"لا نجاح إلا مع الملك، ولن ننخرط في منطق التنازع مع الملك". مقولة تلخص المقاربة التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية في التعامل مع المؤسسة الملكية، وفي إدارة هذه المرحلة سياسيًا. مقاربة تعكس سعي الحزب منذ تأسيسه الأول إلى بناء علاقة تحالف مع الملكية؛ وهذا ما يظهره سلوكه السياسي، سواء قبل توليه رئاسة الحكومة أو بعد توليه الرئاسة عقب فوزه بالانتخابات البرلمانية التي أعقبت حراكًا شعبيًا عام 2011. وقد عرف مسار هذه العلاقة محطات اختبار عديدة، ساهمت في تحديد موقع الحزب ودوره في المشهد السياسي المغربي. كما أن التحولات الإقليمية الضاغطة والتغيرات التي عرفتها النسخة الثانية من الحكومة تعيد فتح النقاش حول طبيعة العلاقة بين الحزب والملكية. إشكالية تجديد الخطاب السياسي يمثل البحث الذي بدأ مبكرًا عن بناء تحالف مع المؤسسة الملكية في نظر حزب العدالة والتنمية هدفًا ذا أهمية بالغة لإنجاح تجربة هذا الفصيل من الإسلام السياسي في السلطة؛ حيث تختلف المعطيات الخاصة بالإسلاميين في المغرب مقارنة بتجارب نظرائهم في دول أخرى. ومن تم الابتعاد بها عن الفشل، خصوصًا في ظل سياق إقليمي يعرف تراجعًا كبيرًا للإسلاميين في عدد من البلدان التي عرفت ثورات. لكن البحث المستمر عن تقوية العلاقة مع الملك في الوقت ذاته يمثل هاجسًا مقلقًا لعدد من القوى سواء من داخل محيط الملك، أو تلك المنتمية إلى الحقل الحزبي التي ترى أي تقارب بين إسلاميي العدالة والتنمية والملك معاكسًا لمصالحها. يتبنى حزب العدالة والتنمية خطابًا سياسيًا يمزج بين الأبعاد التاريخية والدينية في رؤيته لطبيعة العلاقة مع الملك. ويصف نفسه كما توضحه وثائقه التنظيمية بأنه "حزب سياسي وطني يسعى، انطلاقًا من المرجعية الإسلامية وفي إطار الملكية الدستورية القائمة على إمارة المؤمنين، إلى الإسهام في بناء مغرب حديث وديمقراطي". إن القراءة السياسية التي يقدمها الحزب للواقع السياسي للمغرب بعد الاستقلال تشير إلى أن نجاح العملية السياسة برمتها يمر من وجهة نظره عبر التعاون مع المؤسسة الملكية؛ حيث إن غياب التوافق في علاقة الأحزاب السياسية المعارضة مع الملكية في مرحلة ما بعد الاستقلال، قد كلّف المسار السياسي في المغرب ثمنًا باهظًا سواء على المستوى الاقتصادي أو من ناحية استقرار النموذج السياسي للدولة. وتكاد لا تخلو أغلب خطابات قيادات الحزب سواء في المناسبات السياسية البارزة مثل الانتخابات أو غيرها من المحطات، من تركيز متواصل على عناصر مثل "الإسلام والبيعة الشرعية" و"العلاقة مع الملك". حيث يراد من خلال ذلك تجديد عامل "الثقة" مع المؤسسة الملكية بشكل متواصل. وهنا، ينبغي الإشارة إلى أن أهمية الحفاظ على عنصر الثقة في العلاقة مع الملكية، يؤدي من جانب آخر إلى "البطء" في عمل الحزب من خلال الحكومة، وينعكس ذلك في انتظار الضوء الأخضر من القصر قبل القيام بالعديد من المبادرات السياسية. ويبدو في هذا السياق أن تركيز الخطاب السياسي للحزب على هذه المفاهيم، واستمراره في توظيفها، لا يمنح بُعدًا إضافيًا للعلاقة مستقبلاً، فقد صار ذلك من المسلّمات في المشهد السياسي المغربي منذ فترة طويلة. وقد وجدت هذه المنهجية في الخطاب سندًا ومنطقًا في فترات التأسيس الأولى للحزب ورحلة البحث عن شرعية الوجود والممارسة، كما أدت دورًا فاعلاً أثناء الاحتجاجات الاجتماعية عام 2011، وأنتجت نوعًا من التوازن في الخطاب السياسي المغربي في سياق ذلك الحراك الاجتماعي المهم في تلك المرحلة الزمنية، لكن هذا الخطاب حاليًا لا يعدو أن يكون مجرد إقرار لواقع سياسي واجتماعي متفق عليه. وهنا ينبغي الإشارة إلى أنه حتى مع الحراك الاجتماعي المتمثل في حركة 20 فبراير، لم تكن الملكية هي موضع الاحتجاج بقدر ما كان إصلاح هذه المؤسسة هو المطلب الشعبي. محددات العلاقة مع الملك ومحيطه هنالك محددات عديدة لتحليل العلاقة بين العدالة والتنمية والمؤسسة الملكية؛ فمن ناحية هنالك العامل الخارجي والإقليمي الضاغط، وطبيعة التحالفات وشبكة العلاقات التي لدى المغرب مع دول الخليج خصوصًا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبالجانب الأوروبي وعلى رأسه فرنسا ثم الولاياتالمتحدة الأميركية، ومواقف هذه الدول من الإسلاميين. وأما العامل الثاني فهو داخلي ويتمثل في القوى الموجودة داخل المحيط الملكي وشبكة علاقاته المعقدة. بينما يتمثل العامل الثالث في طبيعة بناء مؤسسة "المخزن" التي تعتمد تاريخيًا على عنصر مهم في بناء العلاقات السياسية والتعامل مع الطبقة السياسية، وهو "مبدأ الثقة". هذا المبدأ وإن كان في نظر البعض قد يبدو بعيدًا عن القاموس السياسي المتداول لما له من حمولة قيمية؛ فإنه يمثل أهمية كبيرة في صياغة العلاقات السياسية وصناعة خارطة الولاء، وهذا ما أثبتته التجربة التاريخية و الممارسة الحالية للملكية. وفي هذا السياق نجد مقاربتين تحكمان نظرة حزب العدالة والتنمية للمحيط الملكي، تتمثل الأولى في محاولة إيجاد موقع قدم ضمن شبكة العلاقات السائدة في محيط الملك. أما الثانية فتتمثل في مواجهة الخصوم السياسيين حتى ولو كانوا من مستشاري الملك الذين يباشرون أدوارًا سياسية تتجاوز صفتهم الوظيفية كمستشارين للملك. وقد اتخذ ذلك طابعًا علنيًا واضحًا في الفترة التي سبقت موجة الثورات والحراك الاجتماعي في المغرب. ويبدو أن المقاربة الثانية قد بدأت تتفكك لصالح بناء علاقة مستقرة مع المحيط الملكي؛ حيث صرح الأمين العام للحزب عبد الإله بن كيران بأن مستشار الملك فؤاد عالي الهمة الذي ظل لفترة طويلة هدفًا مباشرًا لهجمات بنكيران وصاحب النصيب الأكبر منها، قد ساهم في إنجاز النسخة الثانية من التعديل الحكومي بعد انسحاب حزب الاستقلال من النسخة الأولى للحكومة. كما ينبغي الإشارة هنا إلى تراجع استخدام عدد من المصطلحات السياسية في وصف بعض المحيطين بالملك ب"التماسيح والعفاريت" من الخطابات السياسية، لكونها بدأت تفقد دورها الوظيفي في هذه المرحلة. ويصوغ الحزب رؤيته للعلاقة مع الملكية بعيدًا عن مفهوم الصدام أو اللجوء إلى وسائل الاحتجاج، وذلك حتى في أصعب المحطات التي قد تقتضي في نظر الكثيرين اللجوء إلى الاحتجاج أو الضغط الشعبي. ولذلك لا يستطيع مواجهة الملك، رغم الضربات التي يتلقاها والتي كان آخرها حين انتقد الملك في خطاب علني حصيلة الحكومة في مجال التعليم الذي اعتبره فاشلاً في تحقيق الأهداف التي وُضعت لتطويره منذ سنوات. ومع حرص الحزب على الحفاظ على عنصر الثقة مع الملكية فإنه أيضًا لا يستطيع أن يقف أمام قيادات تمثل صقور الحزب، للهجوم على محيط الملك واتهام بعض أقطابه المؤثرة في القرار بالإيقاع بينه وبين الملك. ويظهر ذلك في الدور الذي يمارسه رئيس الفريق البرلماني للحزب عبد الله بوانو والنائب البرلماني عبد العزيز أفتاتي الذي يهاجم باستمرار شخصيات عديدة محسوبة على محيط الملك. إن كثيرًا مما يفسر السلوك السياسي لحزب العدالة والتنمية تجاه الملكية هو اعتماده على مقاربة مؤسسة على "قوة الطرح والفكرة لا على قوة التنظيم"؛ إذ إن عدد الأعضاء العاملين به هو بضعة آلاف فقط، وهو عدد متواضع مقارنة بما تمتلكه تنظيمات ذات مرجعية إسلامية في مصر أو في تركيا أو غيرها من رصيد بشري، وهذه المقاربة وإن كانت تخدم رؤية الحزب إلا أنها تمثل له في الآن نفسه تحديًا تنظيميًا؛ إذا أخذنا بعين الاعتبار الأدوار التقليدية للأحزاب وحاجتها للرصيد البشري أثناء الفعل الاحتجاجي. فالحزب يمثل "قوة ترجيح سياسي" وليس حزبًا ذا ثقل تنظيمي كبير؛ وهذا ما أظهرته الأحداث السياسية وعلى رأسها حراك "20 فبراير"؛ حيث كان قرار عدم المشاركة مؤثرًا في مستقبل المسار الاحتجاجي. محطات اختبار لقد عرفت علاقة الحزب مع الملكية محطات اختبار عديدة؛ حيث تبنت الملكية في فترة مبكرة مقاربة إدماج الإسلاميين في المشهد السياسي، وذلك في المراحل التي سبقت التحول الذي أحدثه الحراك الاجتماعي في 20 فبراير/شباط. ولم تكن فكرة إدماج الإسلاميين تعني إدارة البلاد سياسيًا، بل إشراكهم في الحياة السياسية عمومًا من خلال منحهم هامشًا للتحرك والفعل. وإذا كانت أحداث العنف التي عرفها المغرب في 16 ماي عام 2003 كادت أن تعصف بالوجود السياسي للحزب في تلك المرحلة؛ فإنه منذ سنة 2003 لم توضع العلاقة على محك اختبار حقيقي إلا مع الحراك الشعبي الذي فجرته حركة 20 فبراير. وقد مثّل موقف الحزب من الاحتجاجات الاجتماعية والحراك السياسي في تلك الفترة محطة أساسية وتحولاً كبيرًا في علاقته بالمؤسسة الملكية، من خلال الامتناع عن الخروج إلى الشارع وعدم الانسياق في دعم الحركة. لقد ساهم التحول السياسي بتشكيل حزب العدالة والتنمية للحكومة عقب فوزه بالانتخابات التشريعية في رفع درجة الاحتكاك مع المؤسسة الملكية. وظهرت العديد من القضايا التي تعكس اختلافًا في وجهات النظر. فإذا كان موقف الحزب في الحكومة منسجمًا مع موقف الملك بشأن الأزمة السورية، فإن الحدث المصري وانقلاب الجيش على الرئيس محمد مرسي قد أظهر تباينًا في الموقف سيكون له بعد ذلك آثار أثناء تشكيل النسخة الثانية من الحكومة. وفي هذا السياق اختلفت بيانات وزارة الخارجية التي كان يقودها القيادي في الحزب سعد الدين العثماني بشأن أحداث مصر؛ حيث شابها نوع من الغموض والتحفظ على ما جرى من أحداث، وكان من الصعب على الوزير الإسلامي مجاراة الاعتراف بالانقلاب العسكري. وأمام ضبابية موقف وزارة العثماني بادر الملك محمد السادس إلى تهئنة الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور. وقد مثلت البرقية التي نشرتها وكالة الأنباء المغربية الرسمية نوعًا من الاعتراف بالوضع الجديد الذي أحدثه الجيش المصري؛ حيث ركز المغرب على إبداء "اهتمامه بوحدة الشعب المصري وبمستقبله" من دون الإشارة لا من قريب ولا من بعيد لدور الجيش. وذلك بعكس بيان الخارجية المغربية الذي حمل الكثير من الحيادية. وبعكس موقف الحزب أيضًا الذي ندد بما اعتبره انقلابًا على الشرعية. وتجدر الإشارة إلى أنه ينبغي هنا قراءة خروج وزير الخارجية السابق سعد الدين العثماني من النسخة الحكومية الجديدة وفقدان الحزب لحقيبة الخارجية في سياق المنعطف الذي أحدثته التحولات في مصر. وقد وصف الحزب ما حدث حينها بأنه "انقلاب عسكري". وهو ما يضع عمليًا الدبلوماسية المغربية في موقف حرج مع شركاء المغرب الكبار مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. مقابل ذلك تميل وجهة نظر أخرى إلى أن حاجة المغرب للدبلوماسية الاقتصادية وجلب الاستثمارات الأجنبية، هو ما اقتضى تعيين وزير بخلفية اقتصادية في هذا المنصب وهو صلاح الدين مزوار وزير المالية السابق في حكومة عباس الفاسي. وفي السياق ذاته فقد شكّلت حادثة العفو الملكي عن الإسباني الذي اغتصب عددًا من الأطفال المغاربة محطة مهمة هذا العام؛ حيث مثّل الحراك الذي نتج عن العفو تحديًا كبيرًا للملكية، لما حملته هذه القضية من أبعاد قيمية وإنسانية وضعت الملكية في مواجهة مباشرة مع احتجاجات شعبية، وكانت فرصة لكثير من خصوم الحزب السياسيين لتوتير العلاقة بين الحزب والملك. وقد لجأ خلالها الحزب إلى مقاربة القضية عبر تجنب الإدلاء بالتصريحات والمواقف المعارضة للعفو الملكي، بما لا يضعه في احتكاك مباشر مع الملك، والتركيز على مقاربة قانونية تعيد فتح النقاش حول القانون المنظم لعملية العفو برمته بهدف إصلاحه؛ حيث اعتُبرت القضية كأنها "شأن ملكي". وإذ يبدو موقف الحزب صحيحًا من الناحية السياسية، فإنه على المستوى القانوني تعتبر المسؤولية مشتركة بين الحكومة والمؤسسة الملكية التي تمتلك حق استخدام العفو. البعد الإقليمي الضاغط أثّرت الأوضاع السياسية الإقليمية في مصر وتونس على ظروف ترميم النسخة الثانية من حكومة العدالة والتنمية؛ حيث عرفت هذه النسخة تعديلات جوهرية قوّت حضور فئة التكنوقراط، وأفقدت الحزب ملف الخارجية. ومع وجود أصوات داخل الحزب رفضت بداية التركيبة الحكومية الجديدة، إلا أن ملخص رؤية الحزب لتدبير هذه المرحلة يشير إلى أن النجاح الذي تم تحقيقه في هذه الفترة يتلخص في "بقاء الإسلاميين على رأس تدبير الشأن العام" وفشل القوى المناوئة لهم في إزاحتهم؛ حيث كان سيناريو إخراج العدالة والتنمية حاضرًا ضمن سيناريوهات أخرى. وقد كانت قوى عديدة تعمل على تحقيق ذلك سواء من داخل المحيط الملكي "المخزن" أو من قوى سياسية مرتبطة بتوجهات هذا المحيط. ومن أبرزها دعوة أمين عام حزب الاستقلال حميد شباط المنسحب قبل فترة من الحكومة إلى حل حزب العدالة والتنمية باعتباره حزبًا دينيًا. إن تأثيرات التغيرات الإقليمية واقع موجود ويلقي بظلاله على المشهد السياسي المغربي، إلا أن نتائج هذه التغيرات تتم بشكل أكثر هدوءًا مقارنة بما يجري في دول عربية أخرى. وتمثل المتغيرات الإقليمية سببًا قويًا قد يدفع حزب العدالة والتنمية مرحليًا إلى الابتعاد عن اعتبار نتائج صناديق الاقتراع أساسًا وحيدًا لشرعية الاستمرار في إدارة الشأن العام، وذلك لصالح منهج "التوافقات السياسية". الملك يتبنى خطابًا نقديًا هنالك متغير جديد في المشهد السياسي المغربي، ويتعلق الأمر بمنهجية الخطابات الملكية الموجهة للمجتمع المغربي وطبقته السياسية؛ حيث تكتسي طابعًا نقديًا غير معهود من قبل تجاه عمل الحكومة أو تجاه قضايا ذات أهمية في المشهد السياسي؛ حيث انتقد الملك في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب حصيلة التعليم التي اعتبرها دون الطموحات المرجوة. وقد جاء النقد ضمن سياق ذي حساسية شهد ترميم الأغلبية الحكومية بعد تصدعها. وإذا كان انتقاد الملك قد أثار تحفظات عدد من قيادات الحزب، فقد امتنع بنكيران بالمقابل عن التعقيب، واكتفى الرجل القوي في الحزب وزير الدولة عبد الله باها في تصريح أدلى به للقناة الثانية بالتذكير بنصائح الملك للفاعلين السياسيين حين نهاهم عن نهج ثقافة النزاع والتركيز على ثقافة التعاون. إن المنهجية السياسية التي أدت إلى ولادة النسخة الثانية من حكومة بنكيران تُظهر أن الملكية لا تزال تستشعر على الأقل إلى الوقت الراهن أهمية ودور الحزب في ضبط معادلة الاستقرار والتوازن السياسي والاجتماعي للمغرب. ويعكس التعديل الحكومي الأخير إدراك حزب العدالة والتنمية والمؤسسة الملكية أن نتائج صناديق الاقتراع والخيار الشعبي ليس وحده الكفيل بضبط توازنات المشهد السياسي، بل هنالك عناصر أخرى خارجية وأخرى داخلية مثل الحاجة إلى إشراك قوى سياسية مختلفة لتحقيق أكبر قدر من التوافق. وتكتنف بناء علاقة تحالف ذات طابع استراتيجي مع الملكية، كما يرغب في ذلك الحزب ويسعى له، صعوبات جمة؛ بسبب السياق الداخلي والخارجي سالف الذكر. لكن بالمقابل استطاع الحزب تحقيق جزء من رؤيته لبناء العلاقة مع الملكية، ويظهر ذلك في استمراره في رئاسة الحكومة وإنجاح النسخة الثانية من التعديل الحكومي، رغم السياق الإقليمي المتغير. وتجد المؤسسة الملكية في التيار الفكري والدعوي الذي يحيط بالحزب خزانًا مهمًا لتجديد دمائها في المجال الديني. أما على المستوى السياسي فإن احتمال تحول الكثير من الكفاءات السياسية للحزب خصوصًا تلك التي أثبتت جدارتها في المناصب السياسية، إلى جزء من تركيبة المؤسسة الملكية نفسها يظل أمرًا واردًا مستقبلاً. وقد أثبتت الملكية تاريخيًا قدرتها الفائقة على تجديد دمائها وآليات اشتغالها من خلال استقطاب رموز المعارضة، ودمج المختلفين السياسيين بكل تصنيفاتهم في محيطها.
تبدو العلاقة بين العدالة والتنمية والملكية في وضعها الحالي نتاج تفاعلات حراك شعبي شهده المغرب ضمن سياق الثورات العربية، أكثر من كونها انعكاسًا لقناعة سياسية راسخة للمؤسسة الملكية تجاه الحزب. وإذا كان الحزب قد أحسن قراءة واستخدام المعطيات التي نتجت عن حراك 20 فبراير/شباط الاجتماعي في إعادة صياغة علاقته بشكل جيد مع المؤسسة الملكية، فإنه لم يحسن استخدام المعطيات التي وفرتها المراحل الأولى لدخوله السلطة واستلامه رئاسة الحكومة متمتعًا بدعم شعبي وسياق إقليمي مناسب، لتحسين موقعه في معادلة العلاقة مع المؤسسة الملكية، مستفيدًا مما يمنحه المناخ السياسي والدستور الجديد لعام 2011. يتطلب بناء علاقة استراتيجية ثابتة مع المؤسسة الملكية إرادة سياسية متبادلة. وإذا كانت الملكية ترى في الحزب أحد عناصر الاستقرار السياسي والاجتماعي المهمة في هذه المرحلة، فإن "العذرية السياسية" التي لا يزال يتمتع بها تمثل قلقًا لدى الكثيرين ضمن دوائر صناعة القرار داخل محيط الملك. وتحافظ علاقة الحزب بالمؤسسة الملكية حاليًا على مستوى معقول من الاستقرار رغم السياق التراجعي للتجارب الإسلامية في المنطقة العربية. ورغم أنها شهدت بعض التغيرات الجزئية كما حدث أثناء تشكيل النسخة الثانية من الحكومة، إلا أنها على العموم ما زالت تعكس بعض التميز مقارنة بالتحولات التي تعرفها المنطقة. ويكمن أحد أهم التحديات المطروحة على الحزب مستقبلاً في علاقته بالملكية هو سرعة الأداء والمبادرات السياسية والاجتماعية التي تتحرك من خلالها هذه المؤسسة في المشهد المغربي؛ حيث تفوق سرعة وأداء حزب العدالة والتنمية. إن مقولة الدور المؤثر للحزب في ضمان التوازن والاستقرار السياسي والاجتماعي للمغرب التي يرتكز عليها خطابه السياسي، لن تكون على المدى البعيد قادرة وظيفيًا على التأثير في مستقبل العلاقة مع الملكية. ويبقى أكبر التحديات التي تعترضها سيناريو فشل الحزب في الوفاء بالتزاماته الانتخابية وعدم قدرته على تطبيق برنامجه الانتخابي، أو في حال فقدان جزء مهم من رصيده الشعبي، أو حدوث أي حراك اجتماعي مستقبلاً. كمال القصير - باحث في مركز الجزيرة للدراسات (مسؤول دراسات المغرب العربي)