كشف العدد الأول من مجلة «الجذوة» الذي أصدرها المجلس العلمي عن دراسة علمية أنجزها عضو المجلس محمد الروكي، وحملت القول بتحريم استثمار الأموال في الشركات التي تودع جزءا من أموالها «في الأبناك بالفوائد الربوية». مع مواصلة الأجهزة الرسمية المشرفة على الشأن الديني مدِّ أذرعها وتقوية شبكتها المحيطة بكل مظاهر التديّن، بات «الانفصام» الحاصل في الخطاب الرسمي بين المؤسسات التنفيذية والتشريعية، وتلك المتخصصة في الشأن الديني، أكثربروزا. فبعد فتوى قتل المرتد التي أصدرها المجلس العلمي الأعلى، كشف العدد الأول من مجلة «الجذوة» الذي أصدره المجلس مؤخرا، عن مظهر آخر من مظاهر الانفصام بين السياسات المتبعة من طرف الدولة، والخطاب الذي تتبناه المؤسسة الدينية. المجلة تضمّنت دراسة علمية أنجزها عضو المجلس محمد الروكي، وحملت القول بتحريم استثمار الأموال في الشركات التي تودع جزءا من أموالها «في الأبناك بالفوائد الربوية». رأي قال أستاذ الاقتصاد عثمان كاير، إنه يعكس احتفاظ بعض المؤسسات الدينية التقليدية بمفاهيم باتت متجاوزة. «فمفاهيم الحلال والحرام والربا باتت متجاوزة في المجال الاقتصادي، واستعمالها يتم في أغلب الأحيان رفقة خلط كبير بين الربا والفائدة». وأضاف كاير أن الفائدة هي مجرّد «مقابل يُدفع بعد كراء رأسمال معيّن، يقدّمه شخص له فائض في السيولة لشخص آخر له نقص فيها. وبالتالي لا يمكن كراء المال بدون منح صاحبه تعويضا. وهذا التعامل بواسطة الفائدة يحمل جانبا تحفيزيا على تنمية المال وخلق المردودية». في المقابل، يضيف كاير، الربا هي «تعويض تعسّفي ومبالغ فيه عن رأسمال مقترض، وبالتالي هي محرّمة اقتصاديا وعقلانيا قبل أن تكون كذلك دينيا». وذهب كاير إلى أن الربا المحرّمة اقتصاديا هي التي تفوق نسبة الفائدة فيها المعدل المعقول للمردودية الاقتصادية، «وهو ما أدى إلى الأزمة المالية في عدة دول، أي حين تضخّمت معدلات الفائدة بشكل يفوق المردودية العقلانية للاقتصاد، وبالتالي، فإن الحديث عن تحريم الاستثمار في شركات تودع أموالها في الأبناك المسامة «ربوية» لا يمت بصلة للواقع ولمتطلبات تطور المجتمعات، وإذا اتبعنا المنطق نفسه، فحتى ميزانية الدولة تصبح مشبوهة لأن جزءا من مداخلها يتأتى من ضرائب استهلاك الخمور». الدراسة المفصّلة والتي حرص صاحبها على تذييلها بأكثر من 50 مرجعا كهوامش لمضامينها الفقهية، أصّلت لقاعدة تغليب الحكم بالتحريم في حال اجتماع الحلال والحرام في أمر من الأمور. وأوضحت الدراسة أنه كلما اختلط الحلال بالحرام، وجب تغليب حكم التحريم لما يصبح في الأمر من شبهات. وسرد الروكي عدة تطبيقات لهذه القاعدة، أبرزها تحريم الاستثمار في الشركات التي تودع أموالها في «البنوك الربوية»، وعدم جواز شراء أسهم من شركة «تتاجر في مواد نصفها حرام، ونصفها حلال، تغليبا للحرام على الحلال»، وإذا كان للمسجد منارة تطل على الدور المجاورة «لم يجز للمؤذن أن يصعد فيها ويرقى عليها، لما في ذلك من الاطلاع على حرمة الناس وهو محظور». محمد الروكي قال إن الحرام والحلال إذ ا اجتمعا معا، أي اختلطا، أخذ الجميع حكم التحريم. وأوضح أن هذا الاختلاط به صور متعددة، أولاها أن يجتمعا في شيء واحد، «والأحوط حينئذ، تغليب التحريم على الحِل، وهذا مما تدل عليه القاعدة. ومثل ذلك: أن تتعارض عند الفقيه في شيء أدلّة تحريمه مع أدلة حِلِّه، فيكون الأحوط هو تغليب جانب التحريم». أما الصورة الثانية فهي أن «يجتمعا في شيئين، بأن يختلط شيء حرام بشيء حلال، كاختلاط لحم مذكاة بلحم ميتة، فتغلب الحرمة على الحِل أيضا، خشية الوقوع في الحرام»، واشترط الروكي في هذه الحالة وجود الاشتباه وتعذر التمييز بين الحلال والحرام، وألا يكون الحرام قليلا.