كيف نفهم العلاقة بين الرجلين بعيدا عن تصورات المنتمين للأحزاب السياسية وما تفرضه خلفياتهم الفكرية والتنظيمية وقراءتهم لديناميات السياسة في المغرب؟ وفي نفس الوقت قريبا من السياسة وفرضياتها ومنطقها في تحليل العلاقات بمستوياتها المختلفة والمتداخلة وشديدة الواقعية، والتي يمتزج فيها ما هو موضوعي بما هو شخصي؟ إحدى العلاقات السياسية المثيرة والتي تمارس جاذبية كبيرة من ناحية تحليل طبيعتها هذه العلاقة بين السيد بنكيران والسيد أخنوش والتي انتقلت من مستوى علاقة رئيس الحكومة بوزير الفلاحة إلى مستوى العلاقة بين رجلين بات مطلوبا من كليهما التوصل إلى قرار نهائي بإخراج الحكومة التي صوت المغاربة لرؤيتها تشتغل لتحل مشاكلهم.
لا يوجد في المشهد السياسي المغربي في الوقت الحالي رجلان في أمس الحاجة إلى بعضهما سياسيا مثل السيد أخنوش والسيد بنكيران، ويتوقف قطار تشكيل الحكومة على التوفيق بين موقفيهما المتضاربين في محور إشراك حزب الاستقلال. وأكثر من ذلك تربطهما كخصمين سياسيين علاقات شخصية جيدة كما يظهر في لقاءاتهما التي يظهر للجميع من خلالها الكثير من الأريحية، وهما يصرحان بالعلاقة الودية بشكل مستمر خاصة في خطابات وكلام السيد بنكيران الذي صرح مرارا بأنه يكن الود لهذا الرجل.
وفي تقديري الشخصي أن إشكالات سياسية عديدة كان يمكن تفاديها لو تم منذ البداية الدفع بشخصيات غير جدلية كشخصية أخنوش لإدارة التنافس السياسي طيلة المرحلة التي سبقت الانتخابات البرلمانية، وقادرة على الأقل على المستوى الشخصي أن تحافظ على خط التفاهم والتحاور مع خصومها الفائزين. والجميع يعرف أنه رغم الصراع الذي خاضه السيد مزوار ضد حزب العدالة والتنمية عام 2011، إلا أن ذلك لم يمنع تواجده في الحكومة إلى جانب السيد بنكيران. وربما كان هذا من خصائص حزب الأحرار.
قطار تشكيل الحكومة إذن وإنجازها في الواقع متوقف على طبيعة التفاهم والصيغة التي يمكن التوصل إليها بين السيد بنكيران الذي يمثل في هذه المرحلة رؤية جزء هام من الناخبين المغاربة ويتفاوض من منطلق تنظيمي كونه أمين عام لحزب سياسي ومعين من طرف جلالة الملك، والسيد أخنوش الذي يمثل جزءا من المغاربة أيضا وينعكس في تموضعه السياسي بشكل صريح ومباشر رؤية قرارية لكيفية إدارة هذه المرحلة من تاريخ المغرب سياسيا واقتصاديا.
وهذا الوضع جعل أمين حزب العدالة والتنمية متمسكا بالسيد أخنوش ومدركا صعوبة أنه لم يكن استحالة إبحار سفينة الحكومة من دونه، بل ربما غرقها في عرض البحر. كما يعتبر أن بداخل حزب الأحرار أنواعا من السياسيين الذين هنالك حاجة إليهم. ومن المهم تواجدهم لإدراكهم لعدد من الملفات التي تمثل أهمية بالنسبة المغرب.
سياسيا لا يمكن لأحد أن يملي على أخنوش اختياراته ولا على بنكيران. ومن حق أخنوش وهو يتفاوض أن يناور ويطالب بما يراه مصلحة للكتلة التي يمثلها. والتفاوض لا يستند فقط على حائط المبادئ التي قد تعيق المناورة الصحيحة في الوقت الصحيح.
وطالما أن الوضع بهذا الشكل، دعونا نحلل المسألة العالقة بين الرجلين بكل ما يمثلانه، وتتعلق بالموقف من الاستقلال الذي مازال أخنوش مصرا على استبعاده. لنقول بواقعية إن حزب الاستقلال ليس هو السيد شباط وإنه إذا كان هنالك اعتراض على اختياراته الحالية، فإن انسحاب ذلك على مستقبل الحزب بأكمله سوف يعقد الأمور. كما سيزيد من إضعاف حزب تاريخي يمثل توازنا حتى مع الإسلاميين. وبإضعافه سوف يدفع التوازن في المشهد السياسي ثمنا باهظا. وإذا أردنا تفسير الصعود الإسلامي فإن جزءا منه راجع إلى الأخطاء التي ارتكبت وأدت لتراجع الأحزاب التاريخية مثل الاتحاد الاشتراكي، ليحصل الفراغ الذي صار من الصعب ملؤه. ذلك أن تواجد الإسلاميين وحدهم في الساحة دون توازن وحضور للقوى الأخرى، يعتبر خطرا كبيرا على مستقبل السياسة، سواء داخليا أو على مستوى التداعيات الخارجية.
من حق أخنوش أن يجلس إلى جانب بنكيران ندا ونظيرا كما يسمح به منطق الطموح السياسي. لكن من الناحية الواقعية إذا اقتضت صيغة التفاهم إشراك حزب الاستقلال دون أمينه العام فإن ذلك سوف يحل الجزء الأكبر من المشكل في ظل استمرار تمسك حزب العدالة والتنمية بالحزب ورفص السيد أخنوش له. ولابد أن نفهم أن وضع حزب الاستقلال قد بات معقدا ومهددا للمشهد السياسي، كما أن دفعه للمعارضة لن يفيد في هذه المرحلة. وهل سيعارض الاستقلال الحكومة أم سيعارض فقط الحزب الذي تسبب في إخراجه؟ وهل سيكون شريكا في المعارضة لحزب الأصالة والمعاصرة؟ لا أعتقد ذلك. إذن هو وضع يجعل المعارضة معارضات متفرقة وبينها خصومات ويضاعف من إشكالاتها الكثيرة. أستطيع أن أتفهم الموقف الرافض لتموضع حزب الاستقلال إلى جانب حزب العدالة والتنمية حاليا، لكن في الوقت ذاته يعتبر الدفع بالحزب كاملا خارج الحسابات الحكومية أمرا معقدا.
من ناحية التفسير، سوف يبدو التمييز بين شباط والحزب بالنسبة للكثيرين غير ديمقراطي وغير منسجم مع طبيعة الانتقال الذي بدأ عام 2011. وربما حتى هذا التمييز لازال السيد أخنوش غير ماض لقبوله حتى اللحظة. لكن في تقديري، ليس كل ما تعتبره حقا سياسيا هو ممكن أو ينبغي اللجوء إليه عمليا وتفاوضيا. وسأضرب مثالا قد يبدو بعيدا بمحطة من التجربة التونسية، لكن جوهره ومضمونه قريب جدا. فقد كان بإمكان حزب النهضة قلب الأوضاع السياسية، أو على الأقل المطالبة بالحق السياسي حين تعرض حزب نداء تونس إلى الانقسام على مستوى الكتلة النيابية، وصار أقل تمثيلا عدديا مقارنة بالنهضة التي صارت لديها الأغلبية العددية، وكان من حقها قانونيا ودستوريا إعادة تشكيل الحكومة لكنها امتنعت عن ذلك سياسيا.
شرعية الصندوق إذن ليست المحدد الوحيد لتحليل ديناميات تشكيل الحكومة. وهي لا تكفي، فهنالك شرعيات أخرى قد تكون واقعيا هي الأقوى وينبغي مراعاتها، وشرعية الصندوق ينبغي أن تسمح بالخروج من التفكير من داخل الصندوق. كمال القصير محلل سياسي