حادث دهس خطير وسط طنجة: سيارة مسرعة تدهس شخصًا والسائق يلوذ بالفرار    إقصائيات مونديال 2026 .. الأسود يواجهون النيجر وتنزانيا في وجدة    توقيف هولندي بالدار البيضاء مبحوث عنه دوليا بسبب الاتجار في الأسلحة    بابا يرجح كفة الجديدي على تواركة    السعدي يطلق السنة الدولية للتعاونيات بشعار "المغرب في قلب الحدث"    ملتقى الصحراويين بلاس بالماس يبدد وهم "التمثيلية الشرعية" للبوليساريو    النصب بمواقع التواصل يورط شخصا    بنسعيد وقطبي يفتتحان متحف ذاكرة البيضاء لاستكشاف تاريخ المدينة    ندوة تلامس النهوض باللغة العربية    هذا توقيت ومكان مباراتي المنتخب الوطني للتصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم    الرباط: توقيف مشتبه به بتهمة النصب والاحتيال عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغسيل الأموال    البطولة: الدفاع الجديدي يقتنص فوزا مهما على اتحاد تواركة    مراكش: توقيف مروج مخدرات وحجز كميات مهمة من الكوكايين والأقراص المهلوسة    بسبب مواصلته عملية التأهيل.. أنشطة الملك محمد السادس ستخضع لإعادة النظر خلال رمضان    غرفة الصيد البحري المتوسطية تصادق على التقرير المالي لسنة 2024 وتعزز شراكاتها لدعم القطاع    تركيا.. أوجلان يوجه دعوة لحل حزب العمال الانفصالي وإلقاء السلاح    *تحليل قانوني لقرار محكمة التحكيم الرياضي في قضية USMA ضد RSB*    مراقبة هلال شهر رمضان بالمغرب غدا الجمعة    بالفيديو/ وليد كبير: النظام الجزائري يواجه الإفلاس بسبب انتصارات المغرب في ملف الصحراء المغربية    نشرة إنذارية من مستوى يقظة برتقالي تعلن عن تساقط أمطار رعدية قوية    "البيجيدي" يرحب بقرار الملك بخصوص العيد    الحكومة تهتم بالخدمات المنقولة    تراجع تداولات بورصة الدار البيضاء    النصيري يواصل التألق في فنربخشة    فرنسا تؤكد أن طلبها مراجعة اتفاقيات الهجرة مع الجزائر هو "يد ممدودة"    شبكة متكاملة وبرامج متنوعة على القناة «الثقافية» خلال شهر رمضان 2025 رمضان على «الثقافية سفر روحي بنكهة ثقافية »    رئيس الجمعية الجهوية لمهنيي وتجار السمك: عدم دخول سمك السردين للمزاد العلني يفتح الباب أمام التلاعبات والمضاربات    إبراهيم دياز: شرف لي أن أخوض 100 مباراة بأفضل قميص في العالم    المجلس الإداري للوكالة الحضرية لتطوان يعقد دورته العشرون لمناقشة حصيلة الإنجازات وبرنامج العمل المستقبلي    غياب الذبح في عيد الأضحى يطلق توقعات بخفض أسعار اللحوم الحمراء    الناطق الرسمي باسم الحكومة يثمن عدم إقامة شعيرة الذبح في عيد الأضحى    استقبال رفيع وخاص للطالبي العلمي والوفد المرافق له من قبل الفرق النيابية وأعضاء مجلس النواب المكسيكي    أكادير تحتضن أشغال اجتماع التخطيط النهائي لتمرين "الأسد الإفريقي 2025"    المغاربة يعبرون عن ارتياحهم بعد قرار إلغاء شعيرة ذبح الأضحية لهذه السنة    الملك يزيح العبء عن الأسر المغربية .. وأسعار الأكباش تنكمش بألف درهم    الممثل بسبوسي يربط رفضه المشاركة في أعمال رمضانية ب"إشهارات ضد مبادئي"    "اكتظاظ الطلبة وتأثر التكوين وغياب الرؤية وتوحش القطاع الخاص".. أساتذة كليات الطب يفضحون الحكومة    بيتاس: "المخطط الأخضر حقق أهدافه بنجاح ومن يروج الأكاذيب يحاول استغلالها لأهداف سياسية"    اتفاق مغربي إسباني لتعزيز شبكة السكك الحديدية استعدادًا لمونديال 2030    أخنوش ينوّه بمضمون الرسالة الملكية حول عدم القيام بشعيرة ذبح أضحية العيد    مدير المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بطنجة يؤكد أهمية ريادة الأعمال الاجتماعية والخضراء في تحقيق التنمية    إسرائيل تتسلم جثث 4 رهائن ضمن صفقة تبادل مع حماس    العثور على الممثل الأمريكي جين هاكمان وزوجته وكلبهما ميتين في منزلهما    العثور على الممثل جين هاكمان جثة هامدة في نيو مكسيكو    "حضن الفراشة" .. سلاح فتاك لمواجهة التوترات النفسية    مراوحة الميتافيزيقا عند نيتشه وهيدجر بين الانهاء والاكتمال    غاستون باشلار : إنشاد صامت    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    الجيش الأميركي سيطرد المتحولين جنسيا باستثناء من يحصل منهم على إعفاء    ترامب يؤكد أنه سيفرض رسوما جمركيا بقيمة 25% على السلع الأوروبية وبروكسل تهدد بالرد    الصين: شنغهاي تلتزم بحماية الملكية الفكرية للشركات الأجنبية    بنزاكور يقدم "عملاق من الريف"    أمير المؤمنين الملك محمد السادس يرفع الحرج على شعبه الوفي    اتحاد أيت ملول يواجه مولودية العيون في مواجهة مصيرية لتفادي المراكز المتأخرة … !    شبكة صحية تدعو إلى تكثيف الحملات التطعيمية ضد "بوحمرون"    بعد مليلية.. مخاوف من تسلل "بوحمرون" إلى سبتة    متى تحتاج حالات "النسيان" إلى القيام باستشارة الطبيب؟    دراسة علمية تكشف تفاصيل فيروس جديد لدى الخفافيش وخبير يطمئن المواطنين عبر "رسالة24"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يسري فوده يفضح تدخل المخابرات في توجيه شعب الفايسبوك
نشر في اليوم 24 يوم 14 - 08 - 2016

بين "التمرذل" و الحوار الجاد، يسري فوده يعرض في هذا المقال قصة ذات معنى في إطار محاولات السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا نص المقال:
عندما تدق الساعة التاسعة مساءً ينتهي دوام مجموعة كبيرة من الموظفين بعد أن قضوا اثنتي عشرة ساعة على مكاتبهم. يبدأ الآن دوام مجموعة أخرى في مبنى اختير بعناية كي لا يلفت النظر، ووضعت عليه لافتة تقول: "مركز الأعمال الوطني".
مئات من الموظفين يعملون هنا على مدار الساعة. مهمتهم: إغراق المنتديات الإليكترونية والمواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي بمئات الآلاف من التعليقات والمنتجات المفبركة التي تمتدح الرئيس وتشتم خصومه ومنتقديه وتفسد المناقشات الجادة وتجرح المؤدبين.
يتكون المبنى من أربعة طوابق، في كل طابق ست غرف، و في كل غرفة عشرون موظفًا يُشرف على عملهم ثلاثة "رؤساء تحرير". يحصل كل موظف على ما يعادل نحو 790 دولارًا كل شهر. لا توجد عقود موقعة بين الطرفين. فقط يُضطر الموظف قبل استلامه العمل إلى التوقيع على ورقة تدينه قانونيًّا إذا أفشى أي شيء له علاقة بطبيعة العمل. الموظفون كلهم من أصحاب الثقة و لكل منهم ملف أمني يحتوي على نقاط ضعف يمكن استغلالها إذا لزم الأمر.
يعيش الموظف حياةً مزدوجة بالمعنى الحرفي، و يُمنع من إخبار أي أحد في حياته الواقعية مثلما يُمنع من إضافة أي أحد يعرفه إلى حياته الإليكترونية على مدونته أو حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه كلها يتم إنشاؤها تحت أسماء وهمية. يخضع اختيار الاسم والصورة المصاحبة له لسيناريو محدد سلفًا يعيش الموظف في إطاره أثناء العمل ويتركه وراءه حين يغادر.
وكي تبدو شخصيته المختلَقة قابلة للتصديق يقوم الموظف بإضافة مشاهير وأناس عاديين طبيعيين يوجدون على قوائم "أصدقاء" لأشخاص مستهدفين كي يبدو لأول وهلة أن هناك "أصدقاء مشتركين". هكذا تبدأ شخصيته الوهمية في ضرب جذور لها في أرض "الفيرتشوال"، يعززها قيام الموظف من وقت لآخر بمداخلات عادية عن أمور عادية و روابط و صور وفيديوهات إنسانية أو مضحكة تتوافق مع شخصيته الوهمية. وما أن تبدأ عملية "الزرع" هذه في الاكتمال حتى يبدأ الموظف في الدخول تدريجيًّا إلى النشاط المتوقع منه.
هناك دائمًا من يساعده ويوجهه ويراقبه، وتتضمن لائحة العمل غير المكتوبة حق "رئيس التحرير" في توقيع غرامة على الموظف إذا تأخر هذا في أداء واجبه على الإنترنت، أو إذا لم يبلغ العدد المتوقع من المشاركات، أو إذا تكاسل عن "الإبداع" في الردود فاستسهل القص واللصق.
تُترك للموظف حرية صياغة المداخلات العادية – مداخلات ذر الرماد – بينما يوضع أمامه في بداية دوامه سيناريو محدد لدوره في المداخلات السياسية. هو الآن لا يعمل منفردًا؛ إذ ينقسم الموظفون إلى مجموعات تتكون كل منها عادةً من ثلاثة أفراد أو أربعة. يبدأ الموظف (أ)، على سبيل المثال، بكتابة مدونة أو بوست أو تغريدة عن موضوع حدده له "رئيس التحرير": "هو إيه الكلام الفاضي اللي بيقوله فلان الفلاني ده؟ هو مش هيرحمنا بقى؟" بعدها يدخل الموظف (ب): "يا عم دا شغل تع**ص. ماشفتش اللي قاله من سنتين في الموقف العلّاني". يقفز عندئذ الموظف (ج): "لاااا دا مش تع**ص .. دي خيانة واضحة زي الشمس تستاهل الإعدام". و يختتم الموظف (د): "يا جماعة انتو بتتكلموا عن إيه؟ الشعب كاشفهم كلهم سيبكو منهم".
لا يقيس "رئيس التحرير" نجاحه بهذه المداخلات؛ فهو يعرف أنها تمثيلية. نجاحه يبدأ حين يرى أول تعليق من "مواطن شريف" متأثرًا بالمزاج العام الذي سيطر على التعليقات الأولى التي مهدت الطريق. هنا يستطيع قياس حجم "الجيش المتخرفن" الذي يتفاوت كثيرًا في دوافعه بين الجهل وضيق الأفق والأنانية والمصلحة وحب الظهور وغيرها. يندهش العابرون الذين يحملون وجهة نظر مختلفة، ويصاب بعضهم بالكمد، ويفكرون أكثر من مرة في عواقب الدخول بتعليق مغاير وسط هؤلاء. ومن ثم يحلو لسيادة "رئيس التحرير" أن يتخيل أنه يستطيع أن يحول فيسبوك إلى "دائرة مغلقة بكتيبتين".
هذا، باختصار ملخص (بتصرف) لاعترافات عدد من هؤلاء الموظفين، نشرتها جريدة الغارديان البريطانية
العام الماضي. من المبنى رقم 55 في شارع سافوشكينا في مدينة سان بطرسبيرغ، يقود الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حربه الإليكترونية على مواطنيه ومواطني الدول الأخرى لتوجيه دفة الرأي العام. المركز، بهذا المعنى، مؤهل إلى حد بعيد لتقديم دورات تدريبية متقدمة للمهتمين.
هذا النوع من النشاط على الإنترنت اسمه بالإنجليزية Trolling، وهو مصطلح لم تستطع لغتنا – على ثرائها – استيعابه بعد. وإلى أن يفتينا مجمع اللغة العربية سأستخدم أنا كلمة "التمرذل". فرغم أن المعنى الحرفي لهذا المصطلح في القواميس الإنجليزية هو "الصيد عن طريق تتبع خيط ينتهي بطُعم خلف قارب صيد"، فإن ما يحدث في عالمنا نحن يتعدى هذا إلى ما يقترب في العامية المصرية من "رزالة" على خلق الله، أحيانًا هكذا "لوجه الله"، وأحيانًا بصورة مدروسة ممنهجة تهدف إلى إفساد المجال العام وتشويه الصورة وإرهاب الناس. في معجم المعاني الجامع: رَذِل يرذَل رذالةً أي كان رذيلًا حقيرًا نذْلًا، والثوب الرذْل هو الوسخ الردئ، ورذَّل الشيء أي جعله رذيلًا، حقّره وحطّ من شأنه. ومن ثم فإن "التمرذل" هو محاولة أن تكون كذلك. ربما يكون البعض "موهوبًا" في هذا، و ربما يكون مصطنعًا.
الحوار الهادئ المحترم بشأن أي شيء مهما اختلفت وجهات النظر شرط من شروط الصحة والعافية لأي مجتمع. البعض يدرك هذا، و البعض يأخذه التعصب، والبعض الآخر لا يريد له أصلًا أن يكون موجودًا فيعمد إلى إفساده. النوعان الثاني و الثالث ينطبق عليهما وصف "متمرذل" لكنّ لكل منهما دائرة مختلفة. ومن المهم أن يكون المرء على وعي بأن اختلافًا في الرأي أو في الموقف لا يعني بالضرورة "تمرذلًا"، فسوى هذا استسهال لإلقاء اللوم على الآخرين بدل التفكر في الآراء و المواقف. و من ثم سيكون اختبارًا جيدًا، حتى موعد المقال القادم، أن تخمن من بين التعليقات على هذا المقال من هو "المتمرذل" ومن يريد حقًا أن يشارك في حوار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.