المغرب يغلي من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، احتجاجا على مصير مول الحوت، والطبقة الحزبية «مهياش هنا»، مشغولة بالمؤامرات والحسابات الصغيرة التي تدار بالريموت كنترول عن بعد، والهدف هو تعطيل ميلاد الحكومة الجديدة حتى ينسى الناس أنهم صوتوا في السابع من أكتوبر، وحتى يجري خلط الأوراق، فلا يعرف للحكومة المقبلة منطق ولا روح ولا أم ولا أب… امحند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، أخر انطلاق المشاورات حول تشكيل الحكومة عشرين يوما متذرعا بجمع المجلس الوطني للحركة، ولما اجتمع القوم في هذا المسمى مجلسا وطنيا، خرجوا كما دخلوا إلى الاجتماع بدون قرار الدخول إلى الحكومة أو الخروج إلى المعارضة، وكل ما فعله العنصر إزاء مشادات كلامية وبعض الكراسي الطائرة في الهواء أنه أقنع برلمان الحزب بتفويض قرار الدخول من عدمه إلى الأمين العام، وكأن المجلس الوطني قاصر لا يستطيع أن يتخذ قرارا مثل هذا. ولكي يمطط الوقت، أصبح يربط موقفه بموقف الأحرار، وأصبح يلمح إلى ضرورة خلق توازن يميني ليبرالي تجاه الكتلة الديمقراطية، وهذا، لعمري، لمن المغربات، فلا العنصر ليبرالي، ولا لشكر اشتراكي، ولا أخنوش رأسمالي، ولا بنكيران إسلامي، ولا شباط يميني ولا بنعد الله شيوعي. كل هذه الأسماء لا تنطبق على مخلوقات سياسية عقيدتها هي البرغماتية، وبرنامجها في الحكومة، كما في المعارضة، هو توجيهات جلالة الملك، وخطتها هي اتباع الأوراش المفتوحة سنة بعد أخرى. أخنوش، الذي تسلم حزبا على طريقة clé en main، يصر على أن يغير نتائج الاقتراع باصطحاب الاتحاد الدستوري في جيبه إلى مقر العدالة والتنمية، مدعيا أن الحزبين معا يشكلان فريقا واحدا في مجلس النواب، مع العلم أن المجلس لم يفتح أبوابه بعد، ولم نصل إلى مرحلة تشكيل الفرق البرلمانية، ولأن (مول الغاز) عملي جدا، فقد قال، في أول تصريح له أمام الصحافة في مقر الليمون بالرباط، «إن هذا اللقاء، الذي جمعه ببنكيران، ما هو إلا اللقاء الأول، وهناك لقاءات أخرى ومشاورات ستتبعه»، وكأننا إزاء تشكيل حكومة وحدة وطنية عقب خروج البلاد من حرب أهلية، في حين أن الأمور لا تستدعي كل «هاذ سير واجي»، فاقتصاد البلاد واقف، والغضب يعم المملكة بعد أحداث الحسيمة، والرأي العام ينتظر خروج المولود ليكتشف هل الحمل الذي تم في السابع من فبراير حقيقي أم كاذب، وهل جنين صناديق الاقتراع مازال في الغرفة أم تعرض للسرقة، كما حصل في الدارالبيضاء أخيرا، حيث فقدت عائلة طفلها من قلب المستشفى. أخنوش يعرف أن حزب الأحرار ليس حزبا لكنه ناد لرجال ونساء المصالح والامتيازات، وهذه الأخيرة توجد في قلب الحكومة وليس في خلاء المعارضة، ولهذا، فإنه يحاول التقليل من خسائر البام في السابع من أكتوبر عن طريق وضع اليد على الحقائب المهمة في الحكومة المقبلة، ليكون عين المخزن على الجهاز التنفيذي، والحزب الذي سيرث حقائب التقنوقراط، ولهذا لا تستمعوا كثيرا إلى الأقوال.. تابعوا الأفعال. إدريس لشكر مسكين، يبدو أنه في محنة حقيقية، فلا هو قادر على الدخول إلى الحكومة دون أن يتلقى إشارات في حقل سياسي فقد «الريزو»، ولا هو قادر على البقاء في صقيع المعارضة وقد أكلت من فريقه النيابي أكثر من النصف نتيجة صعود لشكر إلى جرار إلياس العماري، ولهذا فإن القيادة «المحنكة» لا تجرؤ على استدعاء اللجنة الإدارية للحزب مخافة عقابها، ولا هي قادرة على تصريف موقف المكتب السياسي القاضي بالدخول إلى الحكومة، والناس جميعا يتساءلون: «ماذا يمسك إلياس العماري على إدريس لشكر حتى يعجز هذا الأخير عن امتلاك قراره؟». رئيس الحكومة المكلف بدوره يتحمل المسؤولية عن كل هذا الوقت الذي يضيع من زمن السياسة، ومن زمن الإصلاح، ومن زمن التنفيذ في بلاد لديها مشاكل بلا حصر، فقد اختار الجلوس طويلا في قاعة الانتظار وهو يعرف أسباب تأخر العنصر وأخنوش ولشكر في الرد، وهو يعرف في الغالب أسرار هذا التردد من أحزاب تحب كراسي الوزارات أكثر مما تحب آباءها وأمهاتها، حتى لا نقول أكثر. كان على بنكيران أن يحدد موعدا لفتح المفاوضات وموعدا لإغلاقها، وألا يترك باب البازار السياسي مفتوحا لمدة طويلة، لأن ذلك يضر بالعملية الديمقراطية، فإما أن تتحمل هذه الأحزاب مسؤوليتها، وإما أن يذهب إلى تشكيل حكومة أقلية. أنا شخصيا أعتقد أنها ستحصل على الأغلبية في البرلمان المبلقن، وإلا فآخر الدواء الكي. على بنكيران أن يرجع المفاتيح إلى صاحبها، ويعلن فشله في تشكيل حكومة ائتلافية، ويستعد للذهاب إلى انتخابات تشريعية جديدة بقانون انتخابي جديد يستطيع أن يفرز أغلبية واضحة وأقلية واضحة، أما لعبة «الغميضة» هذه فإنها أصبحت بلا طعم ولا معنى. انظروا الآن إلى من يحاور الشارع الغاضب بسبب مقتل مول الحوت، ومن يحاول تهدئته.. إنه الملك ومبعوثاه حصاد والضريس. هل معقول أن نترك الملكية في احتكاك مباشر مع الشارع والرأي العام دون وسطاء، دون حكومة، ودون أحزاب، ودون مؤسسات؟ حتى الحزب الذي ولد في كنف الدولة وفي فمه ملعقة من ذهب ها هو يدعو الناس إلى الخروج إلى الشارع، في محاولة لصب الزيت على النار لأنه لم يأخذ ما يعتبره مقابلا لدوره يوم السابع من أكتوبر.. «قولوا باز».