انتهى زمن التلميحات والقراءات والاستنتاجات، وشدّ الحبل بين أول رئيس حكومة منتخب في ظل الدستور الجديد، وأطراف داخل محيط القص أصبح يجري تحت أشعة الشمس وفي واضحة النهار. مجلة "جون أفريك" التي تصدر من فرنسا وتستقي أخبارها من مصادر قريبة من البلاط، ادعت قبل يومين أن أحد تلك المصادر باح لها بوجود غضب ملكي غير مسبوق على رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران. هذا الأخير بدوره لم يبذل جهدا كبيرا في الأسابيع الأخيرة لإخفاء انزعاجه الشديد مما يجري في الكواليس، ويبدو أنه لا يصب في اتجاه استمرار خطّ الاحتكام لرأي صناديق الاقتراع . زعيم حزب العدالة والتنمية خرج في جلسات ليلية رمضانية ليقول بشكل علني إن في المغرب دولتان، واحدة يرأسها الملك محمد السادس وأخرى مجهولة الرأس والامتدادات. وفوق كل ذلك، قاطع مؤتمرا دوليا انعقد بداية الأسبوع الحالي في سياق التحضيرات الجارية لتنظيم المملكة قمة المناخ العالمية، كوب22، وفسّر ذلك بتلقيه الدعوة من رئيس جهة الشمال، غريمه السياسي الأول إلياس العماري. فيما انتقده خصومه بسبب حضور الأمير مولاي رشيد وتلاوة رسالة ملكية في مؤتمر "ميدكوب". فهل حانت ساعة القطع مع خمس سنوات من التعايش الهش؟ هل حان وقت إغلاق قوس فتحه الربيع العربي، وجعل فاعلا حزبيا يسارع إلى قطف ثمار أول إقرار دستوري بمنح صلاحيات حكومية على أساس الشرعية الانتخابية؟ أم أن شبح الصراع بين السلطة والإسلاميين عاد ليطلّ برأسه من جديد على المغرب الذي بات يقدم نموذجا استثنائيا في إدماج هذا التيار السياسي؟ المحلل السياسي المخضرم مصطفى السحيمي قال إن السؤال الأول الذي ينبغي طرحه هو هل فعلا يتعلق الأمر بمصدر قريب من القصر كمال زعمت ذلك جون أفريك؟ "ففي الممارسة الصحافية منذ سنوات، أصبحنا نعطي قيمة كبيرة للمصادر المجهولة. والمؤسسات أو الأشخاص المنسوب إليهم لا يلجؤون في الغالب إلى استعمال حقهم في التصحيح أو الرد. فكيف يمكن التأكد من صحة المعطيات المنسوبة إليهم بهذه الطريقة؟ الأمر معقد". السحيمي أضاف أن "الفاعلين قد يسمحون بترويج هذه الادعاءات لأنها تخدمهم. كما يمكنهم أن يتحدثوا في ال"أوف" (أي دون الإدلاء بتصريحات) دون أن يجهلوا أن حديثهم قد ينشر. وهي طريقة في نشر معلومة معينة، وأحيانا لاختبار ردود فعل الرأي العام أو توجيه رسالة أولية موجهة إلى مستقبل معين". السحيمي قال إنه شخصيا يعتقد أن الملك بالفعل في حالة انزعاج وعدم رضا. "فهل الحديث عن وجود دولتين ومهاجمة وزير الداخلية والتهديد بمقاطعة انتخابات 7 أكتوبر أمور يمكن قبولها وعدم القيام بردود فعل عليها؟ لا أعتقد ذلك. فالسلطات العليا للملك هي التي يجري إثارتها بشكل أو بآخر، إضافة إلى مصداقية المؤسسات الحالية، أي أننا لم نعد نقف عند الخطوط الصفراء، بل اقتربنا من الخطوط الحمراء". "لا أعتقد أن للملكية مصلحة في تغيير الوضع الحالي، دون حاجة للتذكير بأن هذا الأمر لم يعد سهلا كما كان في السابق. فالناخبون في المدن لن يسمحوا بالتلاعب بهم مجددا"، يقول العالم السوسيولوجي الذي احترف تفكيك البنيات العميقة للنظامين السياسي والاجتماعي بالمغرب، محمد الناجي (انظر نص الحوار ضمن الملف)، فيما يرى الباحث الشاب في معهد "كارينجي"، محمد مصباح، أن علاقة حزب العدالة والتنمية مع الدولة والقصر لم تصل بعد إلى مرحلة التطبيع الشامل "وهذا يرجع إلى سببين: أولا فشل الدولة في ترويض البيجيدي بشكل كامل وخوفها أيضا من اكتساحه للانتخابات المقبلة وهو ما قد يؤدي إلى خلخلة قواعد اللعب التي حددها النظام" (انظر نص الحورا ضمن الملف الحوار). تفاصيل أكثر في عدد نهاية الأسبوع من جريدة أخبار اليوم