بعد ستة أشهر من وفاة بائع السمك، محسن فكري، الذي قضى في شاحنة لنقل الأزبال وهو يحتج على قرار إتلاف أسماك حجزت لديه، طوت الغرفة الجنائية الابتدائية، زوال أول أمس، ملف المتابعين على خلفية هذا الحادث المأسوي، والذي مازالت تبعاته قائمة بالريف. وقضت الغرفة الجنائية الابتدائية باستئنافية الحسيمة في الدعوى العمومية، وبعد رفض الدفوعات الشكلية التي تقدم بها دفاع الطرفين، بتبرئة المتهمين بوشعيب بدر الزمان، وهو مستخدم بالشركة المفوض لها بقطاع النظافة بالحسيمة، وبرأت، أيضا، عبد الكريم السالمي، المراقب بالشركة نفسها، وبوزيان موساتي، وهو بائع سمك، وأحمد بن عبو وهو رجل سلطة برتبة قائد. المحكمة قضت، بمؤاخذة المتهمين عبد الحق جبيلو، سائق شاحنة الأزبال، التي قضى فيها محسن فكري، وفريد بوداودي المستخدم بشركة النظافة أيضا، ومحمد بوشرفات حارس قوارب الصيد، من أجل ما نسب إليهم، وعقاب كل واحد منهم ب 5 أشهر حبسا نافذة وغرامة قدرها 500 درهم. وقضت المحكمة كذلك، بمؤاخذة المتهمين عبد المجيد احمراوي، الطبيب البيطري، ومحمد شراف، رئيس مصلحة الصيد البحري، بمندوبية الصيد البحري بالحسيمة، ورشيد الركراكي، مندوب الصيد البحري في الحسيمة، وجمال هادن خليفة قائد بباشوية الحسيمة، من أجل جنحة صنع شهادة عن علم تتضمن وقائع غير صحيحة طبقا للفصل 366 من القانون الجنائي، بعد إعادة التكييف، بدلا من جناية التزوير في محرر رسمي بإثبات صحة وقائع يعلم أنها غير صحيحة، وعقاب كل واحد منهم ب 8 أشهر حبسا نافذة وغرامة قدرها 500 درهم وتحميل المتهمين المدانين بالصائر تضامنا والإجبار في الأدنى. وبخصوص الشق المتعلق بالدعوى المدنية، وبعد رد دفع شركة التأمين، بأداء المتهم محمد بوشرفات تعويضا قدره "33330.00" (ثلاثة وثلاثون ألفا وثلاثمائة وثلاثون درهما) لفائدة كل واحد من والدي الهالك محسن فكري، وبأداء شركة "طيوريف" بصفتها المسؤول المدني، مع إحلال شركة التأمين "أكسا" محلها في الأداء تعويضا قدره 166665.00 (مائة وستة وستون ألفا وستمائة وخمسة وستون درهما)، لكل واحد من والدي الهالك محسن فكري، وبتحميل المتهم محمد بوشرفات وشركة التأمين "أكسا" صائر الدعوى المدنية التابعة على قدر نسبة المبالغ المحكوم بها مجبرا في الأدنى بالنسبة إلى المتهم محمد بوشرفات. وتعليقا على الحكم، قال عماد فكري، شقيق محسن فكري، إن الحكم شكل للعائلة صدمة ومفاجأة، مضيفا في اتصال مع "أخبار اليوم" أنه لاحظ مجموعة من الأمور كان يدرك من خلالها أن الحكم لن يكون كما يتوقعه، مشيرا في هذا السياق إلى مواجهة قاضي التحقيق الطلب الذي تقدم به لتوسيع دائرة التحقيق في الملف، بأن "التحقيق سري"، يضيف عماد. وأضاف المصدر ذاته، أن الحكم يغطي على الحقيقة، بل ويحرفها تماما، يقول فكري، قبل أن يؤكد بأن لا العقل ولا المنطق يقبلان بهذا، في الوقت الذي نجد فيه شخصا يسرق دجاجة مثلا، يتم الحكم عليه بعشر سنوات. وأبرز فكري، بأن الدولة ربما، تريد أن تنتقم من الحراك، من خلال تبيان بأن القضية بسيطة، والدليل هو هذا الحكم، وأن الحراك قام بتضخيم الأمر ليختم تصريحه للجريدة بالقول: "الدولة حكرت محسن حيا وحكرته وهو ميت". وإذا كان الحكم لم يرق إلى تطلعات العائلة، حسب ما أكد شقيق الضحية، فإن عبد النور أضبيب، دفاع بعض المتهمين، أبدى في تصريح مقتضب ل"أخبار اليوم" ارتياحه للمحاكمة التي وصفها "بالعادلة". وأضاف المتحدث نفسه، بأنه فيما يخص منطوق الحكم، فهو غير مرتاح بشكل كلي، وإنما مرتاح "نص نص"، اتجاه هذا المنطوق الذي "لم يرق إلى تطلعاتي كدفاع"، كاشفا بأنه سيتقدم هو الآخر باستئناف في الموضوع. من جانبه، أثار أنور البلوقي، دفاع عائلة محسن فكري، مسألة عدم "موازنة المحكمة بين مصلحة المتهمين ومصلحة الضحية، أو حقوق الضحية"، على اعتبار أن المحكمة "بالغت في اعتماد ظروف التخفيف، رغم أن الجريمة وملابساتها وما أحاط بها لحظة وقوعها، لا يمكن أن نتصور معها ظروف التخفيف، لأنها جريمة أحدثت أثرا اجتماعيا وإنسانيا فادحا، وألما شديدا لدى عائلة المرحوم، ولدى دائرة تعاطفه"، يضيف البلوقي في تصريح ل"أخبار اليوم". وأضاف المتحدث، أن المحكمة قامت، أيضا، بإعادة تكييفها لبعض الوقائع والأفعال، من جنحة أشد إلى جنحة أخف، مشيرا في السياق نفسه إلى أنه لا يعارض مبدئيا في قرينة البراءة ولا المحكمة في رؤيتها وتقديرها للعقوبة، ولا يمكن التعقيب على سلطة المحكمة التقديرية، لكن كان من المفروض "أن تأخذ هذه الأبعاد الخطيرة لهذا الملف، والأثر الاجتماعي لهذه الجريمة، وأن تأخذ بعين الاعتبار الآلام والأضرار التي تكبدتها عائلة المرحوم محسن فكري"، يقول البلوقي. وكشف المحامي، بهيأة طنجة، أنه سوف يعقد ندوة صحافية كدفاع "نوضح من خلالها الأسباب والدواعي التي جعلتنا نرفض هذا الحكم بهذه الصيغة"، يضيف البلوقي، كاشفا في الآن ذاته أنه سيبادر إلى الاستئناف "بصفتي دفاع الطرف المدني، بطبيعة الحال لا نتحدث عن الطرف المدني بمعنى المبالغ المالية المحكوم بها لفائدة الطرف المدني، حيث لا يمكن لأي مبلغ مالي وكيف ما كان أن يجبر الضرر الفادح الذي مُنيت به هذه الأسرة"، يختم البلوقي تصريحه للجريدة.