أجمع المشاركون في ندوة «القصة القصيرة عبر الوسائط الإلكترونية»، التي نظمتها ورشة القصة القصيرة بالمغرب، مساء أول أمس، على أن الوسائط التكنولوجية الجديدة شكلت متنفسا للقصة القصيرة، بعدما لم تتمكن أغلب تعبيراتها الإبداعية من أن تجد طريقها إلى النشر الورقي. لكن الندوة حفلت أيضا بالأسئلة الإشكالية حول ماهية الكتابة الأدبية الإلكترونية، وامتداداتها وتأثيراتها القرائية ومنجزاتها النصية حتى الآن. اعتبر الناقد مصطفى جباري أن الوسائط الإلكترونية أتاحت فضاءات جديدة للكتابة القصصية. إذ طرح جباري، الذي قام بتسيير الندوة بعدما تعذر الحضور على شيخ القصة أحمد بوزفور بسبب نزلة برد ألمت به خلال الأيام الأخيرة، العديد من الأسئلة الإشكالية من بينها: لماذا هيمنة القصة القصيرة، من الناحية الكمية، في الفضاءات الإلكترونية؟ ولماذا يلجأ الكُتاب إلى هذه الفضاءات؟ وهل هي رد فعل على النشر الورقي؟ أم استثمار لتقنية متاحة؟ أو هي مجرد رغبة في ضمان شريحة أخرى من المتلقين؟ أم أن طبيعة التواصل الأدبي الجديد تفرض هذا النوع من التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية؟ ويتابع جباري هذه الأسئلة بالتركيز على القصة ذاتها، حيث يقول متسائلا: هل يتعلق الأمر بقصة جديدة؟ أم أنها قصة عادية؟ وما هو أفقها الجمالي عندما تنشر في هذه الوسائط؟ ولماذا يغيب النقد في هذا النوع من الكتابة القصصية؟ وهنا يشير إلى أن النقد يبقى شبه مغيب، ربما لأن واقع هذه القصة لا يتقبل النقد أو يتجاوزه. أما فيما يتعلق بفائدة النشر الإلكتروني، فإن جباري يتساءل عما يستفيده الكُتّاب من هذا النشر، وعما تفيده القصة من ذلك، لينهي سلسلة أسئلته بالقول: كيف يمكن استثمار الوسائط الإلكترونية لتعميق الذائقة الفنية والأدبية لهذا الجنس الأدبي؟ في الإجابات الأولى، يقول القاص محمد عزيز المصباحي، صاحب «شرفة الحكي» على الفايسبوك، إن إنشاء هذه المدونة الفايسبوكية المخصصة للقصة القصيرة جاءت كرد فعل على إحباطاته التي تعرض لها في النشر، معتبرا أن النشر الإلكتروني «غواية» و»قصة جماعية»، خلافا للنشر الورقي الذي يحتكم إلى التقادم، على اعتبار أن كتابات قصصية كثيرة لم تنشر، أو نشرت واندثرت. في هذا السياق، يسلط الضوء من خلال شهادته على ميلاد مدونته الفايسبوكية، باعتبارها موقعا شخصيا موسوما بقلق وحب وشغف في الآن ذاته، مشيرا إلى مدونته والقصة القصيرة شبيهان بالبئر، حيث يبنى الثلاثة من الأعلى إلى الأسفل. ويقول إن المدونة، التي تمكنت من اكتشاف نصوص رائعة، تروم تحقيق مشاريع من بينها: تقديم ببليوغرافيا القصة القصيرة في المغرب، والتعريف بالأطروحات الأكاديمية حول هذا الجنس الأدبي، وفتح نافذة على أصول علم السرد ومناهجه، وتقديم ببليوغرافيا مراجع حول الدراسات المنجزة عربيا وعالميا، وفتح نافذة على مواقع إبداعية عربية وعالمية. لكنه يقول إن المدونة أضحت تتجاوزه، وباتت في حاجة إلى طاقم ودعم مادي يمكن من تحيينها وتحقيق التواصل مع جمهورها. من جانبه، يعتبر الناقد قاسم مرغاتة أن النشر الإلكتروني يتميز بالتنوع، حيث يشير إلى أنه يتيح للنص الأدبي أن يظهر بأشكال مختلفة. كما يسمح، حسب قوله، بأشكال جديدة من التلقي، معتبرا أن من سمات النص الجديدة التفاعل الآني والترحال المتكرر. كما يستاءل عما إذا كانت جماليات القصة صناعة وتلقيا تتحول أثناء الانتقال من النشر الورقي إلى النشر الإلكتروني، معتبرا أن لهذا التلقي مستويان هما: تلقي البناء، وتلقي المضمون. وفي هذا السياق، يشير إلى أن النشر الإلكتروني يصنع تلقيا مباشرا وحيويا، منبها إلى أنه يلقى سخرية الكثير من الكتاب الذين لازالوا يتعايشون مع التلقي القديم، رغم اعترافه أن النشر الورقي لازال هو الأوفر حظا. من جهة أخرى، يرى مرغاتة أن النشر الإلكتروني ينتج تلقيا أفقيا، عكس التلقي القديم الذي ينتج تلقيا عموديا، لكنه يعتبر أنه مازال حديثا بالنسبة إلى العديد من الكتاب المغاربة. كما يخلص إلى القول إن ميزاته الأساسية تكمن في غياب الرقابة وإتاحة حرية أكبر لدى الكتاب، وفي قدرة الكاتب على التحكم فيما يكتب بالمحو والإضافة، وكذا قدرته على التخلص من سلطة الناشر. ويرى الناقد محمد آيت حنا أن الإشكال المطروح على القصة الإلكترونية يشمل أيضا باقي الأجناس الأدبية التي اخترقت الفضاء الإلكتروني، معتبرا أن هذا الإشكال فرض على الكتاب المغاربة فرضا، بالنظر إلى اصطدامهم بالواقع الجديد للوسائط الإلكترونية. كما اعتبر حضور الكاتب في هذا الفضاء أتاح لكتابته بعدا جديدا، هو البعد التفاعلي، مشيرا إلى أن هناك نماذج لكتابات قصصية أخذت الملمح الإلكتروني بعين الاعتبار، من بينها كتابات القاص محمد اشويكة صاحب «القصة التفاعلية». ومن جهة ثانية، يتوقف آيت حنا عند الخلل الذي يعانيه الكاتب المغربي مع التقنية، موضحا أن الكُتّاب في العالم لا يطرحون إشكال الازدواجية بين الكتابة الإلكترونية والورقية، على اعتبار أن كتبهم تصدر اليوم في نسختين إلكترونية وأخرى ورقية. وبعد أن يتساءل عما إذا كانت القصة القصيرة الإلكترونية قصة قائمة بذاتها، يتوقف عند فضائل النشر الإلكتروني، ليقول إنه يسمح بالأرشفة الحية، ويتيح مساحات جيدة للقراءة وفوائد تواصلية بين الكتاب. لكن أهم ما يراه الكتاب هو أن الكتابة القصصية الفايسبوكية قد تعطي أفقا تجريبيا مغايرا في المستقبل.