أشفقت على السيد عادل بنحمزة، البرلماني الاستقلالي، وهو يرد على ما كتبته عن حميد شباط.. أشفقت عليه مرة لأنه كتب من بيروت وليس من الرباط للرد، وتكبد، مع عناء السفر، تعب الرد، وتحرير ثلاث حلقات مخصصة لافتتاحية واحدة، وأشفقت على السي عادل، ثانيا، لأنه رد على 500 كلمة كتبتها حول نقطة واحدة (وهي إنقاذ شباط لرأسه وإطاحته برأس الحزب)، بكتابة أكثر من 4000 كلمة، وكأنه يتوسل بالكم لإخفاء ضحالة الكيف، وأشفقت عليه، ثالثا، لأنه نصب نفسه محاميا في قضية خاسرة، يدافع عن سياسة شباط وقراراته الخاطئة بعدما اعترف «المتهم» بالمنسوب إليه، وقرر التوبة العلنية عما اقترفه من أخطاء في تدبير مرحلة صعبة بطريقة كارثية، وفي ممارسة معارضة بهلوانية، وفي تجاوز تقاليد العمل السياسي وأخلاقياته. يؤاخذني الدكتور عادل بأنني لم أقدم تحليلا في افتتاحية «شباط أنقذ رأسه وأطاح برأس الحزب»، وأن ما كتبته هو مجرد موقف، وهذه تهمة لا أنفيها، فالافتتاحيات موجودة في الصحافة منذ 200 سنة لتسجيل المواقف وليس لتقديم التحليلات، وتبقى مصداقية كل كاتب في طريقة إقناع قرائه بصواب موقفه، أما التحليلات فمكانها في جنس صحافي آخر، أو في مختبرات تحليل السياسات العمومية في الجامعات ومراكز البحث. ثم ينتقل البرلماني عن حزب الاستقلال، المقرب من الأمين العام للحزب، لإعطائي دروسا في الموضوعية، وعدم الخلط بين التعاطف الشخصي مع حزب معين والكتابة عن حزب آخر، وأنا أقبل هذه الدروس بصدر رحب، لكني أسأل أخانا الاستقلالي: «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم»؟ هل أنت موضوعي في الدفاع عن شباط وأنت محسوب على حوارييه، حتى لا أقول انكشاريته؟ الدكتور عادل بنحمزة لم يكتف بالرد على رأي برأي وموقف بموقف وهذا حقه، بل صعد درجة أكبر، وصار أستاذا في مادة الصحافة وخطوط تحرير الجرائد، وكتب بقلم أحمر أن ما يؤاخذ به عدد كبير من القراء كاتب هذه السطور هو تعاطفه مع بنكيران وحزبه، وهذا ما يمس بمهنيته ومهنية «أخبار اليوم». مرة أخرى، أنا راض بحكم السيد بنحمزة وبنتائج استطلاعات الرأي التي قام بها ليعرف رأي الجمهور في ما أكتبه، وهو الذي يسخر قلمه للدفاع عن زعيمه في جريدة تعرف نفسها بكونها «لسان حزب الاستقلال»، رافعا راية «الذئب حلال علينا حرام عليكم». يا سيادة البرلماني المحترم، إن ما كتبناه في هذه الجريدة من نقد موضوعي لسياسات بنكيران وقراراته وقوانينه وما فعل وما لم يفعل، لم يخرج من حزبك وهو في المعارضة، ولا من فريقك بالبرلمان وهو في منزلة بين المنزلتين، لكني أعترف بأني لم أصل إلى درجة اتهام بنكيران بالعضوية في تنظيم داعش، ولا بحمله بطاقة الموساد كما فعل زعيمك. هذه جرأة لم أصل إليها، كما لم أصل إلى درجة استدعاء الحمير -أعزك الله- للوقوف معي في هذه الزاوية، كما فعل شباط حيث أحضر حمارا إلى تظاهرة بهلوانية، وكتب فوق رأس الدابة الوديعة: «عبد الإله بنكيران»، فأساء إلى الاثنين دون أن يرف له جفن. هناك حيلة معروفة عند السياسيين في الرد على مخالفيهم عندما تخونهم الحجة ويتخلى عنهم المنطق، هذه الحيلة هي مهاجمة الشخص عوض الرد على الموضوع، وهذا سلوك سببه في الغالب العجز عن المرافعة في الموضوع والرغبة في الهروب إلى الأمام. موضوعنا كان هو تشخيص عطب حزب الاستقلال الذي تبع زعيمه إلى حافة الهاوية، ولما اكتشف خطأه وسوء تقديره في شتنبر الماضي، حيث تحول الحزب العريق للبرجوازية المغربية إلى حزب قروي يتبع البام، لم يحاسب الحزب زعيمه، ولا طالبه بأداء كلفة اختياراته، بل تداعى الجميع إلى الصراخ ولطم الخدود بالحديث عن مؤامرة خارجية تستهدف الزعيم، والنتيجة أن شباط نجا من المحاسبة، لكن الحزب أدى فاتورة غالية، والزمن بيننا. يقول المثل: "ينتعش الكذب في ثلاث مناسبات؛ قبل الزواج، وأثناء الانتخابات، وبعد رحلة صيد فاشلة"… أظن أن السيد عادل دخل إلى سوق الانتخابات مبكرا وليس في يده من سلاح للدفاع عن الزعيم سوى اتهام من يقول الحقيقة للسياسيين بالكذب، ومهاجمة من يتذكر ويذكر. قبل 14 شهرا، وقبل انتخابات شتنبر الماضي التي تعرض خلالها شباط لانتكاسة كبيرة، كتبت في هذه الزاوية عن دردشة مع قيادي في حزب الاستقلال، عضو في اللجنة التنفيذية، عن مآل الحزب مع شباط، فسألته: «هل أنت راضٍ عن الصورة التي يسوقها شباط عن حزب الاستقلال اليوم؟»، أجاب بدون تردد: «لا»، ثم عاودت سؤاله: «إذن، لماذا تسكتون ولا تعبرون عن رأيكم صراحة، خاصة الأطر من بينكم؟»، فرد علي بصراحة طالبا عدم ذكر اسمه تلافيا للإحراج: «إذا عبرنا عن اختلافنا مع شباط سنضر الحزب الآن، خاصة ونحن على أبواب الانتخابات، لهذا نحاول، بالتي هي أحسن، أن نتحدث مع شباط لإصلاح ما يمكن إصلاحه في أسلوبه الشعبي والاستفزازي أحيانا، لكن لا تنس أنه منتخب ديمقراطيا، ولا تنس أن أسلوب شباط، الذي لا يعجب المثقفين، يلقى استحسانا لدى فئات أخرى من الشعب»، قلت لصاحبنا: «هي الشعبوية إذن؟»، قال: «نعم، للأسف، هذا هو الموجود الآن، عباس الفاسي أهلك الحزب، ومن أجل إعادة بنائه نحن مضطرون إلى غض الطرف عن انزلاقات شباط، لأنه يجمع الناس، ثم لا تنس أن بنكيران هو أيضاً شعبوي كبير، والذين أيدوا شباط كانوا مدفوعين بفكرة خلق زعامة مقابل زعامة بنكيران»، ثم عرجت على موضوع آخر وسألت القيادي الاستقلالي: «هل كنت موافقا على قرار الخروج من الحكومة؟»، قال: «لا»، قلت: «هل فعلا أخطأ شباط في الحساب عندما تصور أن الخريف العربي سيجرف بنكيران كما جرف مرسي في مصر، وأن شباط قام بقراءة خاطئة عندما خرج من الحكومة، متوهما أنه يقدم خدمة للسلطة ويسهل عليها طي صفحة بنكيران؟»، رد، دون أخذ وقت للتفكير: «للأسف، ما تقوله صحيح، شباط أخطأ في قراءة الوضع، وخروجنا من الحكومة كان خطأ. لقد كنا مؤثرين في الحكومة من خلال وزارة المالية ورئاسة مجلس النواب ووزارة التعليم وغيرها من المناصب، ووزراؤنا لم يكن لديهم مشكل مع بنكيران كشخص». هذه دردشة مع زميل لك في اللجنة التنفيذية، ولو سمح لي بالإفصاح عن اسمه لفعلت، وأنت تعرف يا دكتور أن هذا التقييم السياسي موجود داخل اللجنة التنفيذية للحزب اليوم، وقاله قياديون معروفون في حزبكم، فلماذا تثير الغيوم في يوم صيفي مشمس؟ وما الدافع إلى اتهامي بالكذب واتباع نهج غوبلز النازي، هذه خفة قلم لا تستحق الرد حتى لا ننزل إلى ما تحت معدل النقاش الحضاري، لكن انتبه يا دكتور، فغوبلز، على بشاعة ما كان يقوم به في الرايخ الثالث، كان يتمتع بذكاء كبير وموهبة لامعة.