في مبادرة غير مسبوقة من نوعها، يفتح المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أحد أكثر ملفات مراكز الاعتقال السري والتعذيب والاغتيال حساسية في تاريخ المغرب، وهو المعتقل المعروف ب»دار بريشة» الموجود قرب مدينة تطوان. حساسيةُ الموقع تعود إلى ارتباطه بالصراعات السياسية التي تلت الاستقلال، وإشارة العديد من أصابع الاتهام إلى وقوف محسوبين على حزب الاستقلال، على تحويل هذه الدار إلى مركز لاحتجاز وتعذيب الخصوم السياسيين، وفي مقدمتهم أعضاء حزب الشورى والاستقلال. وإلى جانب الأستاذ المتخصص في التاريخ والمخطوطات بجامعة تطوان، مصطفى الغاشي، تستضيف الندوة المؤرخ معروف الدفالي الأستاذ بجامعة عين الشق بالدارالبيضاء، والمعروف بدفاعه القوي عن أطروحة تورّط حزب الاستقلال في الانتهاكات التي عرفها هذا المعتقل، أن علاقة حزب الميزان بهذا المعتقل ثابتة. رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إدريس اليزمي، انتقل شخصيا إلى شمال المملكة، حيث سيترأس بعد زوال اليوم الخميس بدار الثقافة بتطوان، ندوة تحت شعار «المعتقل السري دار بريشة جزء من المشروع الوطني لحفظ الذاكرة»، من تنظيم اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بطنجة، التابعة للمجلس. مصدر من المجلس قال إن تنظيم هذه الندوة يأتي في إطار تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، «خاصة تلك المتعلقة بتحويل أماكن الاعتقال التي وشمت الذاكرة الفردية والجماعية بحكايات مؤلمة ارتبطت بالتعذيب والاغتيال، إلى فضاءات تحفظ فيها الذاكرة سعيا إلى تحقيق الإنصاف والمصالحة المنشودين». التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة، كان قد قال إن المعلومات التي حصلت عليها الهيئة تُفيد أن الأشخاص الذين تم احتجازهم بهذه الدار «كانوا يعملون في أسلاك التعليم، أو يشتغلون بالكتابة والفكر والسياسة والثقافة والدين، أو مقاومين أو أعضاء ضمن جيش التحرير، أو عناصر من الحزب الشيوعي المغربي وحزب الشورى والاستقلال، والأحرار المستقلين، ومنظمة الهلال الأسود، أو مواطنين بدون انتماء سياسي ثابت». من جانبه، أصدر المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب الكتاب الأول، والتابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، تحدّث فيه عن الصراعات «الشرسة» التي عرفها المغرب غداة الاستقلال، والاغتيالات والاحتجازات داخل معتقلات، ذكر منها «معتقل جنان بريشة بتطوان»، ورغم إشارته إلى أنه وفي حدود ما تسمح به الوثائق في الوقت الراهن، «فإنه يصعب تحديد هوية من كان يقف وراء كل هذه العمليات حسبما يتبيّن»؛ إلا أن الكتاب يعود مباشرة بعد ذلك ليسجّل عددا من الملاحظات، قال فيها إن الوضع العام اتسم في بداية الاستقلال بحالة من التسيّب الأمني، «في وقت لم تتمكن فيه مليشيات كل من حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال إلا جزئيا من الحد من حالة التسيّب». بل وذهب الكتاب إلى تسجيل «إسهام بعض عناصر هذه الميليشيات في ممارسة العنف بدورها، وذلك تحت تأثير الحساسيات المتقادمة والصراعات الظرفية...». الكتاب حرص على ذكر بعض الأسماء التي اعتبرها متميزة لأناس ذهبوا ضحية تلك الظروف، «من أمثال إبراهيم الروداني، وهو من مؤسسي المقاومة، وعباس المسعدي، وهو من قادة جيش التحرير، وعبد الكريم بنعبد الله، من الحزب الشيوعي المغربي، وعبد الواحد العراقي وعبد القادر برادة، من حزب الشورى والاستقلال، وعبد العزيز بندريس، من حزب الاستقلال، وعبد الله الحداوي، ومحمد الحريزي، وهما من رجال المقاومة». عبد السلام بوطيّب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة، وأحد الذين رافقوا هيئة الإنصاف والمصالحة في فترة اشتغالها، قال إن ملف معتقل «دار بريشة» لم يكن موضوع عمل عميق من جانب الهيئة، «ذلك أنها اعتبرته مندرجا ضمن الصراعات السياسية، ومصنفا ضمن المعتقلات اللا دولتية، أي غير تابع للدولة. بالإضافة إلى أن الأحزاب السياسية لم تتعاون مع الهيئة في هذا المجال، مخافة كشف أشياء لا ترغب في كشفها». وأضاف بوطيّب أن إحدى جلسات الاستماع العمومية التي نظّمتها الهيئة، كانت قد تميّزت بشهادة الراحل عبد السلام الطود، هذه الأخيرة كانت قد روت بالتفصيل قصة اختطاف زوجها وتعذيبه في «دار بريشة» قبل نقله إلى معتقل غفساي وقتله هناك.