أن تكون خارج الإجماع في قضايا العقيدة والحريات الفردية، قد يكلفك حياتك..ففي الوقت الذي يتفادى فيه الكثير من المثقفين والإعلاميين الاقتراب من هذه المواضيع الحساسة، اختار الصحفي المختار لغزيوي الولوج للمعركة، اختيار كانت كلفته التهديد بالقتل. سأبدأ بسؤال ساخر، كم تشغّل لديك من حارس شخصي ؟ تطرحين السؤال بسخرية، لكنك لا تعلمين أنني أستعين فعلا بحراس شخصيين باستمرار.. كم يكلفوك؟ في الحقيقة لا شيء، رغم أنهم حراس أقوياء.. تتقدمهم دعوات الوالدة حفظها الله، وهي جنرال حرسي الشخصي، بالإضافة إلى جنود كثر: هي آيات قرآنية أحفظها منذ الصغر تجعلني مؤمنا بأنه «لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»، وتقنعني بأن «الله خير حافظا وهو أرحم الراحمين»، ومعها حديث نبوي يجعلني مطمئنا إلى أنه «لو اجتمع الإنس والجن على أن يضروك لن يضروك إلا بأمر الله»..ما يعني أنني محروس حراسة مشددة فعلا، ولا مجال لأي قلق أو تخوف إطلاقا.
أبو حفص، والنهاري، حسن الكتاني والحدوشي ...وأسماء كبيرة في التيار السلفي تتهم لغزيوي بالفسق والفجور..هذا كثير، هل نقرأ هذا كدليل على خطورتك ؟ القراءة السليمة له هي عدم قدرة التيار المتشدد على مناقشة الأفكار، ونزوعه فور أول خلاف إلى السب والاتهام بالزندقة والفسق والفجور وما إليه من عبارات لا تتقدم بنا قيد أنملة في هكذا نقاشات..علماؤنا الكبار وأئمة الأمة الحقيقيون كانوا يناقشون الجميع، ولم يلجؤوا أبدا إلى السب أو التجريح، بل صبروا على الأذى طويلا، ونبي الأمة (ص) ناقش أناسا أتوه معلنين الكفر الواضح والصريح، ولم يسبهم ولم يشتمهم.. أما من يدعون أنهم حملة لواء الدين اليوم لأغراض سياسية، فأناس للأسف الشديد أصغر من أن يمثلوا الإسلام الصحيح تمثيلا حقيقيا. لنقُلْ إن نكبة الدين فيهم وبهم أكبر من نكبته بمن لا يدينون بدين الإسلام أصلا.
تدافع عن حرية الرأي، لكنك تبدو إقصائيا وعنيفا أحيانا بكتاباتك اتجاه التيار السلفي؟ تربيت في أسرة متدينة، وحفظت أجزاء عديدة من القرآن الكريم في الصغر، وأعرف أن دين الرحمة الذي تلقيناه منذ اليفاعة الأولى ليس هو الدين السياسي الذي يشهره في وجوهنا هؤلاء. وإذا كان لي أن أغضب وأن أكون شرسا في دفاعي عن شيء ما، ففي هاته المسألة بالتحديد، أي في دفاعي عن إسلامي المغربي الوسطي المعتدل الميسر للناس لا المعسر عليهم. التيار الآخر يؤسس وجوده على تكفير كل من واجهه، وعلى توعده بالنار في الآخرة، لذلك فعذرا إن بدوت لك عنيفا وإقصائيا ضد من يشوه صورة ديني، لكنني لا أستطيع إلا ذلك، ولا أستطيع إلا أن أصرخ غاضبا من عملية التهريب الديني التي يتعرض لها دين أنزله الخالق جل وعلا رحمة للعالمين وحوله بعض المنتسبين إليه إلى نقمة فعلية بسبب تطرفهم وغلوهم القاتل في كل شيء.
تدافع بقوة عن الحريات الفردية، لكنك لا تدافع بنفس الشراسة عن الحريات الجماعية والسياسية ؟ في الحوار الشهير مع قناة «الميادين» الذي جلب علي كل السباب والشتم الذي تعرفينه، قلت إن «الأمة اليوم وبعد ثورة الميادين، لم تعد تقبل أن يمس أحد بحريتها، سياسية كانت أم اقتصادية أم ثقافية أم فردية.. وأن جيلا آخر قد ولد من رحم الجيل السابق العاجز والعنين، وهو جيل المطالبة بكل حرياته، ولن تعود الأمور إلى سابق عهدها وإلى ما سلف عن سنة 2011، مهما كان». لماذا لم يهتم أحد بدفاعي عن الحرية السياسية والاقتصادية والثقافية، وتم التركيز فقط على الحرية الجنسية؟..
لا أفهم أحيانا كيف لصحفي منحاز لقيم الحرية، أن يدافع على طقوس البيعة وتقبيل اليد ؟ الأمر بسيط للغاية، وتفسيره أنني مغربي حتى النخاع ولدي تقاليد لا أرى أي إشكال في عيشها ومسايرتها، ثم لا تنسيْ أن ملكنا محمد السادس لم يعد يجبر أحدا على تقبيل يده، وهذه مسألة يعرفها المغاربة كلهم، وإذا كان البعض يتشبث بالمسألة باعتبارها تقليدا يعبر عن الاحترام فلا أجد في الأمر أي غضاضة على الإطلاق، مثل البيعة تماما، ومثل حركة الانحناء الدالة على الاحترام لا على الركوع أو شيء من هذا القبيل ..
أنت منتقَدٌ وخارج إجماع القوميين والسلفيين واليساريين والمحافظين والفبرايريين واليسار واليمين، هل نقرأ في هذا عنوانا لاستقلاليتك الفكرية، أم عنوانا لعدم ثبات مواقفك ؟ سأذكرك بصفتي الأولى والأساسية: أنا صحافي، والصحافي يجب أن يكون على مسافة من كل هؤلاء فعلا - خصوصا إذا كان كاتب رأي - لكي يستطيع قول كلمته صافية من أي شوائب قد تعكرها وتجعل القراء يعتقدون أنه يكتب هذا الكلام لسبب أو لآخر لا علاقة له بالموضوعية. لذلك يستغرب عدد ممن يعتبرونني عدوا لهم حين أكتب مرة بشكل إيجابي عنهم، وينسون أن الموضوعية تفرض علي هذا الأمر، وإن لم يرقني بالكامل. الأمر بالنسبة لي هو التجسيد الأفضل للاستقلالية الحقة، وهي استقلالية ستجدين دائما من يحاربها لأنه لا يستطيعها فعلا.
بعد دفاعك عن الحق في العلاقات العاطفية قبل الزواج في قناة الميادين، انخرط الكل في جلدك لأنك عبرت عن احترام حرية أمك وأختك وابنتك في جسدهن، لا أحد سأل ما رأيهن في الموضوع؟..هل ساندنك في أزمتك ؟ هن يعلمن قبل مروري في «الميادين» أنني أحترم حريتهن، وأنني مؤمن حتى النخاع بأن كل فرد منا مسؤول أمام نفسه وأمام خالقه عما يفعله، وبأنه لا حق لي في أن أنصّب نفسي حارسا على أي كان. مساندتهن لي كانت قوية جدا، خصوصا وهن يعرفن أن الكلام الساقط الذي قيل في حقي ليس صحيحا، وهو دليل على سقوط من قالوه أكثر من دلالته على أي شيء آخر. لهن التحية ولهن الاحترام، هن وكل نساء المغرب، اللائي أعتبرهن الممسكات حقا بخلاصنا وبحريتنا، واللائي أؤمن أنهن وحدهن قادرات على إنقاذنا مما نحن فيه اليوم.
ما هي قراءتك لقرارتبرئة القضاء للنهاري في قضية التحريض على قتلك ؟ استغربت والسلام. ولن أضيف شيئا للاستغراب سوى الدهشة، ومعها قبول حكم القضاء المغربي كيفما كان.
تكررت فتاوى القتل في الفترة الأخيرة ضدك وضد عصيد بسبب التعبير عن آراء حرة، هل ستحتدّ المعركة أكثر في المستقبل بين التيار الحداثي والمحافظ ؟ عندما يعجز التيار الآخر عن مجاراتك في قدرتك على الدفاع عن أفكارك، يقرر أن الحل لإسكاتك وإخراسك هو قتلك، ويلجأ لهاته الفتاوى الجاهلة التي يعتقدها قادرة على ترهيب الناس وإجبارهم على الصمت. نعم ستصدر فتاوى، نعم سيقتل أناس حقا، سيسقط شكري بلعيد ومحمد براهمي في تونس، وسقط قبلهم وبعدهم كثيرون في كل مكان، لكن صوت المنطق والموضوعية سيصل بكل تأكيد، والقاعدة التاريخية لا قاعدة بن لادن، علمتنا إياها بكل وضوح: القتل لا يمس الأفكار، هذا الأمر مستحيل. ولنقلها بكل التفاؤل المشروع من الآن: نحن المنتصرون، أما التطرف فإلى زوال، مهما ازدهر بعض الوقت.
أظن الأخطر في ردود الفعل العنيفة ضد آرائك الجريئة ليس التهديد في حد ذاته، بل التدمير الرمزي وتشويه الصورة بالقذف والسب والتهم الجاهزة؟ تعرفين سيدتي أنني لست الأول ولن أكون الأخير. الكبار تعرضوا لهذا الأمر فما بالك بي؟ عقل الأمة الكبير وفخرها الإمام ابن رشد تعرض لأكبر عملية تشويه في تاريخ هاته الأمة، وأحرقت كتبه وكُفّر ووصف بكل الأوصاف. هل تذكرين اسم متطرف واحد ممن هاجموه؟ قطعا لا، لكنك ستذكرين وسأذكر معك ابن رشد وستذكره أجيال بعدنا.
هل تشعر أحيانا بالإحباط واللاجدوى في ظل هذا الكم الكبير من العنف ؟ أبدا، أشعر بأن شعبنا يحتاج لمن يرافقه برفق و«غير بالشوية»، لأن سنوات التجهيل والتشجيع على الأمية واحتقار القراءة والثقافة، هي التي صنعت لنا مجتمعنا الحالي. وهذا العنف المجاني هو دليل ضعف لا قوة، لذلك علينا مرافقة هذا المجتمع الضعيف إلى أن يبلغ قوته، لا أن نتركه بين أيدي التيار المتشدد الذي سيستغله بكل سهولة.