عملي. { وما حكاية إعجاب الأمير مولاي الحسن بك؟ قيل الكثير في هذا، لكن كل شيء إشاعات. { ماذا قال لك الملك تحديدا يوم توشيحك؟ كلماته كانت مؤثرة وكان وقعها طيبا على نفسي، إذ قال لي «الله يرضي عليك هادشي اللي كدير احنا متابعينو وراه دخل لقلوب المغاربة.. وزيد كمل..» وهذا بالنسبة لي تكليف، ويمنحني في الآن نفسه شحنة قوية لأقدم ما هو أفضل. فوصول عملي إلى أعلى مستوى بمشاهدته من قبل أعلى سلطة في المغرب، يجعلني أحرص أكثر على انتقاء أدواري، وأدقق في كل صغيرة وكبيرة. صحيح أن هذا الأمر متعب نفسيا، لكنه يريحني في النهاية، وأرجو أن أستمر على هذا النحو، دون أدخل في حسابات معيشية مادية، تفرض قبول أعمال لا نرضى عنها. { هل سبق أن وجدت نفسك في مثل هذا الموقف وقبلت تأدية دور فقط في سبيل الحصول على المال؟ لا، وإنما قبلت بأداء أدوار لأني كنت في حاجة لأن أشخص، حتى لا أدخل في دائرة الركود وأنا أنتظر قدوم أدوار جيدة قد لا تأتي. ومثل هذا الانتظار هو ما أدخلني عالم الكتابة. { تقصد كتابة السيناريو؟ بدأت كتابتها منذ عشر سنوات، ولدي مشاريع كاملة للتلفزيون وللسينما، أفلام طويلة وقصيرة. { على ذكر السينما، أين وصلت تجربة «دالاس» أول فيلم مثلت فيه؟ «دالاس»، هو فيلم مع علي مجبود ألعب فيه دور البطولة إلى جانب كل من آمال الأطرش وعزيز داداس، ويندرج في إطار الكوميديا السوداء. { ألا ترى أن دخولك السينما جاء متأخرا؟ مشواري الفني كله كان متأخرا وبطيئا. ولأحظى بالصيت الذي حظيت به من خلال سلسلة حديدان تطلب مني ذلك سنوات طويلة، إذ بدأت مشواري الفني سنة 1992 بدراسة المسرح على يدي محمد عفيفي ومحمد التسولي. وكنت على مدى تلك السنوات شغوفا بالمسرح ومتميزا بشهادة كل من عرفني حينها. لكن لا أحد انتبه لذلك. { ولماذا بقيت في الظل ما دمت كنت متميزا؟ أولا، لأني لم أكن متملقا، ولم أكن أشارك في «الكاستينات»، وأكثر ما كان يشغلني هو بناء ذاتي الفنية وتكوين شخصيتي. ولأني لم ألج المسرح من أجل الشهرة أو تحصيل عمل ما. المسرح حب بالأساس، وله الفضل في تربيتي. { كيف رباك؟ النصوص القوية التي اشتغلت عليها، والقيم التي حملتها أثرت في كثيرا، وساهمت في تكوين شخصيتي. وهذا أمر طبيعي، فلا يمكن أن تدخل مجالا إنسانيا فنيا حاملا لقيم جميلة ولا تشربها، وإن كانت هناك نماذج ممثلين اتخذوا المسرح حرفة، دونما تأثر بأي شيء من هذا. { هؤلاء ناجحون في نظرك؟ النجاح مستويات. هناك ممثلون يملكون المال، ومعروفون لكنهم غير محبوبين لدى الجمهور. { تقصد الشهرة لا النجاح؟ اللص أيضا مشهور. { الفنان الناجح هو المحبوب كما قلت، هل ترى نفسك ناجحا؟ بالنسبة لي، «حديدان» يجيب عن هذا، مثلما يجيب عن عدد من التساؤلات التي كنت أطرحها على نفسي، بخصوص الإقصاء الذي عانيته عدة سنوات، رغم كوني ممثل مجد وأثبتت مهاراتي. كنت أشتغل في الظل كما أحب، لكن شخصية حديدان أخرجتني من ذاتي؛ من شخصية كمال كاظمي الذي كان يحب الجلوس في «العتبة والحدائق، والذهاب للمواسم والأسواق»، والاختلاط بمختلف الشرائح لمعاينة نماذج شخصيات مختلفة. وأعود لأقول إني عاشق للمسرح الذي كان محط تركيزي ولم يعنيني التفكير في السينما. ولو كان المسرح «كيوكل الخبز ما عندي ماندير بالتلفزة ولا السينما»، لكن لا بأس فيهما، إذا فكرنا في أن هذه السينما يمكن أن نبدع من خلالها ونطرح أفكارا مهمة. لكن شرط أن نتوفر على مخرجين مبدعين «مجانين». { ألا ترى نموذجا منهم في المخرجين الحاليين؟ هؤلاء غير موجودين في المغرب. لكن يمكن أن يوجد أحدهم بين الشباب القادم، الذي يقتحم عالم السينما. وهناك بعض المخرجين الذي لا هم لهم غير التوفير وآخر ما يعنيهم هو السينما. { إن سألتك أي المخرجين تود الاشتغال معهم؟ ليست هناك أسماء محددة، لكني أرجو أن يكون المخرج الذي سأشتغل معه مخرجا قادرا على أن يفكك معي جنبا إلى جنب تفاصيل الشخصية، لا أن يكون مخرجا يقدم لي السيناريو لأحفظه وأعود لأصوره. لأني تربيت في المسرح على البحث والاجتهاد. وعلى هذا النحو كانت تجربتي مع علي مجبود، الذي هيأ لفيلمه بشكل كبير، وكان يعرف ما يريد، ويعطي للممثل مساحة ليعبر عن رأيه، بخلاف بعض المخرجين الذين لا يعرفون ماذا يريدون تحديدا. هل تفكر في إخراج أحد الأفلام الطويلة التي ذكرت أن سيناريوهاتها جاهزة لديك؟ لا، لكن لدي أشرطة قصيرة جاهزة سأخرجها حين أجد الفرصة المناسبة. وقد سبق لي إخراج شريط قصير بعنوان «شعيلة»، مثل فيه كل من نجاة الوافي وعزيز داداس. { لم لا إخراج أفلام قصيرة وفيلم طويل ؟ الأمر لا يتعلق هنا بالقدرة، وإنما لأني لا أقبل أن أؤدي كل الأدوار في عمل ما، أن أكون ممثلا ومخرجا لا أراه مناسبا. أحب تركيز جهودي في شيء واحد. { ألم يحن الوقت بعد لأن تخرج هذه الأعمال من طرف آخرين؟ أعتقد أنه قد حان الوقت، فقط أنتظر أن ألتقي المخرج والمنتج الذين يمكنهما أن يؤمنا معي بما كتبت، ويخرج على النحو الذي تصورته، لدى كتابتي هذه المشاريع. عرض علي كثيرون الاشتغال، لكني مازلت أنتظر ما قلت. وأؤكد أن هذه الأعمال أريد أن أتقاسمها مع الممثلين الذين يحملون معي نفس الهم؛ أصدقائي المبدعين. { شخصية «حديدان» التي ذكرت أنها من منحك النجاح أو الشهرة، ألا تخشى ألا يقبلك الجمهور وألا تتوفق في غيرها؟ أنا لا أخشى هذا، ولا أفكر فيه، لأن الجمهور المغربي هو جمهور ذكي، يميز بين الممثل الاصطناعي وغيره التلقائي، والثاني هو اتجاهي وأنا مطمئن الآن، لأن الجمهور حين يلتقيني لم يعد يقول لي «تبارك الله عليك.. على حديدان..؛ وإنما تبارك الله على أدوارك». وإن كان حديدان هو من عرف بكمال كاظمي وبباقي الشخصيات التي أداها. وأضيف أني في مهنة التمثيل أعتبر نفسي في معمل كبير أجرب، أسعى إلى التجريب فيه، وليس بالضرورة أن أنجح بنفس صورة حديدان. وأقول إني قدمت عدة أدوار وشخصيات كبيرة لم يعرفها الجمهور، تختلف كثيرا عن حديدان. { ما هي هذه الأدوار على سبيل المثال؟ أدوار مسرحية مختلفة، نلت عنها جوائز أحسن ممثل. { لم، برأيك، أحبك الجمهور في «حديدان» أكثر من غيره؟ ذلك لأن «حديدان» دخل في قالب تمغربيت التي يحن إليها المغربي الذي لا يرى نفسه في تلفزيونه. { وماذا عن الإنتاجات التي يقدمها هذا التلفزيون؟ تسعون في المائة منها لا علاقة لها بالمغربي، ونادرا ما يلمسه عمل ما. و «حديدان» جاء ممثلا ل «تامغربيت» الأصيلة، التي وظفت في الاشتغال عليه. في تصاريح سابقة قلت إنك لن تعود لتأدية حديدان لأنك تبحث عن التغيير، ما تزال على الرأي نفسه؟ شخصية «حديدان» الوحيدة التي ما يزال علي تقديمها للجمهور هي «حديدان شو»، الذي وعدت جمهوري بتقديمه على خشبة المسرح. { متى ستقدمها؟ أنا من الأشخاص المتأثرين بالخوف، الذين لا يستطيعون الإقدام على إبداع جديد دون دراسته كما يجب. لم أجد بعد القالب المكتمل لصورة «حديدان» على المسرح. { الصوت الذي أديته في «حديدان»، هل كان اجتهادا منك أم بطلب من فاطمة بوبكدي مخرجة العمل؟ قمت بدور «بونعالة» شخصية بخيلة في سلسلة «رمانة وبرطال»، واخترت لها ذلك الصوت، وهذا الأداء هو ما أثار بوبكدي ورأت فيه صورة شخصية حديدان فطلبت مني حين أدائي لها تقديمها على نفس المنوال. وذلك الصوت آت من كوني أقلد الأصوات في الأساس. والجمهور لم ير بعد كل الشخصيات والأصوات التي أؤديها، فحديدان ليس إلا وجها واحدا من هذه الشخصيات. { وما يمنعك من إخراجها وإظهارها لجمهورك؟ المانع الحقيقي هو عدم وجود سيناريوهات جيدة، وهي وحدها من يمكنها أن تسمح لي بهذا، وندرتها ما يدفعني لأن أكتب لنفسي. الكتابات الموجودة لا ترقى إلى مستوى ما نستطيع وما نريد أن نقدمه، نحن كمبدعين. والكثير مما نقدمه يأتي اضطرارا للعيش. { ما مثال ما اضطررت إليه؟ الاشتغال في سيتكوم «راس المحاين»، الذي لم أكن راضيا على نفسي فيه، وإن استحسنه الجمهور. وأنا أرفض السيتكومات، وما دفعني أيضا إلى قبول الاشتغال في «راس المحاين» هي علاقة الصداقة التي تربطني بمخرجه وبالممثلين الذين شاركوني العمل. { ولم ترفض العمل في السيتكوم؟ لأن الاشتغال عليها في المغرب مليء بالمشاكل والقيود والسيناريوهات التي توضع لها فارغة، ويدخل الممثل في دائرة التأليف والجهد المضاعف حتى يحمي صورته أمام الجمهور الذي لا يغفر، لأن السيتكوم يضع «وجه الممثل في العافية»، في فم المدفع. السيتكوم قنبلة إما أن تفجرها أو تفجرك، هو مغامرة كبيرة في المغرب، لأنه لا يوضع في سياقه المفروض. { لأنك مسرحي في الأصل، هل من الضروري، برأيك، أن يكون هناك عري على الخشبة لإيصال رسالة معينة؟ شخصيا في المسرح، أومن أن مناقشة الجنس أو العري تتم بشكل إبداعي مرموز وبطرق مختلفة دون أن نتطرق إليه مباشرة، لأن هذه الأخيرة ليست إبداعا. والمسرح في أصله موجه لعموم الجمهور، وسواء اتهمنا هذا الجمهور بأنه يعاني انفصاما في شخصيته أو أي شيء آخر، فإنه علينا مراعاة أنه لن يقبل مثل هذه الأعمال. وأتساءل هنا، لم الجرأة في الإبداع تقتصر على فكرة العري والجنس؟ هناك أشياء أكبر وأهم، ومنها الفساد الذي تحيى على وقعه البلاد. وفي هذا أرى أن الصحافة، وخصوصا الجرائد، أقوى من الفن والإبداع في المغرب، تقول ما لا يجرؤ على قوله. طرح المشاكل إبداعيا، سواء في المسرح أو السينما، أما العري والجنس فتكفي معه الرموز والإشارات لأن المخيلة خصبة إلى حد كبير. { علاقة بالجرأة، النوع المسرحي الذي قدمته نعيمة زيطان، ألا ترى أنه دخيل على المسرح المغربي؟ الذين يمضون في هذا الاتجاه هم أشخاص محدودون. يمكن أن نقول إن المرأة في مجتمعنا تعاني إلى حد ما، لكن لكسر هذه المعاناة والحديث عنها لا أعتقد أن تقديم العمل المباشر الصادم أمر يخدمها، بدءا من العنوان الذي اتخذ للمسرحية التي أثارت جدلا. التعريف بمشكل معين وتقديمه على ذلك النحو الصادم لا يمكن إلا أن يزيده تقوقعا، ويبعده على أن يكون منفتحا على المجتمع. وأعتقد أن العمل الذي يكون هدفنا الصادق من ورائه أن يراه الجمهور لا نضع عليه قيودا كما يفعل بعض الذين يمضون بمنطق «خالف تعرف». وأرد على من يقول «المغاربة يقترفون أشياء ولا يحبون رؤيتها»، هل أنت مبدع أم طبيب نفسي؟ ردود أفعال المغاربة تجاه هذا النوع المسرحي أمر طبيعي لأنها طبيعة الإنسان. وأعتقد أن مثل هؤلاء لا يحسبون أمورهم جيدا، ولن أقول إن هؤلاء يشتغلون لحساب أجندات أجنبية أو ما ماثل ذلك، لكنه أمر غير مستبعد. { كما السينما، المسرح رصدت له ميزانيات مهمة من الدولة، وفي الوقت الذي خطفت فيه الأولى الضوء بقي هو باهتا، لماذا برأيك؟ أقول أن السينما هي نفسها لم تتقدم في شيء، وحذاري من الاطمئنان على أنها بخير ! لكن عموما يمكن القول إن سبب ما قلت بسيط، وهو أن السينما تحظى بدعاية في التلفزيون بخلاف المسرح الذي لا يحظى بأي دعاية. الأمر الذي كان متاحا له في الثمانينات والتسعينات حجب اليوم. فكيف يمكن للجمهور أن يصل إلى المسرح أو أن يصله شيء عن المسرح؟ هناك أشخاص لا يعرفون حتى مواقع المسارح، والمسارح في حد ذاتها ليس لها برنامج شهري، باستثناء مسرح محمد الخامس بالرباط. من خلال بحث ميداني أسأل فيه الناس حول سبب عدم ارتيادهم المسرح، نجد أن المواطن لا يعرف شيئا عن هذا المسرح، فلا وجود لكتيبات توزع ولا أي نوع من الترويج له. والمسؤول عن هذا هو الجهة التي أوكل لها الإشراف على المسارح. وأعتقد أن وزارة الثقافة من يجب أن تتحمل مسؤولية هذه المركبات والمسارح. { سيكون حال المسارح أفضل إن أشرفت عليها وزارة الثقافة باعتقادك؟ الدعم الذي منحته وزارة الثقافة يمكن أن يساند الممثل، لكنه أهلك المسرح، الذي هو المحور باعتباره الإبداع المدعوم، وأبعده عن الجمهور، وهذا الأمر ساهمت فيه الوزارة أيضا، التي تجعلنا بشكل اضطراري نسير بوتيرة سريعة، من أجل المرور وإكمال عدد العروض بصرف النظر عما ستستقطبه والأثر الذي يمكن أن تتركه، ومدى قدرتها على تحبيب المواطن في المسرح. هذه الوتيرة السريعة جعلت مسألة المجانية أمرا مفروضا علينا، رغم أننا نطمح لتكسيرها وإخراجها من دائرة اعتبارها حقا، كما يعتقد البعض في عدد من المدن التي قدمنا فيها عروضا، وكانت الجهة المفروض فيها أن تدعم المسرح تكرس ذلك، رغم أننا أوضحنا لها أن المهم بالنسبة لنا ليس الحصول على المال بقدر سعينا لترسيخ ثقافة أن المسرح يستحق أن ندفع لمشاهدته، وإن كان بشكل رمزي. هؤلاء يمثلون الجهات الوصية على المسارح، أقصد التي تسيرها، والعدد الكثير منهم يدخلون المسرح في حساباتهم الانتخابية، باستثمارهم له في الترويج لحملاتهم. ولذلك يجب أن تشرف وزارة الثقافة على المسارح بدلا من هؤلاء. { غير هذا، هل يمكن أن نقول إن المسرح نخبوي، وموجه للمثقف بالأساس؟ لا أعتقد، فهناك مشكل آخر يتعلق بهؤلاء المثقفين، فكثير منهم حين تخبره عن مسرحية يسألك «واش كضحك؟». وهذه رؤية وصورة نمطية قاتمة تكونت عن المسرح، ما يمنعنا كفنانين من الانتعاش في مختلف المدارس المسرحية، ويدفعنا إلى السير في اتجاه واحد. وهذا أيضا راجع لأسباب أخرى، منها وتيرة الحياة السريعة التي يعيش عليها الناس في المدن الكبرى، كالرباط والدار البيضاء؛ فبعد أسبوع من العمل ما يبحث عنه هذا المواطن هو الترفيه، مما يجعله يصنف المسرح في زاوية الترفيه والمتعة.