بقلم: مصطفى شفيق علام طالب البيان الختامي للدورة العشرين «للجنة القدس»، بمنظمة التعاون الإسلامي، التي انعقدت بمدينة مراكش بالمغرب، الأحد- المجتمع الدولي «بتحمل مسؤولياته كاملة في إنقاذ مدينة القدس، ورعاية الموروث الإنساني والحضاري والعالمي فيها، وحماية الوضع التعليمي والسكاني والثقافي بها». يأتي اجتماع «لجنة القدس»، التي تم تدشينها عام 1975 بجدة، وتضم إلى جانب فلسطين، المغرب ومصر والسعودية والعراق والأردن ولبنان وموريتانيا وغينيا وسوريا وبنجلاديش وإيران وإندونيسيا والسنغال- بعد توقف دام 12 عامًا، بسبب الخلافات السياسية بين دول اللجنة. وعلى الرغم من محورية قضية القدس في العقل الجمعي لشعوب دول منظمة التعاون الإسلامي، إلا أن حكومات تلك الدول دائمًا ما توظف ورقة القدس، والقضية الفلسطينية، في إطار اعتبارات المصالح السياسية المتناقضة لتلك الحكومات، ما يلقي بظلاله السلبية على قضية القدس التي انبثقت اللجنة خصيصًا للدفاع عنها والترويج لها في المحافل الدولية. تستغل إسرائيل، الخلافات البينية العربية العربية، والعربية الإسلامية، لإنهاء وتصفية القضية الفلسطينية عبر حلول أحادية الجانب، لاسيما على صعيد حسم مصير القدس كأولوية لدى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بتسارع وتيرة «تهويد» المدينة على الأصعدة كافة لخلق فكرة «أورشليم» بشكلها النهائي، بكل ما تحمله من دلالات سياسية ودينية. والمتابع للسياسة الإسرائيلية يلحظ أن الحكومات المختلفة، تعتمد مسارات متوازية لتنفيذ استراتيجية تهويد القدس، تتلخص في الهوية ببعديها الديني والثقافي، والتهويد الجغرافي، والتهويد الديموغرافي، بالإضافة إلى مكملات التهويد؛ الاقتصادية والتشريعية. على صعيد تهويد هوية المدينة المقدسة، دشنت إسرائيل مشروع «تطوير الحوض المقدس» الذي يعني خلق مدينة يهودية مقدسة موازية للبلدة القديمة، تشترك معها في القلب من تلك المقدسات، وهو المسجد الأقصى المبارك، ما يحقق وجودًا يهوديًا كثيفًا في المسجد ومحيطه عبر آلية الاقتحامات المتكررة لمجموعات من اليهود المتطرفين وجنود الجيش والشرطة، إضافة إلى الإكثار من بناء الكنس (معابد اليهود) في محيط المسجد الأقصى. كما تسعى المؤسسات الإسرائيلية المختلفة، بدعم من الحكومة، إلى تحقيق سيطرة مطلقة على قطاع التعليم العربي في المدينة، حيث تشرف تلك المؤسسات بالفعل على نحو 66% من مؤسسات قطاع التعليم العربي في مدينة القدس. وعلى الصعيد الجغرافي والديمجرافي، تأتي استراتيجية مصادرة أراضي الفلسطينيين وتطويقهم بالجدار «العازل» الذي استقطعت به إسرائيل أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية، وقد حققت إسرائيل عبر هذا الجدار مكاسب جغرافية وديمجرافية مهمة، باعتبار أن الهدف الأول لتدشين الجدار في القدس هو ضم أكبر مساحة ممكنة من الأراضي إلى الحدود البلدية للمدينة، مع طرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين. وتبلغ نسبة الفلسطينيينبالمدينة، حاليًا، وفقًا للإحصاءات الإسرائيلية، نحو 35% من جملة السكان، ومن المتوقع أن تصل نسبتهم إلى 40% بنهاية العقد القادم، وتسعى الحكومة الإسرائيلية، إلى تفعيل قانون عام 1973 الذي يقضي بألا تزيد نسبة الفلسطينيين في القدس على 22% من إجمالي السكان بالمدينة. في هذا السياق، يأتي تكثيف عمليات الاستيطان بالقدس والتوسع فيها رأسيًا وأفقيًا، وذلك عبر زيادة السكان اليهود في المدينة والترويج للقدس كمركز جذب سكاني، وذلك من خلال المؤسسات الخاصة والجمعيات والمنظمات غير الحكومية، خروجًا من الحرج الدولي، باعتبار أنه قد صدرت العشرات من القرارات الدولية المختلفة إزاء قضية القدس، تمحورت جميعها حول ضرورة عدم تغيير ديمجرافية المدينة. وتدفع الأوضاع المعيشية المزرية التي يعانيها الفلسطينيون من سكان القدس، اقتصاديًا، لاسيما في القدس الشرقية، إلى الاستجابة للإغراءات المادية التي تعرضها جمعيات المستوطنين كأثمان باهظة مقابل بيع بيوتهم وأراضيهم في المدينة. وعلى الجانب التشريعي تعمل إسرائيل على تكبيل الفلسطينيين في القدس الشرقية بقيود قانونية وإجرائية جائرة، والتفنن في فرض إجراءات تعجيزية بحقهم تمس حياتهم اليومية؛ من قبيل تراخيص البناء، وتراخيص العمل، وتجديد الهويات وغيرها، وذلك بهدف حملهم على الهجرة من ديارهم، والنزوح خارج القدس. إن استراتيجية تهويد القدس لن يوقفها تخصص وكالة «بيت مال القدس»، التابعة «للجنة القدس»، 20 مليون دولار سنويًا لتمويل المشاريع بالمدينة، لكنها تحتاج إلى وقفة عربية وإسلامية، للضغط على الدول الغربية، خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، لإثناء إسرائيل عن المضي قدمًا في هذا المخطط، لكن الخلافات العربية والإسلامية دائمًا ما تجعل الطريق ممهدًا أمام إسرائيل لإنجاز مخططاتها الاستراتيجية التوسعية كافة.