كثيرون ذهبوا في معالجتهم لسيناريوهات تعقد مسار المفاوضات الرامية إلى بناء أغلبية برلمانية جديدة، نحو طرح فكرة التحكيم الملكي كمخرج ممكن لتجاوز فرضية وصول مخاض تشكيل حكومة ما بعد 7 أكتوبر، إلى الباب المسدود . الذين طرحوا ذلك، لاشك أنهم انطلقوا من قراءة الفقرة الأولى من الفصل 42 من الدستور التي تنص على ما يلي: (الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة). بالنسبة إليّ، لا أعتقد أن الأمر يتعلق بفكرة سديدة، وذلك على الأقل للأسباب الأربعة التالية : أولا: يتطرق المقتضى الدستوري السابق، إلى المهام السيادية والضمانية والتحكيمية التي يمارسها الملك، كرئيس للدولة، ومن الواضح هنا أن الوظيفة التحكيمية المشار إليها ترتبط وفقا للنص بعمل المؤسسات الدستورية للدولة. لذلك، لا يبدو الخلاف المفترض بين الأحزاب السياسية في تشكيل الأغلبية البرلمانية، قابلا لأن يكيف كنزاع مؤسساتي، وهو ما يجعله بالتالي لا يصلح لأن يكون موضوعا للتحكيم الملكي . ثانيا: تداعيات تحكيم ملكي في موضوع بناء الأغلبية، من شأنها المساس عمليا بتوازنات السلط كما حددها الدستور، ذلك أن وثيقة يوليوز 2011، وهي تعزز المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان، وتقنن للمنهجية الديمقراطية، وتنص على التنصيب البرلماني للحكومة، كانت في الواقع ترسخ المنطق البرلماني في بناء الحكومة. لذلك، فانبثاق أغلبية برلمانية، بضمانة ملكية، من شأنه التشويش على هذا المنطق، وعلى كل الهندسة الدستورية . ثالثا: ترتبط هذه الدعوة، بالرهان السياسي على تأويل رئاسي للدستور، وباستبطان بعض النخب لروح دستور 1996، وهي تتعامل مع دستور جديد . ذلك أن الطلب الحزبي على تحكيم ملكي في تدبير الأغلبية الحكومية، يعني تجاوز الإمكانيات الدستورية التي تتيحها العلاقة "البرلمانية" بين الحكومة والسلطة التشريعية، والانتقال رأسا إلى الإمكانيات التي قد يتيحها تأويل معين للعلاقة "الرئاسية" داخل السلطة التنفيدية، عبر قراءة جديدة للفصل 42، ربما من شأنها تقويض الهامش المعقول من الاستقلالية الذي تصورته الهندسة الدستورية، للحكومة، تجاه المؤسسة الملكية، من حيث التأليف والصلاحيات، ومن حيث مسؤوليتها أساسا أمام البرلمان. لذلك، فالدعوة هنا إلى التحكيم، هي في العمق، طلب على إحياء الفصل 19 من الدساتير القديمة . رابعا: تواتر حالات من قلب الممارسة السياسية والدستورية، لما بعد 2011، أثبتت تعامل الملك بتجاهل مع طلبات سابقة للتحكيم في نزاعات ذات طبيعة سياسية وحزبية، وهو ما يؤكد انتصاره للتأويل الديمقراطي للدستور، وعدم انجراره لمحاولات جزء من النخب، والتي كانت ترمي في العمق إلى إخراج المؤسسة الملكية من رقعة الشرعية الدستورية . ونذكر هنا على الأقل بتلويح حزب الاستقلال في بيان مجلسه الوطني بتاريخ 11 ماي 2013، بموضوع التحكيم الملكي على خلفية خلافه المعلن مع رئيس الحكومة، ثم دعوة أحزاب المعارضة السابقة الملك، في ربيع 2015، إلى التدخل في مواجهة رئيس حكومة "يتكلم!".