الانتقال من وضعية «العازبة» إلى وضعية «متزوجة» يجعل المغربيات أكثر عرضة لدخول السجن وإقداما على ارتكاب الأفعال المؤدية إليه. إذا كان الإقدام على خطوة الارتباط عبر الزواج ودخول القفص الذهبي، يجعل الرجال المغاربة أكثر مسالمة وأقل إقداما على الجنح والجرائم المؤدّية إلى السجن، فإن الأرقام والإحصائيات التي ساقها تقرير المرصد المغربي للسجون والمتعلقة بالنساء اللواتي تقودهن أحكام القضاء المغربي إلى غياهب السجون تقول العكس. أي أن الانتقال من وضعية «العازبة» إلى وضعية «متزوجة» يجعل المغربيات أكثر عرضة لدخول السجن وإقداما على ارتكاب الأفعال المؤدية إليه. وفيما ربط التقرير بين هذه المعطيات وبين نزاعات النساء مع الأزواج وأعضاء الأسرة؛ قالت فاطمة مغناوي، مديرة مركز النجدة لمساعدة النساء ضحايا العنف، إن الأمر يعكس عنفا مضادا ورد فعل على العنف الزوجي الذي تعانيه المغربيات. وأضافت مغناوي أن «العنف كيفما كان هو مرفوض ونحن لا نبرّره، لكن عددا كبيرا من النساء اللواتي نستقبلهن قدّمن شكايات ضد أزواجهن، ورغم ذلك فهم مازالوا أحرارا طلقاء دون عقاب». وذهبت مغناوي إلى أن العنف الذي قد يؤدي بالمرأة إلى السجن، «هو رد فعل وجواب على غياب القانون وغياب الحماية في مواجهة العنف الزوجي، فمنذ عهد ياسمينة بادو في وزارة المرأة والتضامن ونحن نلهث وراء قانون لحماية المرأة من العنف الزوجي، خاصة مع ظهور أنواع جديدة من العنف مثل الطرد من بيت الزوجية بعد سنوات طويلة تكون الزوجة قد ساهمت خلالها في بناء الأسرة». المعطيات الإحصائية التي كشف عنها المرصد المغربي صباح أمس بمناسبة نشر تقريره السنوي، تقول إن «توزيع النساء السجينات حسب الحالة المدنية يبيّن أهمية شريحة السجينات المتزوجات، بنسبة 38 بالمائة مقابل 29 بالمائة للعازبات و27 بالمائة للمطلقات و6 بالمائة للأرامل». تصدّر المتزوّجات تصنيف فئات النساء السجينات في المغرب، يقابله العكس عند الرجال، حيث «تبيّن الحالة العائلية لمجموع السجناء أهمية السجناء العزاب»، ذلك أن أكثر من 63 في المائة من السجناء الذكور، هم عزاب، مقابل 32 في المائة من المتزوجين و3 بالمائة مطلقين وأقل من 1 بالمائة أرامل. التقرير فسّر ارتفاع عدد النساء المتزوجات اللواتي تفقدن حريتهن بكونه «نتيجة مباشرة لحالات نزاع مع الزوج أو مع أحد أعضاء الأسرة». بينما فسّر التقرير نفسه الارتفاع الملاحظ في نسبة المطلقات ضمن ساكنات السجون، ب»الوضعية الصعبة التي تعيشها المرأة المطلقة عندما تجد نفسها بدون مأوى وبدون موارد مالية. أما الأرامل والعازبات فالجرائم التي ترتكبنها تعزى أساسا لبعض المخالفات وخرق القواعد الأخلاقية». ويعتبر السبب الرئيسي لدخول النساء إلى السجن في المغرب، ارتكاب جرائم ومخالفات ضد الأشخاص والممتلكات والقواعد الأخلاقية، بما نسبته 67 بالمائة من مجموع السجينات، فيما لا يمثل عدد المغربيات اللواتي يتم سجنهن بسبب الكحول والمخدرات، 27 في المائة. ابراهيم الحمداوي، المتخصص في علم الاجتماع، قال إن تمثيل النساء المتزوجات غالبية السجينات لا يعني أن غير المتزوجات لا تقدمن على الفعل الإجرامي، «بل إن الأمر يفسّر بالطبيعة الخاصة للمجتمع المغربي، مقابل تمثيل فئة الشباب العازبين غالبية الرجال السجناء، ويفسّر ذلك بطبيعة المخالفات والجرائم التي يرتكبونها من قبيل العنف واستعمال مختلف الوسائل للوصول إلى المال والثروة، فإن نفس الفئة من النساء تختص بنوع آخر من المخالفات والجرائم، تتمثّل في الدعارة على وجه الخصوص، وهو ما يتمتع بنوع من التكتم والتساهل لارتباطه ببعض الأنشطة الاقتصادية كالسياحة، بالإضافة إلى ارتكابه في مجالات مغلقة». المعطيات الديمغرافية والسوسيولوجية التي كشفها تقرير المرصد المغربي للسجون، تبيّن أن المشاكل والاختلالات الكبيرة التي تعرفها السجون، هي نتيجة لاختلالات أخرى موجودة في المجتمع. فتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي للمواطنين، سيؤدي تلقائيا إلى تراجع أعداد السجناء والحد من الاكتظاظ الذي أخذ في التفاقم، حيث سجّل المركز ارتفاعا مستمرا لأعداد السجناء بما يناهز ألف سجين إضافي كل شهر. المعطيات تقول إن 80 بالمائة من مجموع سجناء المغرب هم إما أميون أو من ذوي المستوى التعليمي المتواضع. ولا تشكل فئة الجامعيين سوى 2 بالمائة من مجموع السجناء، ولا تتعدى نسبة الحاصلين على مستوى تعليم ثانوي عتبة ال18 بالمائة. كما يشكّل الوضع الاجتماعي والمهني وعامل البطالة عنصرا أساسيا في إيصال المغاربة إلى السجن، حيث تمثّل الفئة المتراوح عمرها بين 20 و30 سنة، الأكثر حضورا داخل الزنازين المكتظة، بما يناهز 45 في المائة من مجموع السجناء، فيما تمثّل العاطلات من بين مجموع السجينات، أكثر من 60 بالمائة. في ما يخصّ السجناء الأحداث، أي الذين يقل عمرهم عن 18 سنة، فلاحظ تقرير المرصد المغربي للسجون أن غالبيتهم ارتكبوا جنحا بنسبة تناهز 88 بالمائة، مقابل 12 بالمائة فقط منهم ارتكبوا أفعالا إجرامية، «الشيء الذي يؤكد أن الأفعال المرتكبة من طرف الأحداث في معظمها لا تتسم بالخطورة التي تبرر ارتفاع عدد التدابير المؤسساتية أو السالبة لأولوية العلاج والتأهيل داخل الوسط الطبيعي للأحداث». وأبانت المعطيات الإحصائية التي تضمنها تقرير المرصد المغربي للسجون، أن مدينة الدارالبيضاء تتصدّر قائمة المدن المغربية من حيث الجنح المرتكبة من طرف القاصرين، متبوعة بفاس ثم أكادير فالرباط. أما الجنايات التي حملت توقيع القاصرين، فقد تصدّرت مدينة الجديدة لائحة المدن المغربية، تليها مدينة فاس فالرباط ثالثة. السجون وكر للعنف والرشوة والظلم كشف المرصد المغربي للسجون بمناسبة تقديم تقريره السنوي المتعلق بسنتي 2011 و2012، واستنادا إلى الشكايات التي توصّل بها، عن أن «انتهاك حقوق السجناء ليس ظاهرة معزولة أو استثنائية في بعض المواقع دون أخرى، بل تهم جميع السجون ومختلف المناطق وبمختلف السجون المغربية...». وأعلن المرصد عن توصّله ب359 شكاية مباشرة تصدّر تصنيفها موضوع العنف والمعاملة اللاإنسانية والحاطّة بالكرامة التي يتعرض لها السجناء، بما مجموعه 117 شكاية. فيما احتلت الشكايات المتعلقة بالدخول في إضراب عن الطعام، 88 شكاية، وهو السلوك الذي قال التقرير إنه ينمّ عن انسداد قنوات التظلّم والطعن في القرارات واسترداد الحقوق،مما يدفع إلى اتخاذ قرار الإضراب عن الطعام. بينما جاءت الشكايات المتعلقة بالاستشفاء والتطبيب ثالثة بنحو 80 شكاية. أرقام قال التقرير إنها تنم عن وجود تجاوزات من طرف إدارة السجن ضد السجناء، «وخاصة تعرضهم للتعذيب أو الحرمان من العلاج أو ابتزازهم من قبل القائمين على الشؤون السجنية كفرض إتاوات على السجناء من أجل استفادتهم من بعض الحقوق المخولة لهم قانونا...». وعلاوة على استفحال ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون، بفعل استمرار الاعتماد على الاعتقال الاحتياطي وعدم مواكبة السياسة الجنائية في المغرب لتطورات العصر؛ قال التقرير إن «الرشوة تنخر المؤسسات السجنية وتعكس أقوى مظاهر الفساد داخل السجون، وهي بالتالي تكسر أي مسعى للحكامة داخلها».