النقيب عبد الرحيم الجامعي خرج المبدعون من الزنازن والعنابر ومربعات الإعتقال الضيقة بعدما فتحت المندوبية العامة للسجون أبواب السجون ليشاهد الرأي العام والإعلام أين وصل التحدي الذي يحمله شباب ونساء ورجال من قلب معاناتهم وهم بالسجن ومكان تنفيذ العقاب. كانت مناسبة اليوم الوطني للسجين و اُمسية الخميس الثاني عشر من يناير بمسرح محمد الخامس بالرباط لحظة مؤثرة لما ظهرت على خشبة المسرح فرق غنائية ومسرحية وظهر شعراء وزجالين وعازفين وعلقت لوحات الرسامين، وكلهم من من وراء القضبان بمناطق وسجون مختلفة ، كما كانت لحظة معبرة عن مدى قدرة السجين أن يسترد سلطته الانسانية والعفوية الرقيقة على من يملكون السلطة القانونية عليه داخل السجن وأن يخلق لديهم خارج أسوار السجون فرصة الاستماع إليه بلهفة وبانتباه للتنويه به والاعتزاز بكفاءته وفي مقدمة المسؤولين المندوب العام للسجون السيد صالح التامك . لقد كشف السجناء المبدعون بمناسبة اليوم الوطني للسجين، لمن لم يسبق له ان علِمَ بإبداعات السجناء منذ عقود، أن السجن هو أيضا مجال للإبداع وفضاء مُلهِم رغم قسوة المكان ومعاناة الأيام وضغط العقاب وقلة الفرص وضيق الآفاق واصطدام العلاقة بين روح الحرية وواجب الامتثال لقانون الاستثناء داخل السجن. وما يتعين الإشارة إليه هو أنه ومن داخل زمن الرصاص وسجون القتل التي كان إدخال قلم أو ورقة من أم لولدها أو من أخ لأخيه للسجن يعد جريمة توصل مرتكبها " للكاشو وللتعلاق" أو للنيابة العامة، أبدع العديد من المعتقلين السياسيين حيث ومن ظلمة العنابر وتحت الشموع كتبت أطروحات ودراسات، وألفت مسرحيات، ووضعت أبيات شعر وزجل، ولحنت أغاني، ورسمت لوحات، وبالسجن صنعت روايات ومن وحيها سجلت أفلام ومن السجن استقطب السجناء التعاطف والتضامن والمناصرين من داخل ومن خارج المغرب ومن قلب التحدي قرأنا العريس وكان وأخواتها والزنزانة رقم 10 وغير ذلك من مئات تجارب المبدعين، ولا زال السجن يلهم ولا زال التحدي قائم لا يحسب للزمن أي حساب. ولما تنظم المندوبية العامة للسجون لقاء مع الجمهور لتقديم ابداعات السجناء ونحتفي معها باليوم الوطني للسجين، فليس ذلك من قبيل تبييض وجه السجن ولا استجلاب العطف مع النزلاء، لكن الأمر في اعتقادي أكبر من ذلك، إن رمزية الحدث الإعتراف بأن السجين مواطن، والمواطن إنسان الثقة، كلما توسعت حريته واحترمت كرامته واعترف بحقوقه إلا وتربت في وجدانه وسلوكه جذور المسؤولية لا فرق منهم من يوجد داخل السجن أو خارجه، وهكذا كان الحدث جميلا، لكنه كان من الممكن أن يكون أجملا لو كانت المرأة حاضرة في مجال الإبداع لأن لدينا نساء متألقات حتى داخل الزنازن بالسجون، ونبغياب النساء السجينات كاد المكان أن يكون فارغا بحق. الرباط- 13-1-2017