في خضم حفل التأبين الإستثنائي للراحل نيلسون ماندلا؛ الذي أقيم في ملعب ضمّ حوالي 90.000 من المشيعين، كان بينهم أكثر من 90 شخصية لقادة ورؤساء الحكومات أثار مشهد اهتمام العالم، حيث تحرّك الرئيس أوباما ليحيّي ''ديلما روسيف'' رئيسة البرازيل، وأثناء طريقه، قام بمصافحة الشخص الذي كان واقفا إلى يمين ''روسيف''، وهي صورة المصافحة التي انتشرت عبر بقاع العالم، وكما هو مفهوم، فالرجل الذي قام أوباما بمصافحته كان هو ''راوول كاسترو'' رئيس دولة كوبا.
نحن نعلم أن الولاياتالمتحدة ليست على علاقات دبلوماسية مع كوبا، كما أننا نعلم أنها تفرض حصارا تجاريا ضيّقا ضدّ الشعب الكوبي، ولهذا تساءل كثيرون عما إذا كانت هذه المصافحة هي بداية تحوّل سياسيّ كبير بين البلدين.
نحن نأمل ذلك، ولكن دعونا نبدء بالتساؤل أوّلا عمّا إذا كانت السياسة الراهنة، التي تتصرّف بها الولاياتالمتحدة مع كوبا، تعمل بشكل جيّد. في سنة 1960 قامت الولاياتالمتحدة بفرض حصار على كوبا، كان الغرض من ورائه بسيطا و واضحا وهو : تغيير النظام في كوبا. فهل عملت هذه السياسة بشكل جيّد ؟
حسنا، إلى حدود استقالته من منصبه الرئاسي سنة 2008، شغل ''فيديل كاسترو'' أطول خدمة في العالم في منصبه كرئيس دولة .وبالتأكيد يشكّل هذا دليلا قاطعا على أن تلك السياسة التي نهجتها الولاياتالمتحدة مع كوبا لم ولن تكون ناجحة أبدا .
يرجع الكساد الإقتصادي الكوبيّ في الحقيقة بشكل كامل إلى سياسات كوبا نفسها، فقد جمع نظام ''كاسترو'' بين القمع السياسي وممارسة سياسات اقتصادية شيوعية كانت نتيجتها متوقّعة وهي : الفشل والركود الكاملين. ولكنه بعد ذلك بدأت الأمور تتغيّر في كوبا، حيث أخذت الحكومة في تجريب فتح عناصر اقتصادية جديدة، فحسب بعض التقديرات يتشكّل الإقتصاد الكوبي الآن من 20 بالمائة من القطاع الخاص.
إنّ أفضل مسار تقدّميّ قد تسلكه واشنطن في تعاملها مع كوبا، هو ذاك الذي أوصى به العديد من الخبراء، انطلاقا من ''خورخي كستنيدا''، وزير الخارجية المكسيكي السابق لمنظمة ''هيومن رايس واتش'' . على الولاياتالمتحدة أن تغيّر من سياسة تغيير النظام الكوبي؛ والتي لم تنجح قط؛ واستبدالها بتشجيع الإصلاح و حقوق الإنسان بشكل قوي. كما أنه ينبغي على الرئيس أوباما أن يقدّم سلسلة من الخطوات التي من شأنها وأن تخفّف من وتيرة القيود التجارية عن كوبا، ولكن بشرط أن تتقابل مع اصلاحات سياسية و اقتصادية حقيقية في كوبا . فليعلم الشعب الكوبي إذن أن الولاياتالمتحدة ستكون مستعدّة لتخفيف الحصار، إن أطلقت الحكومة الكوبية سراح جميع السجناء السياسيين المحتجزين بالبلاد.
كما أنه ينبغي للأمريكيين أن يكونوا أكثر إيمانا بقوّة الأسواق والتجارة، الشيء الذي من شأنه أن يلتهم الديكتاتورية الكوبية، كما يتوجّب عليهم تعزيز المجتمع المدنيّ الكوبي، بما في ذلك الأعمال التجارية التي تخضع للقطاع الخاص، مما سيغيّر من طابع البلاد .
لقد طبّقت الولاياتالمتحدة العقوبات و الحصار و العزلة على كوبا لأكثر من خمس عقود وأتت بنتائج سيّئة، فلماذا إذن لا نجرّب الرأسمالية فقط لخمس سنوات ؟