لقاء الأغلبية الحكومية، الذي تهجَّى فيه ممثلو الأحزاب محفوظة وزير الداخلية عن أن حراك الريف له أهداف انفصالية ويخدم أجندات أجنبية ويتلقى تمويلات من الخارج، ظهر فيه إدريس لشكر كاستثناء يحلق خارج سرب مروض الببغاوات عبدالوافي لفتيت. لشكر لم يتحدث كباقي زملائه عن ارتباط المحتجين بجهات وأجندات خارجية، بل تحدث عن انفصالهم عن الأحزاب، حين قال: "أجمعنا على أننا في دولة القانون والمؤسسات، والمطالب والاحتجاجات تنظمها وسائط وضعها البناء المؤسساتي للبلاد، وهذه الوسائط تخضع للقانون". لقد أراد لشكر أن يقول إن ثمة خللا بنيويا وقع فيه رفاق ناصر الزفزافي عندما قرروا الاحتجاج على الدولة من خارج الأحزاب السياسية. لكن، عن أي أحزاب يتحدث الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي؟ فما هو الحزب الذي مازال بإمكانه النزول إلى الشارع وإقناع الجمهور الغاضب بالعمل في صفوفه، بل أي حزب مازال بإمكانه مجرد النزول إلى قواعده وإقناعها بأن تلتف حول فكرة واحدة وزعيم جامع؟ هل هو الاتحاد الاشتراكي الذي تساقطت أوراق وردته تباعا ولم يبق منه سوى عود الشوك الذي يحمله إدريس لشكر ويدمي به قلوب العائلة الاتحادية، وها هو يتجه نحو المؤتمر العاشر لينتخب بالتصفيق، قبل افتتاح المؤتمر بيوم؟ هل هو حزب الاستقلال الذي اختلت موازينه، فيما قياديوه في الحزب وفي النقابة يتراشقون ب"صروف" الميزان المختل؟أم هو العدالة والتنمية الذي أصبح زعيمه الجديد سعد الدين العثماني، كالمسيح، كلما تلقى صفعة على خده الأيمن أدار خده الأيسر للصفع؟؟ لن أتحدث، طبعا، عن الأحزاب الإدارية التي لا تنزل إلى الشارع إلا في موسم الأوراق الانتخابية والمالية. لنعد إلى محفوظة عبد الوافي لفتيت التي رددها خلفه ممثلو أحزاب الأغلبية، عن تلقي زعماء حراك الريف أموالا من الخارج، ونتساءل: متى عاش الريف بدون أموال الخارج؟ فها هو ابن الحسيمة إلياس العماري يقول في حواره الأخير مع "جون أفريك"، استنادا إلى تقرير لوكالة تنمية أقاليم الشمال، إن 81 في المائة من اقتصاد إقليمالحسيمة يعتمد على الأموال المستخلصة من تهريب الحشيش إلى الخارج، و19 في المائة الباقية تأتي أغلبها من تحويلات المهاجرين المقيمين بالخارج. ألم تظهر "فلوس" الخارج للفتيت والعثماني سوى في لافتات وأعلام الزفزافي وأصدقائه؟ ثم هل كان لفتيت يعتقد أن جرجرة زعماء أحزاب مُفتّتة إلى التلفزيونأأأأآأ، سيجعل المحتجين يقتنعون بكلامهم ويهجرون الشوارع؟ أم إنه أراد توريط العثماني وأغلبيته المفتتة في تصريحات بلهاء لتحريف النقاش عن سِكته وتركيز المشكل في رؤساء أحزاب لا حول ولا قوة لها، ثم تعليق العثماني ومن معه في المسلخ الشعبي، وتنخمد حالة "العُصاب الجماعي"؟ هكذا هي وصفات الأمنيين دائما. ومن جاء على أصله –كما يقول الفقهاء- فلا سؤال عليه. ليعلم خادم الدولة لفتيت وببغاواته الحزبية المفتتة أن حراك الريف هو جُماع مشاكل ثقافية واجتماعية وسياسية، وهو شبيه إلى حد كبير بما وصف به أبراهام السرفاتي نشأة البوليساريو، حين قال إن مشكل الصحراء بدأ كمسألة ثقافية، هوياتية، وإثنية، وعندما لم تتم معالجته تحول إلى دعوة إلى الانفصال. مشكل الريف هو مشكل سياسي، وبالتحديد هو مشكل الديمقراطية، أما الحديث عن مقاربات اجتماعية، فلا يعدو كونه مُسكنا لا يدوم مفعوله طويلا، بل قد يزيد من مضاعفات المرض.