مساء 13 شتنبر 2016، سيبقى موشوما في ذاكرة نبيل بنعبدالله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية. فعلى بعد أسبوعين من انطلاق الحملة الانتخابية الممهدة لاقتراع 7 أكتوبر، وبالتزامن مع فترة إيداع الترشيحات، أصدر الديوان الملكي بيانا ناريا استهدف فيه الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية. السبب المباشر لهذا الهجوم غير المسبوق من حيث اللغة التي استعملت فيه والدعاية الإعلامية التي رافقته، هو حوار أجرته أسبوعية "الأيام" مع بنعبدالله، حمل تصريحات اعتبرت بمثابة اتهام للمستشار الملكي فؤاد عالي الهمة بالوقوف وراء دعم حزب الأصالة والمعاصرة، رغم أنه غادر الحزب منذ 2011. وحسب النص الذي نشرته "الأيام" في عددها الصادر في 8 شتنبر 2016، فإن بنعبدالله قال إن "مشكلتنا ليست مع حزب الأصالة والمعاصرة كحزب، بل مشكلتنا مع من يوجد وراءه، وهو بالضبط من يجسد التحكم". وعندما سئل "من يوجد وراءه؟ رد قائلا: "من أسسه". ولوحظ أن بلاغ الديوان الملكي صدر بعد 6 أيام على نشر الحوار مع "الأيام"، كما تبين أن الأسبوعية سارعت مباشرة بعد نشر الحوار إلى نشر توضيح واعتذار، عبر موقعها "الأيام 24″، في 9 شتنبر أي 5 أيام قبل صدور بيان الديوان الملكي، بخصوص عبارة "المؤسس" التي تشير إلى الهمة، حيث جاء التوضيح على الشكل التالي: "ورد خطأ غير مقصود في حوار نبيل بنعبدالله عند قوله: "مشكلتنا ليست مع الأصالة والمعاصرة كحزب، بل مشكلتنا مع من يوجد وراءه ومع من أسسه، وهو بالضبط من يجسد التحكم"، غير أن الصحيح، أن الأمر يتعلق بفكرة التأسيس والمؤسسين و ليس عبارة "المؤسس" كما أوردت الجريدة". وحسب مصدر من "الأيام"، فإن بنعبدالله هو نفسه الذي اتصل بالجريدة وطلب نشر هذا التوضيح، لكن، ذلك لم يشفع له ولم يمنع صدور البيان الناري للديوان الملكي رغم أنه لم يذكر اسم الهمة. وكالة المغرب العربي لأنباء، نشرت قصاصتين، مساء الثلاثاء 13 شتنبر، حول بلاغ الديوان الملكي، تلقفتها وسائل الإعلام العمومية، والمواقع الإخبارية والوكالات الدولية، وكلها رددت ما جاء في البيان من اتهامات لبنعبد الله، الوزير في حكومة بنكيران، فقد وصفت تصريحاته بأنها "غير مسؤولة"، وأنها "وسيلة للتضليل السياسي، في فترة انتخابية تقتضي الإحجام عن إطلاق تصريحات لا أساس لها من الصحة"، كما اتهم ب "استعمال مفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين". ولم يقف الهجوم عند هذا الحد، بل اعتبر تصريح بنعبدالله، "يتنافى مع مقتضيات الدستور والقوانين، التي تؤطر العلاقة بين المؤسسة الملكية، وجميع المؤسسات والهيآت الوطنية، بما فيها الأحزاب السياسية". ويظهر أن القصر حاول توضيح موقع فؤاد عالي الهمة كمستشار ملكي، أن لا علاقة له ب "البام"، رغم أنه أسس هذا الحزب في 2008، قبل أن يغادره أواخر 2011، وجاء في البلاغ: "الديوان الملكي إذ يصدر هذا البلاغ التوضيحي، فإنه يحرص على رفع أي لبس تجاه هذه التصريحات، لما تحمله من أهمية ومن خطورة، لاسيما أنها صادرة عن عضو في الحكومة، وأن الشخص المقصود هو مستشار لجلالة الملك حاليا، ولم تعد تربطه أي علاقة بالعمل الحزبي". بنعبدالله مستهدف بسبب البيجيدي من جانبه انخرط الإعلام العمومي في حملة ضد التقدم والاشتراكية، إذ استضافت القناة الثانية في نشرتها المسائية ليوم الأربعاء 14 شتنبر، نزهة الصقلي، برلمانية التقدم والاشتراكية، التي عملت على تصفية حساباتها مع بنعبدالله، وسايرت أسئلة صحافي القناة الذي أثار قضايا تنتقد تحالف حزبها مع البيجيدي، وتهاجم تصريحات بنعبدالله، وتنتقد استعماله عبارة "التحكم" ضد "البام". لكن داخل التقدم والاشتراكية حصلت قناعة بأن بنعبدالله كان مستهدفا منذ مدة بسبب تصريحاته الأخيرة، التي يهاجم فيها "البام" ويصفه بالتحكم، وكذا بسبب تقاربه مع العدالة والتنمية، يقول قيادي من الحزب "ليس السبب هو الحوار الذي أُجري مع "صحيفة "الأيام".. إنهم كانوا يتحينون الفرصة فقط"، ولهذا وردت في بلاغ الديوان الملكي، إشارة إلى "تصريحات سابقة غير مسؤولة" لبنعبدالله، دون تحديدها. ربما يكون من هذه التصريحات قوله في 6 شتنبر خلال استضافته من طرف جمعية خريجي العلوم السياسية بباريس، بمقر بورصة الدارالبيضاء، "لقد تبين أن هناك ملفات من الصعب على الحكومة الاقتراب منها"، وأن "رئيس الحكومة نفسه يكتشف أن أمورا تتم بالموازاة مع عمل الحكومة وهو لا علم له بها". وضمن السياق نفسه علق قائلا: "لا يمكن التقدم إذا لم يكن رئيس الحكومة مسؤولا عن كل شيء". وفي موضوع آخر، قال بخصوص تعيين رئيس الحكومة، إنه إذا فاز البيجيدي في 7 أكتوبر وتم تعيين شخصية أخرى غير الأمين العام بنكيران، رئيسا للحكومة، فسيعتبر ذلك "تدخلا في الشؤون الداخلية للحزب"، معتبرا أن "بنكيران يحظى بالإجماع داخل حزبه". تحضير إعلامي وحسب قيادي من التقدم والاشتراكية، فإنه قبل الهجوم على بنعبدالله، تمت عملية تحضير إعلامي، انخرطت فيها عدة مواقع إلكترونية معروفة بارتباطاتها، حيث قامت بعملية تحريض ضد بنعبدالله. فرغم أن "الأيام" لم تنشر صورة الهمة مرفقة بحوارها مع بنعبدالله، إلا أن هذه المواقع نشرت أخبارا نقلا عن حوار "الأيام" ادعت فيها أن بنعبدالله يهاجم الهمة ووضعت صورته إلى جانب صورة بنعبدالله. و"هناك من حمل هذه الصور من هذه المواقع إلى القصر"، يقول قيادي من الحزب. بنعبدالله عاش فترة عصيبة قبل صدور بلاغ الديوان الملكي، واستدعى الأمر تدخل مولاي إسماعيل العلوي، الأمين العام السابق للحزب لتلطيف الأجواء، لكن وقع بلاغ الديوان الملكي كان قاسيا على بنعبدالله، لدرجة أنه أبلغ بعض مقربيه بأنه يفكر في الاستقالة، لأنه لم يستسغ كل هذه الاتهامات، وهو الذي كرس حياته لخدمة الوطن والدفاع عن الملكية، لكن قياديين من الحزب، لم يتفقوا معه، وقالوا له إن "فكرة الاستقالة لا يجب التفكير فيها مطلقا". من جانب آخر يقول قيادي من الحزب إن "ما خفف عن بنعبدالله هو الاتصالات التي تلقاها من عدد من المواطنين من مختلف الجهات والاتجاهات، والتي عبرت عن التضامن معه". أكثر من هذا، فقد تلقى دعما معنويا من رئيس الحكومة عبدالاله بنكيران، الذي اتصل به وزاره في بيته. وفي وقت كان يسود الاعتقاد بأن حزب التقدم والاشتراكية، سينحني للعاصفة، ويضحي بأمينه العام كما جرت عادة الأحزاب في مثل هذه المواقف التي يغضب فيها القصر، وقع الديوان السياسي مساء الأربعاء 14 شتنبر بإجماع أعضائه بمن فيهم الوزراء على بيان "جريء" يرد ب "أدب" على كل نقطة وردت في بلاغ الديوان الملكي. فبخصوص قول الديوان الملكي، إن تصريحات بنعبدالله "تتنافى مع مقتضيات الدستور والقوانين، التي تؤطر العلاقة بين المؤسسة الملكية، وجميع المؤسسات والهيآت الوطنية، بما فيها الأحزاب السياسية"، رد الحزب مذكرا بمواقفه التاريخية في الدفاع عن وحدة الوطن، وبناء دولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. في إطار الاحترام التام لثوابت الأمة والمؤسسات التي يقرها دستور المملكة المغربية، وعلى رأسها المؤسسة الملكية، التي نكن لها التقدير الفائق والإخلاص الكامل، باعتبارها رمز وحدة الأمة وضامنة لدوام الدولة واستمرارها". أما في ما يتعلق باتهام بلاغ الديوان الملكي لبنعبدالله بإصدار تصريحات تعد "وسيلة للتضليل السياسي، في فترة انتخابية تقتضي الإحجام عن إطلاق تصريحات لا أساس لها من الصحة، واستعمال مفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين"، رد الحزب بأن "مواقف الأمين العام بصفته ناطقا رسميا "تعتبر عادية في المجتمعات الديمقراطية"، و"تندرج في سياق التنافس الحزبي الطبيعي، والصراع الفكري والتعبير عن الآراء والمواقف في إطار التطور الديمقراطي العادي ببلادنا". وهي آراء "ليست وليدة اليوم أو ناتجة حصريا عن القيادة الحالية للحزب، بل إنها تعود إلى سنوات مضت". فالموضوع في الأصل يتعلق ب "نزاعات حزبية محضة"، نافيا أن يكون للحزب وأمينه العام نية "إقحام المؤسسة الملكية فيها بأي شكل من الأشكال". أما بخصوص تمييز بلاغ الديوان الملكي، بين نقده للأمين العام كشخص وإشادته بالحزب فكان الرد هو أن حزب التقدم والاشتراكية، "كيان حزبي موحد ومتضامن، لجنة مركزية وأمانة عامة ومكتبا سياسيا ومجلس رئاسة وتنظيمات قاعدية". هذا الموقف أظهر الحزب في صورة موحدة خلف أمينه العام، خاصة أنه مقبل على محطة انتخابية حاسمة، لكن السؤال المطروح، هو هل سيضع بلاغ الحزب هذا حدا للتوتر مع القصر أما أن المعركة مفتوحة على فصول أخرى..؟