مع بداية 2014 يكون عقد من الزمن مضى على أولى الخيام التي حطت الرحال بالمركب الجامعي، بالقرب من كلية الحقوق بجامعة محمد الأول بوجدة. هنا وجد المئات من المهاجرين الملاذ الآمن من تدخلات رجال الأمن التي كانت عنيفة بغابة «سيدي معافة». تفطنوا أخيرا أن للمؤسسات التعليمية حرمة، وأن هذه الحرمة تعني أن رجال الشرطة ممنوع عليهم اقتحامها، وحتى إن فعلوا سيصطدمون بمقاومة كبيرة من جانب الطلبة، بل تحول المهاجرون إلى مساندين للطلبة الذين كانوا يتواجهون مع رجال الشرطة على أساس قاعدة «السكن مقابل المشاركة في المواجهات»!
تغيير، ولكن! طوال السنوات العشر الماضية ظل غالبية المهاجرين يستقرّون في خيام بلاستيكية، لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، تكلفت منظمة أطباء بلا حدود بتوفير معظمها، إلى جانب الخدمات الطبية التي كانت تقدمها لهم، لكن انتهاء برنامجها في المغرب كان أبرز تحول في هذا المخيم، حيث بدأت الأمراض تنال من بعضهم، وبرز الفراغ الكبير الذي تركته في مجال الخدمات الصحية. رغم التغييرات التي طرأت على المقاربة المغربية لهذا الملف، إلا أن هذه الخيام لم تتغير منذ ذلك الوقت إلى اليوم، لازالت تلك الروائح النتنة تنبعث منها، ولازال المهاجرون يعانون من الأمراض «أنا أعاني من آلام في الظهر»، يقول مهاجر كاميروني قبل أن ينطلق صوت رخيم «السيد حسن هذه وثائق عيادتي للطبيب، لقد طلبوا مني إجراء هذه التحاليل، كيف يمكنني ذلك؟»، كان ذلك كلام مهاجر آخر وجهه إلى الناشط الحقوقي والباحث في شؤون الهجرة حسن عماري. عماري الذي اشتغل على مدار سنوات في متابعة وضع هؤلاء المهاجرين، يقرّ بأن الأشهر القليلة الماضية كانت حاسمة في ملف الهجرة، إذ سيعرف تحولات جوهرية انعكست على الواقع المعاش للمهاجرين؛ «الملاحظة الأساسية التي يمكن وضعها، أن المهاجرين لم يعودوا يتعرضون للتدخلات الأمنية التي كانت في السابق عنيفة»، لكن هذا الاستقرار لم ينعكس بالشكل الذي كان يجب أن ينعكس به، خاصة على مستوى توفير «متطلبات العيش الكريم»، يقول عماري. بعد إعلان مبادرة التسوية الاستثنائية لملفات المهاجرين، التي جاءت بعد التقرير الموضوعاتي حول الهجرة الذي أصدره المجلس الوطني لحقوق الانسان، غادر الغابات معظم المهاجرين، فهناك من تمكن من استئجار بيت، بينما آخرون لزموا مخيم كلية الحقوق، حتى تحول هذا المكان إلى وجهة رئيسية لكل المهاجرين الذين يفدون من الجارة الشرقية، قبل أن يسلكوا الطريق إلى الناظور طمعا في الهجرة إلى الضفة الأخرى، أو تفضيل الاستقرار بالمغرب إلى حين!
تسوية، ولكن! المهاجرون الذين استطلعتهم «اليوم24» بمخيم الكلية، ينقسمون بين 3 فئات، فمنهم من وضع ملفاتهم لدى مكتب الهجرة الذي فتحته عمالة وجدة لهذا الغرض، وآخرون تنقصهم بعض الوثائق اللازمة لوضع ملفاتهم، غير أن الفئة الثانية رافضة لوضع الملف من أساسه، «هناك تخوفات لدى هؤلاء المهاجرين، لا يفصحون عنها في الغالب أثناء عملية التسوية»، يؤكد عماري، قبل أن يضيف: «الإقبال على العموم يبقى ضعيفا، إذ لم يتجاوز على حد علمي عدد الطلبات التي وضعت 270 طلبا»، إضافة إلى هذه التخوفات التي يمكن أن تكون عائقا أمام تقدمهم بملفات التسوية، فإن عماري يطرح سببين إضافيين يعتبرهما مهمين في تحديد عدد الراغبين في تسوية وضعيتهم؛ «الأول، يتعلق بكون هؤلاء المهاجرين لازالوا مرتبطين ذهنيا بالهجرة إلى الضفة الأخرى، ولا يريدون الانخراط في عملية تسوية قد تعصف بحلمهم هذا. والسبب الثاني، يكمن في ضعف عملية التواصل من قبل جمعيات المجتمع المدني الناشطة في المجال، التي كان عليها توعيتهم بأبعاد العملية».
مخيم دور آخر! على بعد أمتار من المخيم يجتمع العشرات من المهاجرين المنحدرين من نيجيريا، في جلسة تشبه جلسات مجلس الأمن، وهي لم تكن في الحقيقة أقل أهمية منها بالنسبة لهم، حيث يقررون في مجموعة نيجيرية أخرى من عرق آخر طردت من المخيم، بعد حادث مقتل المهاجر الغيني «جمال الدين إمام»، الأخبار التي تسربت من هذه الجلسلة تفيد بأن المجتمعين توصلوا إلى اتفاق مع باقي المهاجرين يضمن عودة المطرودين. عودة المهاجرين المنفيين في مختلف المدن المغربية يعكس -وفق مصدر مطلع- الموقع الاستراتيجي لمخيم الكلية بوجدة، فهذا المخيم بالإضافة إلى دوره التقليدي الذي عرف به طوال السنوات الماضية، برز فيه خلال السنتين الماضيتين نشاط ممنوع (التجارة في المخدرات القوية إلى تزييف الأموال وتزويرها، مرورا بالتهجير..)، نشاط تم التأكد منه وكشف الأدلة القوية بشأنه، بعد طرد المجموعة المذكورة، حيث خلفت العديد من الوسائل المستعملة في تنفيذ نشاطها.
العودة أرحم! «لم أعد أحتمل شروط العيش في هذه المخيمات، ولا أفكر في البقاء هنا كثيرا»، يقول (نجوم نشنطو) وهو مهاجر كاميروني في ربيعه ال27، لم يمضي على نجوم سوى أقل من أسبوع بالمخيم، حتى قرّر العودة أخيرا إلى بلده ومدينته العاصمة الاقتصادية للكامرون «دوالا». نجوم وشقيقه ذي ال20 ربيعا قطع آلاف الكيلومترات مشيا على الأقدام من «دوالا» إلى «يواندي» العاصمة السياسية للكاميرون، ومنها إلى نيجيريا، فالنيجر، ثم «تمنراست» في الجنوب الجزائري، ومنها إلى غرداية، قبل أن يتوغل رفقة شقيقه في المناطق الداخلية إلى أن وصلا إلى وهران، التي استقرا فيها لبضعة أيام. «اشتغلت رفقة شقيقي في مجال البناء، حصلنا على 14 ألف دينار (1400 درهم) هي مصاريف العبور إلى المغرب»، يضيف نجوم. كان على نجوم وشقيقه كما كل المهاجرين الذين يعبرون الحدود إلى المغرب أن يدفعوا مقابل ذلك. «دفعت وشقيقي للعبور من مغنية إلى التراب المغربي 3000 دينار، وحتى عندما وصلنا إلى المخيم هنا في وجدة دفعنا 200 درهم لكل واحد منا، ليسمح لنا رئيس المجموعة الكاميرونية بالانضمام إليهم». نجوم قرر ربط الاتصال بفرع المنظمة الدولية للهجرة، لتمكنه من العودة إلى مدينته التي اشتغل فيها حارسا بميناء المدينة، قبل أن تدفع به قساوة ظروف العمل إلى الهجرة، غير أنه يؤكد بأن قراره لم يكن صائبا في النهاية. «لست راض على هذا الوضع، وأنا سأخبر المنظمة عن معاناتي النفسية هنا، مع هذا الوضع لتمكنني من العودة».