يقدم الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي مصطفى السحيمي في هذا المقال قراءته الخاصة للكتاب الأخير للمؤرخ حسن أوريد "الإسلاموية في الطريق المسدود – حالة المغرب"، حيث يجد رأيه قاطعا في اعتبار الإسلاموية من المظاهر المرضية لنوع من الحداثة المعطوبة. مصطفى السحيمي في إطار الأفكار الواردة نفسها في الندوة التي عقدها بمعهد العالم العربي (باريس)، صدر مؤخرا كتاب لحسن أوريد عنوانه: "الإسلاموية في الطريق المسدود – حالة المغرب". فهو عنوان يحيل إلى أطروحة تستنتج بطريقة أو أخرى فشل هذا النموذج. فهو ينبني على حجج قد تثري النقاش. هل الإسلام السياسي في أسوأ أحواله إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تعبيراته "الميدانية" منذ حوالي عشرين سنة – مع ظهور "القاعدة" و"داعش"؟- نظن أن العكس هو الحاصل. على كل حال، فيما يخص المغرب، نجد أنفسنا أمام حالة فريدة تثير الاهتمام، تتجلى في هيئة سياسية ذات مرجعية إسلامية، أي حزب العدالة والتنمية يدير حكومة نتيجة مسلسل ديمقراطي انطلق منذ نونبر 2011. إن حسن أوريد يضع منذ البداية محددات هذه المعادلة: وصفة جديدة لهيئة دينية تدير شؤون الدولة – ببنياتها – تقنوقراطيتها- مختلف طبقاتها الاجتماعية المعقدة- هل هذه الوصفة قابلة للاستمرار؟ ألسنا أمام تصور مختزل ومشوش لعلاقة الدين بالسياسة؟ وبعبارة أخرى هل حزب العدالة والتنمية، أمس، هو الحزب ذاته اليوم؟ لاسيما وأن إكراهات التدبير الحكومي والعمومي قد تحد من الاندفاع الأخلاقي والديني، وحتى الإيديولوجي الذي كان يميز هذا الحزب ويشكل صلب هويته. بصفة عامة، يتعلق الأمر بهذه الإشكالية. كيف يمكن الولوج إلى الحداثة مع الحفاظ على إرث التقاليد، بقيمها، سلوكياتها السيكولوجية والاجتماعية؟ ما هي الطريقة الأنجع لبلوغ هذا الهدف؟ نلاحظ أن حسن أوريد يجيب، نوعا ما، بطريقة قطعية. فبالنسبة إليه "يجب النظر إلى الإسلاموية كعوارض مرضية لحداثة غير مقتنع بها أو من الصعب تحملها". ضمن السياق نفسه يرى هذه الظاهرة ك "ابن غير شرعي لحداثة غربية"، وذلك نتيجة "لأزمة عسر هضم" تتجلى في تشنجات مصحوبة بارتفاع الحرارة. وهي في آخر المطاف، فرضية عمل تؤكد أنه بغض النظر عن المواقف والخطاب، فإن حزب العدالة والتنمية تعبير لحركية عميقة داخل المجتمع تشير إلى مسار لا رجعة فيه للحداثة السياسية. قبل الوصول إلى هذا الاستنتاج، يذكر المؤلف بطبيعة ومختلف تجليات العادات والتقاليد التي تجذرت بالمغرب عبر مختلف الحقب. فقد حرص الحسن الثاني على إعادة إحياء الموروث، مع إضافة أشكال بروتوكولية أخرى. وهي طريقة لتوطيد مشروعية النظام الملكي بالاعتماد أكثر على الإسلام وتقوية الوضع الاعتباري لإمارة المؤمنين، وكذلك إعادة إحياء التقاليد. لقد كان الملك الراحل يحتاط من الحداثة الفكرية، بل وحتى السياسية، معتبرا أنها قد تشكل فضاء محتملا للتساؤل النقدي لوضعية النظام وشروط اشتغاله. إن إعادة تنظيم الحقل الديني ومراقبته خلال حقبة الثمانينيات كانت تدخل في إطار هذه الانشغالات. لقد تجلى ذلك من خلال تملك، بل احتكار الخطاب الديني، ووضع نظام تربوي يكرس التقاليد: تعريب التعليم وتوطيد المذهب المالكي. لقد تم القيام بإقفال محكم من أجل تشكيل هوية سياسية للمجتمع، إذ في الإطار نفسه تمت تقوية ركائز الشرعية. وهنا تتجلى وظائف التنظيم والمراقبة الهادفة إلى "عدم تسييسه لفائدة النظام لوحده". ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى شخصيات كأحمد باحنيني أو عبدالوهاب بنمنصور أحد مهندسي صناعة الرموز والمرجعيات الخاصة بالتقاليد السلطانية التاريخية. يمكن، كذلك ذكر، اسم عبد الكبير المدغري العلوي، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية من سنة 1985 إلى 2002، الذي قال بأن "السلطان ظل الله في الأرض"، وأن "البيعة" تجعل من إمارة المؤمنين إحدى خصائص الحق الإلاهي. رغم ذلك، فإن الحسن الثاني قام خلال حقبة التسعينيات بمحاولات لتجديد الحقل الديني بناءً على مبدأ يتبنى الأصولية: إصلاح مدونة الأسرة، تعيين وزيرتين في الحكومة، الاعتراف بفشل التعريب، تكريس حقوق الإنسان "كما هو متعارف عليها دوليا" في دستور 1996. مع حكومة عبد الرحمان اليوسفي سنة 1998، بدأت مرحلة جديدة للانخراط في مسلسل الدمقرطة والحداثة. وفي هذا المسلسل الشاق نوعا ما، كيف تم التعامل مع الإسلاموية؟ إن حركة العدل والإحسان تدافع عن أطروحة "أسلمة" الحداثة وليس تحديث الإسلام. كيف ذلك؟ يفسر حسن أوريد ذلك بكون عبد السلام ياسين يرفض الحداثة العربية، معتبرا أنها تشكلت، خلال قرون، "باعتمادها على العقل وضد الدين". وفي هذا الصدد، إذا أخذنا بعين الاعتبار مكتسبات الحضارة الغربية، خاصة رأسمالها التكنولوجي والمعرفي، فإنه من اللازم رفض وضعها في معادلة ما يسميه "بالمقدس الإلاهي". فإذا كنا مرغمين على "استهلاك الحداثة"، فإنه من الواجب علينا التعامل معها على قدم المساواة، دون أن ننبهر ب"ما بعد الحداثة الجذابة" للعالم الغربي الذي يعيش أزمة أخلاقية مع ظهور إشارات لأفول حقبة حضارية. أما الديمقراطية المشار إليها كثيرا في الحداثة الغربية، فهي بالنسبة إلى ياسين وأتباعه مجرد قوقعة فارغة تؤدي إلى خدمة إيديولوجية للعولمة، التي يعتبرها بدورها "هيمنة شمولية للثقافة الغربية" برآسة الولاياتالمتحدة. انطلاقا مما ورد، هل يمكن اعتبار الإسلام جوابا نهائيا عن تقهقر الغرب؟ على كل حال، الأجوبة المقترحة من طرف الفكر الإسلامي أو الإسلاموي لا تتضمن خريطة طريق أو المراحل الواجب المرور منها لبلوغ هذا الهدف. فتملُّك الحداثة خارج أو بعيدا عن المنظومة الغربية يبقى ورشا غير واضح المعالم، بغض النظر عن الخطاب. إن حسن أوريد يصف بدقة وبذكاء الوضعية الحالية لحزب عبد الإله بنكيران: شخصيته، مسيرته، تنظيمه، غموضه، لعبة تعايشه مع "المشور"، وتدبيره الصعب للحقل الديني المشترك. خلاصة القول إنه نظام، ومهما قيل لا يفتقر إلى التماسك. إن هيمنة الفكر السلفي ووظيفته الجهادية تثير الشكوك وتضعف المكتسبات. فإذا كانت المقاربة الأمنية ضرورية، فلا يمكن لها تجاهل هذا الإكراه الذي يتجلى في إسلام يجدد فكره. إنه مؤلف مليء بالحيوية، يُسائل ويفتح مجالات مزعجة للحوار.