حين يحل الأسبوع الأول من شهر مارس، وقبله بقليل، تصيح البيانات والبلاغات باسم المرأة. تُزاحم فيه ندوات الحديث و"المرافعة" عن قضايا النساء، القاطنين داخل غرف الفنادق خمس نجوم. يبحث كل من "يأكل طرف ديال الخبز" باسم "نصرة" المرأة، عن شعار مناسب يزين به يافطة، غايتها نحن هنا باسمكن، دون أن نكون لأجلكن كما تحتجن. 8 مارس عيد النساء، يومهن العالمي. 8 مارس تتهافت الأقلام والمؤسسات والهيآت، معها كل شبر من هذا العالم، لتتذكر، أن المرأة جنس من بني البشر. هنا عندنا، يحتفون بالمرأة عبر اصدار التقارير، والحديث عن المنجزات، وإن كان بين السطور بعض اللوم، تجاه تهميشهن، ضربهن، تصنيفهن ضمن خانة "ناقصات العقل والدين"… لكن، لا يتجاوز اللوم حد كمية المدام الذي كتب به، دون أن تغير الكلمات من حال وواقع ملايين النساء. مثل هذا اليوم، لنساء يجهضن سراً بعد اغتصابهن وهن "مجرمات" وإن كن ضحية. لعاملات مصانع الاستعباد، التي تمص دماءهن بأقل سعر ممكن. لمن يكابدن البرد، ولهيب الشمس، أيام الحرث، وساعات الحصاد، ينتزعن الدرهم بعرق جبينهن، وينظرن خلفهن حينها، أكثر من مرة، ليس لغاية تقييم ما يعملن لأجله، بل للتأكد من غياب متربص يرى أن جسدهن "مباح" له. لمن يكابدن شهور الحمل، وآلام مخاض الوضع، أرواحهن ما بين السماء والأرض منذ الساعات الأولى لحملهن، حين شاءت الظروف أن يكن بين أحضان وطن ألف أخبار موت نسائه الحوامل. هذا اليوم، لكل أم تُهجر من بيتها، بفعل ظلم زوج أقعدها البيت جبراً، ومل بعد قراره هو، من التطلع إلى وجهها، ليختار تغيير الطلة، والتضحية بمن شيدت رفقته ماضيه وحاضره، وأمنت له المستقبل. للمرابطات داخل المطبخ، شغلهن ترسيخ مقولة بئيسة مفادها، أن "أقرب طريق إلى الرجل معدته". 8 مارس، لمن تكتوي بلهيب التحرش وتقاوم حاجة البوح خوفاً من ضياع لقمة العيش، لمن تقطع الطريق، خائفة، تلتفت ذات اليمين والشمال، وكأن زينتها "جرم وجب" متابعتها به، لأن بيننا من هو مقتنع أن الكلمات الجارحة التي تصدر عبر لسانه، "مصدرها"، لباس وشكل الظاهرة أمامه، وليس الداء فيه. يوم المرأة، لحمالات الحطب، حطب تدفئة الأسر، حطب تحضير لقمة العيش، حطب صد لسعة البرد القاتلة، عن أجساد الأطفال والأزواج. لمن تخرج في ساعات الصباح الأولى بحثاً عن رشفة ماء تروي بها عطش أفواه الذكور والإناث، الكبار منهم والصغار. هذا اليوم، للمئات من الأمهات العازبات، اللاتي اخترن منح الحياة كاملة لمواليد لا ذنب لهم. ثم تحول فعلهن الإنساني ل"جريمة" بقوة حكم نظرة المجتمع لهن. اليوم لمن لا يقدرن على البوح بعذاب الدورة الشهرية، وعليهن التحمل كرهاً، العمل داخل البيت وخارجه، وكأن لعنة الطبيعة قدر يجب عليهن التعايش معها في صمت. لمن تلد، وتبحث بعد ثلاثة أشهر من الوضع عن من تلعب دور الأم بدلاً عنها، خارج البيت، وإن اشتكت حُملت ما لا طاقة لها به. للباحثات عن العمل، دون أن يقحمن صورهن من الرأس إلى أخمص القدمين مرفقة بالسيرة الذاتية لهن. لمن يتقاسمن مسؤولية مورد الرزق مع الأزواج، ولا يقتسم هؤلاء معهن ساعات سهر أطفالهما الاضطرارية، ولا يجتهدون لإعالة مواليد هم نتاجهما معاً. اليوم وكل يوم لحرفة التصقت بالنساء، كرهاً، لمن يكنسن بعد حماقات كل واحد منا، مكاتب علمنا، ويسألن كل صباح، بخجل واحترام زائد ما حاجة كل واحد منا… قضايا النساء توجد بعيدةً عن الغرف المكيفة، وصالات الندوات المترفة. نحج إليهن من حين إلى آخر، ندعوهن لحضور جلسات الاستماع، نجيش المئات منهن للمشاركة في الوقفات والمسيرات، نأخذ منهن معطيات يومياتهن، نصدر التقارير باسم معانتهن، لكن بعد كل هذا وزيادة، نتركهن لمصيرهن، يكابدن لانتزاع حقوقهن. اليوم، عيد أمي جميلة، التي لو لا تضحياتها، لا كنت أحد ضحايا قوارب الموت، أو باحثاً عن حل طارئ داخل مراكز العلاج من الادمان، أو واحداً من المرابطين عند "رأس الدرب"، أنتظر ضحية لسلبه ما يملك… أنا اليوم كما أنا عليه بفضلها، وإن لم تكن هي من محترفات رفع الشعارات.