يبدو من بلاغ وزيري الداخلية والمالية، أن الاستفادة من قطعة أرضية شاسعة بثمن رمزي في حي راق، رهينة ب "خدمة" الدولة. فخدام الدولة لهم كامل الحق في الاستفادة من امتيازات ليس أقلها بقعة تفوق مساحتها 3000 متر مربع في قلب أرقى أحياء عاصمة المملكة، وبثمن لا يتعدى 350 درهما للمتر الواحد، و"عين الحسود فيها عود"، وكل توظيف سياسي أو نقد إعلامي لحق مكتسب من حقوق "خدام الدولة" ممنوع. وإذا أردت أخذ فكرة عن مقصود الدولة بخدامها، فما عليك إلا التمعن في أسماء المستفيدين من "تجزئة خدام الدولة".. جري أغلب النخب وبمختلف تلاوينها وراء مراكمة المال والجاه والمكانة والسلطة والنفوذ بطرق مشبوهة وغير نظيفة معلومة لا تحمل جديدا، سواء بالنسبة إلى الباحث المختص أو للمواطن العادي الذي تصله يوميا أصداء الصفقات والتفويتات وحرب المناصب وعمليات "باك صاحبي" واسعة النطاق التي تنخرط فيها جل تلك النخب. المغربي يعرف، أيضا، أن الدولة تُكرّم خدامها وتُغدق عليهم بالأنعم والخيرات والإقامات الفخمة وسيارات الخدمة آخر "موديل" والسفريات والخدم والحشم. ويعلم أن ذلك يتم في إطار القانون، أي أن الدولة تغدق على الولاة والعمال والسفراء والموظفين السامين والبرلمانيين والوزراء وغيرهم عبر تلك التعويضات المسطرة في القانون الخاص بكل هيئة. المتغير اليوم، هو أن هذه المعرفة لم تعد محل ترحاب وتسليم من طرف الجميع. وهو ما يظهر أن وزيرينا في الداخلية والمالية لا يستوعبانه جيدا، بدفعهما بحجة وجود مرسوم يؤطر شروط اقتناء القطع الأرضية التابعة لتجزئة المحظوظين. اليوم، هناك جيل جديد مسلح بالعلم وإمكانات التكنولوجيا وحساسية عالية ضد نفاق النخب، يرى أن الفساد فساد، سواء تم عبر القانون أو خارج القانون، سواء أكان المتورط فيه إسلاميا أو يساريا أو مخزنيا أو كان من كان. رأي عام لا يمكن أن يستسيغ وجود، إلى جنب كل تلك الامتيازات التي يتمتع بها "خدام الدولة" عبر قوانين لا يكل من تنظيم الحملات والعرائض لإسقاطها، نصوص أخرى احتياطية شبه "مؤطرة" تمنح بدورها امتيازات وريع وإكراميات إضافية. لنتذكر أن فضيحة "أوراق بنما" أسقطت قادة سياسيين وشخصيات مهمة من مناصبها في لمح البصر، رغم أن ترحيل الأموال لجزر الكاريبي كان يتم عبر مكتب استشارة قانونية، أي مكتب مهمته تلافي أي ثغرة قانونية قد تقود إلى متابعة موكليه /"مهربي الأموال" بتهم ثقيلة، لكن رغم ذلك سقطوا، لأن قانونية المعاملات لا تعني سلامتها الأخلاقية، ولا تنفع حجة أمام رأي عام يقظ وغاضب ولا يقدس القانون عندما يشعر أنه تحول إلى قناة لتصريف الريع والخديعة. أما القول بأن الأرض مخصصة لموظفي وخدام الدولة، فالأستاذ الذي يدرس أبناء المغاربة في قمم الجبال، يخدم الدولة، والجندي الذي يرابط على الحدود يخدم الدولة، والأم التي تشتغل في الحقول والبيوت من أجل تدريس وتربية أيتامها، تخدم الدولة، والعون الذي ينظم حركة الناس ويمسك ملفاتهم ويدخلها للباشا أو القائد بمدينة أو قرية بعيدة يخدم الدولة، والعامل الذي يشق الأرض لتمر منها طريق، يخدم الدولة..فهل سيظهر في المقبل من الأيام واحد من هؤلاء على لائحة المستفيدين؟ أم إن هؤلاء ليسوا من خدام الدولة؟