حاولت الندوة الفكرية، التي نظمها مركز مدى للدراسات والأبحاث الإنسانية، الإجابة عن أسئلة المآلات التي آل إليها الربيع العربي، سواء في المغرب أو بلدان الربيع. إذ حاول المشاركون فيها تدارس عودة الدولة العميقة والبحث في نقاط ضعف الفاعلين الذين أنتجوا الحراك. إلى جانب رحيل أربعة من كبار الدكتاتوريين في العالم العربي، قال الباحث القيادي في حزب الاشتراكي الموجد، محمد الساسي، إن الربيع العربي آل إلى تعثر الانتقال الديمقراطي بسبب فشل الإسلاميين، الذين انتصروا في أول انتخابات رئاسية وبرلمانية في عهد الثورات الشعبية. إذ أوضح أنهم أبانوا عن نوع من الخلط بين الثورة والتدبير، وافتقدوا إلى الكفاءة العالية في خلق حلول مبدعة. من جهة ثانية، أكد الساسي أن العالم العربي، بما في ذلك المغرب، يشهد حاليا ثورة مضادة، موضحا أنها نجحت نسبيا في محاصرة الإسلاميين. واعتبر ما حدث يوم 30 يونيو في مصر ثورة، لكنه أكد أن ما حدث يوم 3 يوليوز هو انقلاب ضد السلطة المنتخبة. أما فيما يخص الحالة المغربية، فقد أوضح الساسي أن الثورة المضادة حدثت ضد الدستور، مشيرا إلى أن الإسلاميين قبلوا بالانقلاب، خلافا للإسلاميين في مصر. وفي تمهيده لمداخلته، التي ألقاها خلال الندوة الفكرية «الربيع العربي: الحراك بين الانتظارات والمآلات» التي نظمها مركز مدى السبت الماضي، قال الساسي إن الربيع العربي جاء نتيجة طول الحكم الاستبدادي ووجود بطانة ورجال أعمال يستفيدون وحدهم من الحكم الاستبدادي، واستقواء المخابرات. كما اعتبر أن الغرب كان ينظر إلى هذا العالم، من ثلاث زوايا: صعوبة حصول انتقال ديمقراطي، وانسداد الآفاق أمام الجيل الجديد، ووجود قطيعة بين الشعوب والنخب الحاكمة، مشيرا إلى أن تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة يعبر عن عودة النظام إلى الماضي، ومستنكرا حالة الإصلاحات التي تبدأ ثم تتوقف. من جانبه، قال عمر إحرشان، القيادي في جماعة العدل والإحسان، إنه يستحيل الآن أن تحصل عودة إلى ما قبل الربيع العربي، مشيرا أن المغرب عاش الحراك في أدنى مستوياته. وتساءل في الآن ذاته عن كيفية تحقيق الانتقال الديمقراطي المطلوب في أقصر وقت وبأقل تكلفة. لكن المفاجئ في مداخلة إحرشان يكمن في اعتباره أن المغرب يعيش حاليا بدستور أسوأ من دستور 1996، مشيرا أيضا إلى أن الحكومة الحالية هي أسوأ حكومة في تاريخ المغرب. كما اعتبر أن الملكية لا تملك إرادة التغيير، حيث أوضح أنها أصبحت تموقع نفسها ضمن المعارضة، متوقعا أن المغرب سيعيش موجة ثانية أقوى من حركة 20 فبراير. وركز الإعلامي محمد حفيظ على التحولات الثقافية والذهنية، حيث اعتبر أنها من أهم ما حدث بعد الربيع العربي. في هذا السياق، أشار حفيظ إلى أن هذه التحولات العميقة دفعت إلى مروجي فكرة الخريف العربي إلى دعم عودة الدولة العميقة. لكنه قال إن الانقلابات التي تجري حاليا ضد روح التغيير هي انقلابات مؤقتة، على اعتبار أن سنة 2011 تشكل انعطافا في تاريخ العالم العربي ومرحلة جديدة في الثقافة والذهنية العربية. من جانب آخر، قال حفيظ إن الربيع العربي يعتبر مكسبا ثقافيا، وليس مجرد تعبير احتجاجي سياسي، مشيرا إلى أن نقاشاته ستكون حاسمة مستقبلا، على اعتبار أنه رسخ الحديث عن ثقافة حقوق الإنسان والقيم الكونية بقوة داخل الشارع العربي. غير أنه أكد أن الإسلاميين الذين تولوا السلطة لا يملكون بديلا قادرا على إنتاج الحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مشيرا إلى أن ما قدمه حزب العدالة والتنمية للنظام أكبر بكثير مما كان سيقدمه حزب الأصالة والمعاصرة. واعتبرت سارة سوجار، الناشطة في حركة 20 فبراير، أن الربيع المغربي آل إلى الالتفاف على مطالب الشارع، موضحة أن الحكومة الحالية لم تتمكن من تنزيل الدستور الجديد إلى مشاريع قوانين. كما قالت إن الاعتقالات السياسية كثرت في الآونة الأخيرة، واعتبرت أن النظام الحاكم لجأ إلى الزيادة في الأسعار لاحتواء أزمته السياسية والاقتصادية، وعمل على التحكم أكثر في المجال الاقتصادي. واقترحت أن يتم تحليل ونقد التجربة المغربية بكل موضوعية، ودعت إلى فتح حوار وطني حول ما يقع في المغرب، وإلى تشكيل جبهة سياسية قوية متوافقة وتعمل على إدماج الشارع في إنتاج المبادرات. وقال الباحث عبد المجيد جهاد إنه لا يمكن توصيف ما جرى بالربيع العربي، لأنه افتقد إلى دور المثقف في صناعة الثورات، باعتباره مستشرفا للثورة، لا تابعا للسياسة. واعتبر ما حدث ردة فعل ضد أوضاع متأزمة، موضحا أن «الربيع العربي»، والمغربي أيضا، افتقد إلى الخلفية الفكرية التي تعي إعادة النظر في النظام السياسي، والتي تحرر الإنسان من «الاستعداد للقبول بالاستعباد». بدوره، قال الباحث محمد الغيلاني إن الثغرة الكبرى التي يعاني منها مشروع التغيير تكمن في العلاقة مع النخبة وموقفها من الربيع العربي، معتبرا هذا المفهوم غامضا وملتبسا، وواصفا الدراسات التي اهتمت به منذ البداية بكونها احتفالية تفتقد إلى النضج والمعرفة والجرأة الفكرية. إذ أشار إلى أن الاحتجاج ظاهرة سوسيولوجية غايتها التمرد، حيث اعتبر أنه تطغى عليها المواقف الانطباعية والاندفاعية، وتمثل لحظة خروج من النمطية اليومية، ولا تخضع للنزعة العقلانية. كما اعتبر أن الاحتجاج ارتبط أساسا بالمجتمعات التي تعاني من الاستبداد والفقر والأمية. من جهة ثانية، قال الغيلاني إن الملكية في المغرب لم تعد «مخزن»، موضحا أنها بدأت تطور آليات الهيمنة والتسلط في الحقول السياسية والدينية. كما أوضح أن الملك يتحدث بوصفه أمير المؤمنين، وكذا باعتباره ملك الفقراء. واعتبر أن عمل الملكية يقوم على إبعاد المجتمع من حقل السياسة، حيث قال إن لهذا الإبعاد انعكاسات على تمثل السياسة والأحزاب، على اعتبار أنها استنزفت العمق الجماهيري للأحزاب.