ما الذي مكن دونالد ترامب من الفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ في حوار مع قناة «سي بي إس»، يعطي الرئيس المنتخب تفسيرا بسيطا: قوة الشبكات الاجتماعية. «لدي قوة كبيرة في ما يخص عدد المشتركين في صفحاتي على تويتر وفايسبوك وإنستغرام وغيرها، هذا ما سمح لي بالفوز رغم أن منافستي الديمقراطية أنفقت ميزانية أكبر من تلك التي أنفقتها. الشبكات الاجتماعية لها سلطة أكبر من كل تلك الأموال التي أنفقوها». وبالفعل، يفوق عدد متابعي صفحات ترامب على فايسبوك وتويتر متابعي منافسته السابقة هيلاري كلينتون، لكن عدد المشتركين وحده لا يفسر الفوز بالانتخابات. يرى ترامب أن الشبكات الاجتماعية تمثل، قبل كل شيء، وسيلة «للهجوم المضاد». وقد استعمل هذه الوسيلة شر استعمال خلال الحملة الانتخابية، ناشرا على حساباته ردود فعل صادمة، وشعارات ووعودا وشتائم، إلى درجة أن فريقه التواصلي اضطر، في الأيام الأخيرة للحملة، إلى منعه من الولوج المباشر لحسابه الخاص على تويتر، حسب معلومات نشرتها الصحافة الأمريكية. اتهامات لفايسبوك رغم ذلك، يرى البعض أن الشبكات الاجتماعية، وبصفة خاصة فايسبوك، أسهمت بطبيعتها وبنيتها الذاتية في تربع ترامب على كرسي الرئاسة، وذلك بالسماح بنشر معلومات مغلوطة وأكاذيب لأهداف سياسية. وقد استطاعت تلك المنشورات والمقالات الوصول إلى جمهور ضخم بفايسبوك، الذي يعد المصدر الأول للمعلومة لأزيد من 40 في المائة من الأمريكيين. وقد اطلع على هذا النوع من المعلومات المختلقة تماما، مثل إشاعة دعم البابا فرانسيس لدونالد ترامب، ملايين الأمريكيين، وتم تقاسم إشاعة دعم البابا لترامب 868 ألف مرة، حسب إحصاء مختبر «نيمان لاب» المنجز في 9 نونبر. وقد أدى فوز ترامب إلى ارتفاع وتيرة الانتقادات الموجهة إلى فايسبوك. مواقع إخبارية كثيرة في الولاياتالمتحدة، من مثل «ماشابل» و«فوكس» و«فوربس»، حملت فايسبوك المسؤولية عن فوز ترامب في الانتخابات، داعية إلى القيام بمراجعة عميقة لطريقة اشتغال هذه الشبكة الاجتماعية. ومن جانبه، أكد فايسبوك أنه يعتز بأنه كان سببا في مشاركة مليوني ناخب في الاقتراع الرئاسي، بفضل حملة التسجيلات التي تمت على صفحاته. وردا على الانتقادات التي وجهتها وسائل الإعلام إلى موقعه، قال مدير فايسبوك، مارك زاكربورغ: «لا بد أن يكون المرء غير قادر تماما على وضع نفسه مكان الآخرين، ليخلص إلى أن السبب الوحيد لقيام شخص ما بالتصويت لمرشح ما هو أنه اطلع على معلومة خاطئة». وأكد، في رسالة نشرها على فايسبوك في 12 نونبر الجاري، أن «دراسات داخلية تؤكد أنه من مجموع ما ينشر بفايسبوك، 99 في المائة مما يطلع عليه المستعملون يعد محتوى أصليا. ونسبة ضئيلة جدا من المحتويات المنشورة تتكون من معلومات خاطئة أو إشاعات». ورغم ذلك، يعترف مؤسس فايسبوك، في المجمل، بوجود مشكلة. ويلتزم، في الرسالة ذاتها، بمواصلة البحث عن الوسائل الكفيلة بمحاربة نشر المعلومات المضللة، وإن كان الأمر ليس سهلا. أثر الفقاعة «فرز الحقيقة أمر معقد»، يقول زاكربورغ، مضيفا: «يمكن أن نثبت أن بعض المعلومات غير صحيحة، لكن رسائل كثيرة، بما فيها تلك الصادرة عن وسائل الإعلام الجماهيرية، تحذف تفاصيل خبرية أو لا تكون دقيقة فيها، كما أن نسبة مهمة من المقالات تعبر عن آراء يختلف معها كثير من الأشخاص، ويصنفونها أخبارا غير صحيحة، رغم أن المقال خبري ومبني على سرد وقائع». ومن الأسباب الأخرى التي تثير عدم رضا معارضي ترامب: «أثر الفقاعة» الذي يولد داخل فايسبوك. فالشفرة المعلوماتية التي يستعملها فايسبوك في ترتيب الأخبار التي تظهر أولا بصفحة كل مستعمل، تضع دائما في صدارة الصفحة الأخبار التي يمكن أن تثير اهتمام المستعمل اعتمادا على تحليل اختياراته السابقة (علامات الإعجاب، التعاليق، المشاركات…). الأثر المباشر لهذه الطريقة على الحقل السياسي يتمثل في أنها تجعل متعاطفا مع الحزب الجمهوري يدور في فلك معلومات كلها مستقاة من مصادر جمهورية، والعكس صحيح بالنسبة إلى مناضل بالحزب الديمقراطي. وهذا ما يؤدي بدوره إلى إحداث تقاطب سياسي واعتقال الأذهان داخل «فقاعات حزبية»، لا يصادفون داخلها أي آراء مغايرة. «فقاعات» موصوفة بدقة ضمن مشروع ل«وول ستريت جورنال» يبيّن الفوارق بين ما يراه مناضلو كل من الحزبين الأمريكيين. ومن النتائج الدقيقة التي رصدها المشروع أن المتعاطفين مع كلينتون، ممن لم يكونوا يتوقعون ولو للحظة واحدة فوز دونالد ترامب، لم يرصدوا أي مؤشر يدل على عكس قناعتهم تلك في صفحاتهم الفايسبوكية. ويفصل مشروع «وول ستريت جورنال» الفوارق في المعلومات التي يتلقاها أعضاء فايسبوك حسب لونهم السياسي. وتذكر الانتقادات التي بدأ يعبر عنها العديد من مستعملي فايسبوك، الذين يتساءلون عن كيفية فوز ترامب رغم أن كافة أصدقائهم صوتوا لكلينتون، بسؤال مماثل طرح إبان انتخابات لم يكن فايسبوك حاضرا فيها، وهي الانتخابات التي نجح فيها ريتشارد نيكسون. ساعتها كتبت الناقدة بولين كال : «لا أصدق أن نيكسون فعلا فاز. لا أعرف واحدا صوّت له». مرايا الواقع بالنسبة إلى فايسبوك، انعكاسات «الفقاعة» ضعيفة، وأثرها لا يمكن أن يكون نتاجا لطريقة اشتغاله، وإنما تعكس نفسيات الأشخاص؛ فمستعملو فايسبوك يفضلون قراءة مقالات و«الإعجاب» بتعاليق تتناسب مع هواهم. والأبحاث المستقلة والجادة تتجه إلى اعتبار أن أثر الفقاعة، في حال كان حقيقيا، أقل أهمية مما نظن. ويرى الباحث الفرنسي في الشبكات الاجتماعية، دومينيك كاردون، أننا «نحن من نخلق الفقاعات، عبر آلية إعادة الإنتاج الاجتماعي. فالمصفاة الحقيقية هي اختيار أصدقائنا على فايسبوك، أكثر من شفرة فايسبوك المعلوماتية». والشبكات الاجتماعية تعتبر في المقام الأول مرايا للواقع الاجتماعي، رغم أن هذه المرايا قد تعكس الواقع أحيانا بشكل مشوه أو صعب الاستيعاب. لكن، أليس القول بأن من صوتوا لترامب فعلوا ذلك تأثرا بمعلومات مغلوطة، أو لأنهم على درجة من الغباء تجعلهم عاجزين عن تمييز الأخبار الصحيحة من الأكاذيب على فايسبوك، تبنيا لوجهة النظر المتعالية ل«المؤسسة» (establishment) التي صوت ضدها أغلب الشعب الأمريكي؟ وتطرح السهولة التي تنتشر بها الأخبار الكاذبة أسئلة عديدة حول التحولات الرقمية للنقاش السياسي. ومن أكثر ما يفسر هذا الانتشار الواسع لتلك الأخبار الكاذبة هو تصويت الناس لصالح ترامب. لو كانت تلك الأكاذيب والمنشورات الداعمة لترامب لا تثير الاهتمام، لكانت شفرة فايسبوك ستعطيها غالبا أهمية أقل. فهل فايسبوك يتحمل المسؤولية في حال تقاسم مستعملوه، بكامل وعيهم، أكاذيب، الهدف منها النيل من المرشحين الذين لا يساندونهم، والتي تنسجم مع الرؤية التي يحملونها عن العالم؟ «الأخبار ليست المهمة الأولى لفايسبوك»، أكد مارك زاكربورغ في 12 نونبر، مشددا على أن «فايسبوك ليس وسيلة إعلامية، وإنما أرضية». الصيغة التي ينتهجها الموقع تحاول التقليل من أهمية الدور الحاسم الذي يلعبه اليوم في توزيع الأخبار، والسلطة الاقتصادية التي يمارسها على وسائل الإعلام الغربية. وهي صيغة تسمح له بالتنصل من أي مسؤولية عن التمثلات الحزبية الضيقة للأخبار التي تنتعش على شبكته. من فايسبوك إلى محكمة أخلاقية؟ لكن مطالبة فايسبوك بالانخراط أكثر في الحقل السياسي، أو السير في اتجاه التحول إلى وسيلة إعلامية فريدة تلعب دورا فاعلا في تحديد «الصحيح» من «الخطأ»، وتحرص على حيادية المعلومة، ليست دون مخاطر. فلكي يقطع الموقع الطريق على الإشاعات والأكاذيب، سيحتاج، مثلا، إلى أن تمارس فرق داخلية الرقابة الأخلاقية بشكل دائم واستباقي على الأخبار الصحيحة والكاذبة، حسب معايير من إعداد تلك الفرق. وسيتطلب ذلك أيضا توسيع مجال مراقبة المحتويات التي يحاول فايسبوك تطبيقها على المحتويات الإرهابية، لتشمل كافة المحتويات المنشورة على الموقع الاجتماعي. لكن عملا مماثلا يعد، في العادة، من اختصاص مؤسسات كالقضاء أو الصحافة. ومثل هذه المهمة ستعطي فايسبوك مسؤولية أكبر بكثير من المسؤولية التي يتحملها اليوم في إشاعة العلوم ونشر الأفكار وفسح المجال للنقاش. وزاكربورغ نفسه واع بخطورة الفكرة، إذ يقول: «علينا أن نبقى حذرين من أن نتحول نحن أنفسنا إلى قضاة يحددون ماهية الحقيقة». *عن لوموند