سرق أحمد رضا الشامي، البرلماني الاتحادي والوزير السابق، الأضواء من رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، يوم أمس بالبرلمان حيث اعتاد رئيس الحكومة على «التبوريد» وتقطير الشمع على المعارضة... الشامي قدم سؤالا حول فشل الحكومة في محاربة الرشوة في شكل قصة جميلة ومعبرة على لسان صانع تقليدي استيقظ في الصباح، وذهب إلى المقاطعة للحصول على شهادة الميلاد. انتظر طويلا أمام الإدارة، وفي الأخير اهتدى إلى «حل» يوقف قتل وقته. ورقة من فئة 20 درهما في جيب موظف المقاطعة البائس. خرج من المقاطعة، ولأنه في عجلة من أمره، لم ينتبه إلى الضوء الأصفر أمام سيارته، وعوض أن يتوقف سارع إلى المرور، فما كان من رجل الأمن إلا أن أوقفه وبدأ في تحرير محضر مخالفة له. مرة أخرى اهتدى أحمد بن محمد إلى «الحل السحري».. ورقة من فئة 50 درهما هذه المرة في جيب الشرطي. لما رجع إلى بيته بعد الظهر، واجهته ابنته الحاصلة على الإجازة بأكبر مشكلة في حياتها.. «ياك لاباس؟»... لقد تقدمت بطلب استكمال دراستها العليا بسلك الماستر في الجامعة، ولأن قلعة العلم في بلادنا هي الأخرى غير محصنة من الرشوة، فقد طلب رئيس الشعبة من ابنة صاحبنا 20 ألف درهم لدخول اللائحة القصيرة للماستر. وعدها الأب بتدبر الأمر، وفي المساء تلقى اتصالا هاتفيا من أخيه الذي اتصل أكثر من مرة في هذا اليوم المنحوس. «ياك لاباس؟». أجاب الأخ بأن هناك مشكلة كبيرة. الإدارة الفلانية في ذمتها 200 ألف درهم عن صفقة شارك فيها، وعندما حان وقت الدفع طلب المسؤول في الإدارة رشوة 10% ليفرج عن المبلغ الذي تأخر دفعه عدة أشهر... ما العمل؟ لم يترك البرلمانيون أحمد رضا الشامي يكمل القصة، قاطعوه بالتصفيق. لقد اختار الوجه الاشتراكي البارز قصة معبرة ليتحدث عن الرشوة المتفشية في الجماعات المحلية والشرطة والجامعة والإدارة والمجتمع. ولم يكتف بهذه القصة المعبرة، بل مر إلى انتقاد عميق وجدي للحكومة وعجزها عن وضع سياسة عمومية لمحاربة الرشوة، لكن بطريقة هادئة وبيداغوجية، خاصة أن الحزب الذي يقود هذه الحكومة قدم تعهدات كثيرة بمحاربة الرشوة والفساد أكثر من أي حزب آخر... بنكيران لم يكن أمامه إلا الاعتراف للشامي، ولو أنه من المعارضة، بأن تدخله «جميل»، وأن رئيس الحكومة يعترف بهذه الانتقادات، ودعا الشامي إلى وضع يده في يد الحكومة لمحاربة هذه الآفة، وقال: «أنا لا أستطيع أن أدافع عن أشياء لا يمكن الدفاع عنها، لكن لوحدي لا يمكن أن أقوم بكل شيء». ولأن الجلسة منقولة عبر الأثير ولأن السياسة لا مجاملة فيها، لم يكن أمام بنكيران إلا أن يستغل الفرصة لتقطير الشمع على قيادة الاتحاد الاشتراكي، بعد أن اختار أن يثني على الشامي، وهو من التيار المعارض في الحزب. قال بنكيران: «إذا كانت هناك أحزاب سياسية تدافع عن المفسدين داخلها وتحميهم، ماذا تريدني أن أفعل أسي الشامي؟ أنا رئيس حزب يوم ضبط في صفوفه عضوا مد يده إلى رشوة فصلناه من أجهزة الحزب ولم ندافع عنه...». الإشارة كانت واضحة إلى ملف خالد عليوة، وكيف أن إدريس لشكر خاض معركة ضد وزارة العدل وقاضي التحقيق يوم اعتُقل الاتحادي السابق على ذمة التحقيق في ملف القرض العقاري والسياحي ولم يهدأ له بال حتى خرج عليوة من سجن عكاشة ولم يرجع لاستكمال التحقيق معه إلى الآن. وقفت عند تدخل الشامي لأقول إن السياسي اليوم يمكن أن يكون فعالا وحتى نجما ومؤثرا دون أن يكون شعبويا، والمعارض يمكن أن يكون قاسيا ومؤلما لحكومة بنكيران دون أن يفتح جبهات صراع على الواجهة الإيديولوجية أو الفقهية، ولأقول إن خصوم العدالة والتنمية والحكومة أمامهم مجال واسع للاشتغال على السياسات العمومية دون أن يضطروا إلى التحالف مع «البام» ومع بقايا السلطوية في الدولة العميقة، ويستطيعون أن يرجعوا إلى دفة الحكم بالاعتماد على وجوه جديدة ونظيفة ومستقلة ولها خبرة ومنظور للشأن العام. يقول فرانكلين روزفلت: «إذا كنت تريد أن تكون حاكما لشعبك اتبعه، وإذا كنت تريد أن تكون زعيما لشعبك فتقدم به إلى الأمام، تبعك أو لم يتبعك».