انضم الفقيه المقاصدي، أحمد الريسوني، إلى حملة إسقاط الفصل 222 من القانون الجنائي، الذي يجرم الإفطار العلني في رمضان، وقال الريسوني، في ندوة علمية في الدوحة: «أجد نفسي مع هؤلاء المطالبين بإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي، ولو أن نيتهم غير نيتي، وقصدهم غير قصدي. إن القانون الجنائي لا ينبغي أن يتدخل في الصوم… لماذا نأخذ المفطر العلني في رمضان إلى مركز الشرطة ونحقق معه ونرسله إلى النيابة العامة؟ لماذا هذا العناء غير المجدي؟ الناس يحالون على بواطنهم، ثم يأتي بعد ذلك المجتمع». كيف التقى فقيه مقاصدي ينتمي إلى حركة إسلامية «أصولية» تحمل على عاتقها نشر التدين في المجتمع، مع حركات حقوقية ومدنية علمانية تحمل على كتفها إبعاد الدين عن المجال العام، وإخراج الدولة من مهمة تطبيق أحكام الشريعة؟ الذي جعل الاثنين يلتقيان، على ما بينهما من تباعد وتناقض، هو الحرية التي أصبحت قيمة كونية مقدسة. لو كان الريسوني قد أفتى بعدم جواز إسقاط الفصل 222 من القانون الجنائي، وتعزيز رقابة النيابة العامة على مظاهر التدين في الشارع العام، لنزلت فوق رأسه العصي والمعاول، باعتباره ينظر للدولة الدينية التي تعادي الحريات الفردية، وتجر البلاد إلى القرون الوسطى، أما وأنه قد انحاز إلى الرأي الداعي إلى إخراج القانون الجنائي من شعائر الدين التي محلها القلب والقناعة، فإن رأيه لم يلفت انتباه بعض أدعياء الحداثة الذين اعتادوا الصيد في البرك الآسنة. الناشط الحقوقي فواد عبد المومني انتبه إلى رأي الريسوني المتقدم في المعسكر الإسلامي، الذي يتصور أغلب جنوده أن الدين يحتاج إلى السلطة، وأن الإيمان يحتاج إلى قانون التجريم والعقاب، فقال عبد المومني: «أحيي هذا الموقف وأرحب به، وأنا أظن أن رأي الريسوني جزء من تطور المجتمع المغربي نحو مزيد من الانفتاح على الآخر، وقبول الاختلاف، والاعتراف بالحريات الفردية. ليس مطلوبا منا الاتفاق حول المرجعيات، ولكن المطلوب هو الاتفاق حول الآليات التي تضمن الحريات». يعتقد الكثيرون أن تجريم الإفطار العلني في رمضان، والحكم على من يشرب أو يأكل في السوق أو المطعم أو الشارع بستة أشهر حبسا وغرامة مالية، أن هذه العقوبات من مقتضيات الدين والشريعة الإسلامية، وهذا خطأ شائع، فليس في الشريعة ولا في كتب الفقه والنوازل عقوبة سجنية للمفطر في السر أو العلن، إذ المتعارف عليه بين الفقهاء، مع وجود اختلافات كثيرة بين المذاهب، أن النصوص الدينية توجب كفارة على المفطر عمدا في رمضان عبارة عن صوم ستين يوما، أو إطعام ستين مسكينا، أو عتق رقبة، ولا دخل للدولة في تطبيق هذه الكفارة التي تبقى بين العبد وربه. الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي قانون وضعي خالص لا علاقة له بالإسلام، كما يعتقد الكثير من الناس، بل إن الاستعمار الفرنسي هو الذي أدخله مع القانون الجنائي أيام الحماية حرصا على الشعور الديني للأهالي، وهو قانون كان موجها إلى الفرنسيين أساسا الذين كانوا يختلطون بالمغاربة المسلمين، الذين لم يكن جلهم قد رأى مسيحيا في حياته، وهذا لا يعني أن المقيم العام الفرنسي كان رجلا متدينا أو حريصا على إسلام المغاربة، بل كان ثعلبا ماكرا يحرص على عدم استفزاز ضحاياه حتى يسرقهم «بالفن»، وينهب خيراتهم بأشكال ناعمة، فمادامت مظاهر التدين لا تناقض أهداف الاستعمار فإنه يصونها ويوقرها، بل ويعاقب من يمسها. المشكل أنه لما جاء المشرع المغربي زمن الاستقلال أبقى على هذه العقوبة الحبسية بطريقة يقول عنها البعض إنها بليدة، لأنها استنسخت قوانين الاستعمار بدون إعمال للفكر والعقل، ويقول البعض عنها إنها متعمدة من أجل فرض سطوة الدولة على الفرد، وجعل القانون الجنائي أداة من أدوات مراقبة المجتمع وتطويقه بالسلطوية. رأي الريسوني المتقدم إزاء الحريات الفردية مؤشر على أن الإسلاميين يجرون مراجعات فكرية وإيديولوجية هادئة تقربهم من قيم حقوق الإنسان العالمية وروح مواثيقها، وهذا الأمر ما كان ليتم لو ظل الإسلاميون في السجون أو المنافي، أو مقصيين في قاع المجتمع ينتجون ثقافة الاحتجاج وفقه التشدد. إحدى فضائل المشاركة السياسية واللعبة الديمقراطية أنها تدفع المشاركين إلى الاعتدال والانفتاح والقبول بالآخر، ومغادرة فقه إرهاق الناس، والتخلص من الخوف المرضي على الدين.