لنسرد الوقائع العجيبة التي أوصلتنا إلى هذه الخلاصة… على قلب رجل واحد: حزب، يقف وراء أمينه العام، قلبا وقالبا في قيادته للمشاورات الحكومية بعدما عينه الملك رئيسا للحكومة، ويسانده في "التنازلات" التي قدمها، وتلك التي رفضها، ويرى أن ما طرحه على باقي الفرقاء هو عين الممكن سياسيا، في ظل نظام انتخابي يفرض على من يحصد غالبية الأصوات، ممارسة الاستجداء والتسول السياسي علّه يحصل على ما تيسر من مقاعد من عند أحزاب أخرى، زادها القليل من الأصوات، لكنها تعرف من أين يؤكل كل شيء، وهذا عطب قديم على كل حال. – بعد خمسة أشهر- إشادة ببنكيران وبإقالة بنكيران!: الملك يقرر إعفاء بنكيران وتعيين رئيس حكومة جديد من الحزب نفسه لمواصلة المشاورات، ويحيل في بلاغ على اتخاذ القرار المذكور ضمن صلاحياته الدستورية، وبذلك ينهي مسيرة بنكيران على رأس الحكومة ومعها خمسة أشهر من "سير واجي" بين الأبواب. الحزب يشيد بالبلاغ الملكي. بلاغ الديوان الملكي يربط بين قرار إقالة بنكيران وتعيين شخص آخر مكانه، وبين السعي لتجاوز وضعية الجمود. الحزب يشيد ببنكيران وببلاغ الديوان الملكي. الحزب يؤكد أن بنكيران لا يتحمل بأي وجه من الأوجه مسؤولية التأخر في تشكيل الحكومة، ويشيد ببنكيران وببلاغ الديوان الملكي… أين المشكلة؟!: الملك يعين سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة خلفا لبنكيران. الحزب يشيد بالثقة الملكية وببنكيران وبسعد الدين العثماني وباحترام الدستور. المجلس الوطني للحزب، حسب ما تسرب للصحف من أخباره، يصر على رفض ضم الاتحاد الاشتراكي للحكومة ويتمسك بالإطار التفاوضي الذي سار عليه بنكيران. لأن الحزب يعتبر أن بنكيران لم يكن المشكلة. لكن الحزب يعتبر، أيضا، أن شروط بنكيران لم تكن هي المشكلة. والحزب لا يرى، رغم ذلك، في إعفاء بنكيران مشكلة. بل بنكيران نفسه لا يرى في ذلك مشكلة. وفوق كل ذلك، الحزب مقتنع، أيضا، ألا مشكلة في مواصلة سعد الدين العثماني مهمة بنكيران.. فأين المشكلة؟ سهرة العفاريت: أجواء من السرور والفرح ومشاعر الانشراح تغمر التماسيح والعفاريت، عفاريت قررت الاحتفاء بإحالة بنكيران على التقاعد المبكر في الأزقة والشوارع والنوادي الليلية والساحات العامة، رافعة شارات النصر، مطلقة العنان لأصوات منبهات سياراتها الخفية والفارهة في ليلة لا تُنسى. بعض المتحمسين بدأ يلوح بتعديل الدستور، ولما لا شطب جملة "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها"، ليس ضدا في الديمقراطية لا سمح الله.. وإنما فقط، لتجنب وقوع البلاد في "بلوكاج" مماثل مرة أخرى.. أسبوعان لتحقيق المعجزة: سعد الدين العثماني، مقيد بأسبوعين لتشكيل الحكومة. أسبوعان للنجاح فيما فشل فيه بنكيران طيلة خمسة أشهر. إجماع: هناك قناعة عامة تسري في الحزب وفي البلاد، من جنس تلك القناعات العامة التي يتم اعتناقها بسرعة البرق بمجرد إطلاقها في الهواء، تقول إن العثماني سينجح.. وعليك ألا تعارض هذه القناعة، ولا أن تنتقد اختيار الحزب "التفاعل الإيجابي"، فالمشاركة، لأسباب لن نفهمها أنا وأنت، أسباب لن يفهمها إلا الغنوشي والعثماني ومورو وكبار منظري الإسلام السياسي هو الحل! يا إلهي! البلوكاج يذوب: حزب الحمامة يهنئ العثماني ويمد يده نحوه ليساعده في تشكيل الحكومة. لشكر يقول إن تجربة العثماني ستساعده في تشكيل الحكومة. البام يقول إنه سيحدد موقفه بناء على موقف رئيس الحكومة الجديد. الاستقلال ينوه، والفرح يعم المشهد السياسي. سعد الدين العثماني يفتح باب المشاورات أمام الجميع. العثماني مندهش قليلا. والبلوكاج يذوب بسرعة الضوء.. الخلاصة الكبرى: العثماني لا يمكن، بحال من الأحوال، أن يكون طبيبا نفسيا فقط، القصر معه والحزب معه والشعب معه والحمامة معه، و"البلوكاج" نفسه معه، إنه ساحر.. ساحر جدا..