يبدو أن حكومة عبد الإله بنكيران تلقت الضوء الأخضر للبدء بتفعيل خطتها لإصلاح صناديق التقاعد المهددة بالإفلاس. وعندما يتلقى بنكيران مثل هذا الضوء يصبح مثل «البلدوزير» يجتاح كل شيء أمامه، ويتوجه بسرعة نحو هدفه. وهنا يمكن أن يسقط في أخطاء قد تكون قاتلة... ما هو مشكل صناديق التقاعد المليئة بالثقوب في المغرب، والتي تهدد أزمتها مئات الآلاف من المتقاعدين أو الذين سيتقاعدون غدا أو بعد غد، والذين قد يواجَهون بعجز الصناديق عن صرف معاشاتهم، كلها أو بعضها... مشكل صناديق التقاعد يمكن تلخيصه في الآتي: أولا: تأخر دخول المغاربة إلى سوق الشغل في السنوات الأخيرة، سواء في الوظيفة العمومية أو في القطاع الخاص. في السابق كان الشاب ينخرط في العمل في بداية العشرينات ويعمل 40 سنة قبل أن يتقاعد، والآن وبفعل اتساع البطالة وطول مدة الدراسة، أصبح الشباب يلتحقون بالعمل في سن متأخرة نسبيا. البعض يدخل في أواخر العشرينات والبعض في الثلاثينات، وهذا معناه أنه يشتغل سنوات أقل، ويساهم في نظام التقاعد باقتطاعات أقل. زد على هذا أن معدل الحياة ارتفع بالمغرب. في السابق كان الموظف أو الأجير يعيش أربع إلى ست سنوات بعد الستين، الآن أصبح يعيش عشرا إلى 15 سنة بعد التقاعد. هذا معناه أن صناديق التقاعد تأخذ مساهمات أقل، وتصرف معاشات أكبر ولمدد طويلة بعد التقاعد أطال الله في عمر الجميع. ثانيا: انخفاض متواصل في عدد موظفي الدولة. في 2007، مثلا، كان 4 مساهمين يعملون يصرفون على متقاعد واحد. في 2016 سينخفض هذا العدد إلى اثنين، ثم في 2040، سينزل إلى 1.5، أي أن كل 3 موظفين سيصرفون على متقاعدين، وهذا معناه عجز كبير في الصندوق المغربي للتقاعد. ثالثا: الإدارة تصرف معاشات للموظفين المتقاعدين بحساب آخر أجر كان يتقاضاه الموظف، في حين أن جل أنظمة التقاعد في العالم تصرف أقل، أي معدل الأجر الذي ناله الموظف خلال العشر سنوات الأخيرة. النتيجة أن صناديق التقاعد أصبحت على حافة الإفلاس وهذا ليس اكتشاف اليوم بل منذ سنوات، لكن لا أحد تحمل المسؤولية قبل 10 سنوات للشروع في الإصلاح. ما هي مواصفات العلاج الذي تقدمه الحكومة لإصلاح الصندوق المغربي للتقاعد، الذي يضم جل موظفي الدولة؟ تقترح الحكومة رفع سن التقاعد من 60 إلى 62 سنة في 2015، وصولا إلى 65 سنة في 2020، وتقترح زيادة في مساهمات الموظفين. فموظف يتقاضى راتبا شهريا قدره 5000 درهم، مثلا، يساهم اليوم في نظام التقاعد ب500 درهم في الشهر، بعد الإصلاح سيدفع 100 درهم زيادة أولى سنة 2015، و100 درهم زيادة ثانية سنة 2016. كما تقترح الحكومة تخفيض ما يحصل عليه الموظفون من تقاعد بعد خروجهم من العمل. مثلا، لنأخذ معدل الأجور في الوظيفة العمومية وهو 7000 درهم. في النظام الحالي، كان الموظف، الذي يأخذ 7000 درهم كأجر شهري، كان يتقاعد بالأجر نفسه. في النظام الجديد المقترح سيتقاضى 6000 درهم، أي ناقص 1000 درهم في الشهر، أي أنه سيحصل على 87% من أجره عوض 100%. هذا معناه أن جل موظفي الدولة مطالبون بدفع الفاتورة التالية لإنقاذ صندوق التقاعد: سنتان إلى 5 سنوات من العمل زيادة فوق الستين، و200 درهم في الشهر زيادة في المساهمة، والتنازل عن 1000 درهم في التعويض بعد التقاعد... النقابات تعارض هذا الحل، ولا تقترح شيئا غير تحمل الدولة لوحدها كلفة الإصلاح، وهذا غير منطقي. المنطقي هو إيجاد حل وسط، والبحث عن سيناريوهات داخل وصفة الحكومة، مادامت هي الموجودة على الطاولة الآن. مثلا، لا بد أن تعطي الدولة اختيارات كثيرة للموظفين، فمن أراد أن يشتغل إلى حدود 60 سنة فقط ويتنازل عن 30 أو 35% من معاشه، فله ذلك، ومن أراد أن يساهم كل شهر ب1000 درهم عوض 600 درهم على أن يحتفظ بتقاعد مريح، أي بأجرته كاملة، فله ذلك... وهكذا. لا بد من تنويع العرض حتى يتلاءم مع كل الأوضاع وكل القطاعات وحتى يكون مرنا يستطيع الجميع أن يلبسه دون صعوبات كبيرة، ولا بد من حملة تواصل علمية وذكية لشرح هذا الإصلاح للمغاربة. ولا بد أن توضح الحكومة للمغاربة ماذا ستفعل بالمليارات من الدراهم التي ستربحها من إصلاح صناديق التقاعد والمقاصة وغيرها. هل ستذهب هذه المليارات إلى التشغيل والتعليم والصحة والبينات التحتية أم ستذهب إلى مصاريف «بريستيج» الإدارة وتمويل الفساد المستشري في دواليب الدولة؟