كشف التقرير السنوي الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، عن بعض الأسباب التي تفسّر تدهور خدمات المكتب الوطني للسكك الحديدية، ومعاناة الزبائن الدائمة من تأخر القطارات واكتظاظها. التقرير قال إن ضعفا كبيرا في خدمات الصيانة وتقادما في المعدات، يؤدي إلى حوادث واضطرابات تؤخر القطارات المغربية عن مواعيدها. تأخر قال التقرير إنه سجّل معدّلا سنويا في الفترة ما بين 2010 و2015، يناهز 20 ألف دقيقة، أي ما معدّله ساعة تأخير كل يوم يتحمّلها زبناء قطارات مكتب ربيع الخليع. هذا الرقم لا يتضمن فترات تأخير القطارات الخاصة بنقل البضائع، والتي سجّلت بدورها معدلا سنويا لفترات التأخير يناهز 6500 دقيقة، أي حوالي 20 دقيقة كل يوم. ضعف شامل في خدمات المكتب يرافقه فرق كبير في حجم الاستثمارات المخصصة لكل من مشروع ال"تي. جي. في" وباقي الخدمات السككية. فالعقد البرنامج للمكتب في الفترة 2010-2015، خصّص 20 مليار درهم للقطار فائق السرعة، مقابل أقل من 13 مليار درهم لباقي المنشآت الثابتة والمعدات المتحركة. وفي مقابل التركيز التام على مشروع القطار فائق السرعة، سجّل التقرير الجديد تأخر مشروع تجديد الخط السككي وتقوية الجسور، وإدخال تعديلات متكررة على مشروع كهربة الخط الرابط بين فاس ووجدة، وتأخر مشروع الرفع من طاقة محور القنيطرةالدارالبيضاء. علاوة على تعثّر برنامج تأمين سلامة عبور السكة. اختلالات ردّ عليها المدير العام للمكتب بالقول إنه أعطى الأولوية لتحقيق الأهداف المسطرة في عقد البرنامج، "الذي يرتكز على مخطط استثماري طموح واستثنائي في تاريخ السكك الحديدية الوطنية. ويشمل هذا المخطط إنجاز مشروع القطار فائق السرعة بين طنجةوالدارالبيضاء بكلفة تبلغ 20 مليار درهم، وكذلك برنامج تأهيل وعصرنة الشبكة السككية الكلاسيكية بكلفة تبلغ 13,8 مليار درهم". وشدّد الخليع في رده الموجه إلى قضاة جطو على أن المكتب حقق "قفزة نوعية على مستويات عدة، منها إنجاز وتسيير مشاريع وطنية كبرى معقدة وفي قمة التكنولوجيا )مجال السرعة الفائقة)". المكتب الوطني للسكك الحديدية الذي خرج الأسبوع الماضي مديره العام ربيع الخليع في ندوة دولية بمدينة طنجة، ليعلن بلوغ أشغال إقامة القطار فائق السرعة، بين مدينتي طنجةوالدارالبيضاء، نسبة 86% من الإنجاز، وأن هذه القطارات الحديثة ستدخل الخدمة في العام 2018؛ يسجّل حسب تقرير مجلس إدريس جطو عددا كبيرا من الحوادث المتعلقة بالسكك الحديدية والمؤدية إلى تأخير القطارات. فقد "سجل عدد الحوادث المتعلقة بالسكك الحديدية ارتفاعا حادا سنة 2011، حيث وقعت 102 حادثة ناتجة عن ارتفاع كبير في تقطع اللحامات وانكسار السكة الحديدية أي بنسبة ارتفاع أكثر من150% . وقد عرفت هذه الحوادث الأخيرة زيادة طفيفة ما بين سنتي 2013 و2014، وانخفضت إلى 58 في المائة سنة 2015″، يقول التقرير، موضحا أن لهذه الحوادث ذات العلاقة بالبنية التحتية "انعكاسا سلبيا على مخطط النقل، وخاصة على انتظام القطارات". أصل هذه الاختلالات، حسب تقرير المجلس، يعود إلى كل من ضعف الصيانة وتقادم التجهيزات. التقرير سجّل كيف أن تخطيط الصيانة يتم من خلال أجندات برامج. "ويتعلق الأمر ببرمجة يدوية للعمليات التي يتعين القيام بها على أساس جولات استكشاف تتم مشيا على الأقدام، وكذا على تسجيلات لمختلف أجهزة القياس التي تقيس المتغيرات المتعلقة بهندسة الخط السككي وهندسة حبال تزويد القاطرات بالكهرباء". وأضاف التقرير أنه وخلافا لمجال السكة الحديدية، فإن العناصر الأخرى للبنيات التحتية، المتمثلة في أسلاك تزويد القاطرات بالكهرباء والتشوير والمنشآت الفنية، لا تدبر بواسطة نظم معلوماتية. وأضاف التقرير أنه لا يمكن التحقق من جودة وفعالية الأشغال المنجزة إلا بواسطة عمليات التفتيش التقني المنتظمة. كما أن تحليل إنتاج حظيرة الصيانة، أبان عن ضعف مردودية بعض الآلات بسبب تقادمها. الأخطر من ذلك أن قضاة جطو وقفوا على تأخر في صيانة بعض المنشآت الفنية، بما فيها الجسور. وبعدما كلف المكتب، سنة 2010، المختبر العمومي للتجارب والدراسات بمهمة القيام بمراجعة شاملة وتقييم مفصل لجودة 478جسرا يتجاوز طولها 5 أمتار، "وعلى الرغم من أن المختبر اعتبر، منذ 3 يونيو2011 ، أن أوضاع 11 جسرا مثيرة للقلق، فإن المكتب الوطني للسكك الحديدية انتظر حتى نهاية مارس 2015 لإقرار التدابير التي يجب اتخاذها". التقرير أوصى مكتب الخليع بالتسريع بمراجعة الأنظمة المرجعية والوثائق المعتمدة ذات الصلة، والسهر على التحيين المنتظم لتصنيف الخطوط، وفقا لقواعد الاتحاد الدولي للسكك الحديدية. "كما يوصي، من أجل الصيانة بشكل مهني للبنيات التحتية والمعدات السككية بتعميم التدبير بمساعدة الحاسوب ليشمل جميع مجالات السكة الحديدية والمنشآت الفنية والتشوير وأسلاك ربط القطارات بالكهرباء، وتسريع تنفيذ الإجراءات المتخذة من أجل صيانة المنشآت الفنية…". في الشق الخاص بتقادم التجهيزات، سجّل التقرير أنه في سنة2015 ، كان عمر 47 % من القاطرات الكهربائية يتراوح بين 30 و 38سنة، وكان عمر 53 % من قاطرات الخط ذات محرك الديزل يتراوح بين 40 و 47سنة، كما كان عمر 43 % من قاطرات الديزل للمناورة يتراوح ما بين 31 و 42عاما. وبناء على ذلك، يسجّل قضاة المجلس ارتفاع كلفة الصيانة، "فقد انتقل مجموع نفقات الصيانة من حوالي 295 مليون درهم سنة 2010، إلى ما يناهز 422 مليون درهم سنة201". كما وقف التقرير على عدم التنفيذ الكلي للبرنامج السنوي المتعلق بصيانة المعدات، "حيث لوحظ أن جزءا كبيرا من برنامج صيانة المعدات ذات محرك الديزل والمعدات المقطورة لم يتم تنفيذه". كما وقف التقرير على إجراء الفحوص والمراجعات خارج الآجال المحددة لها وفق معايير الصيانة، على الرغم من الطبيعة الإلزامية لاحترام مواعيد الصيانة، بالإضافة إلى عدم وجود مخزون استراتيجي من بعض المواد الأساسية في الصيانة. في توصياته الخاصة بتجاوز هذه الاختلالات، كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات عن اختلالات أخرى، حين أوصى بالقيام بحملات لتحسيس المستخدمين المعنيين "للسيطرة على الحوادث الناجمة عن الحمولة الزائدة، مع ما يرافق ذلك من تأثير على الفرامل، على اعتبار أن مثل هذه الحوادث يعود سببه إلى الخطأ البشري". وشدّ التقرير على ضرورة إعداد مخطط عمل خاص "للحد من العدد المرتفع للحوادث المرتبطة بفرامل العربات، واحترام الحد الأقصى لحمولة العربة، والتأكد من أن الوزن الكلي المتضمن لوزن الحمولة، لا يتجاوز طاقة تحمل السكة". التقرير قال إنه وعلى الرغم من الشروط المنصوص عليها، التي تحدد عدد المركبات التي يجب أن تكون جاهزة للاستعمال، "لوحظ وجود عجز دائم في المعدات المتحركة بسبب الهوة القائمة بين الجاهزية المتوخاة والجاهزية الفعلية". عجز فسّره التقرير بسببين: "أولهما أن الناقل يكون ملزما عند توقيع عقد الصيانة بالتقليص من أهدافها من خلال دمج إكراهات برنامج الصيانة، وثانيهما أنه لا يتم بلوغ معدل الجاهزية المنشود أبدا على الرغم من تخفيضه. وينجم عن ذلك أن تنفيذ العقد غالبا ما يؤدي إلى خلق فجوة بين الجاهزية المنشودة المتفق عليها مع قسم صيانة المعدات، والجاهزية المنجزة فعلا". ربيع الخليع، المدير العام للمكتب، قال في رده الموجه إلى مجلس جطو، إن المغرب تمكن من احتلال المرتبة الأولى على المستوى الإفريقي والمرتبة 33 عالميا، فيما يتعلق بجودة البنيات التحتية السككية، وذلك حسب تصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي للعام 2015، وإن المكتب "سيواصل مجهوداته لتحسين أدائه خاصة في المجالات الآتية: التدبير المعلوماتي وتحسين برمجة الصيانة للبنيات التحتية؛ تحسين برمجة صيانة المعدات المتحركة؛ تحديث حظيرة المعدات المتحركة…".