نجاة فالو بلقاسم، أصغر الوزراء في حكومة مانويل فالس الإشتراكية، وأول أمرأة تتولى وزارة التربية والتعليم العالي، وهي، قبل ذلك، فرنسية من أصول مغربية مهاجرة، عاندت القدر وأبت اللعب إلا مع الكبار. المثابرة هي الثانية في اسرة مكونة من سبعة أولاد، ولدت في الرابع من أكتوبر 1977 في قرية بني شيكر في الريف المغربي، وعاشت على غرار أبناء جيلها حياة أبناء القرى إلى حين بلوغها الرابعة، حيث انتقلت إلى فرنسا لتلتحق بوالدها الذي كان عامل بناء، واستقرت في مدينة أميان، حيث تابعت تحصيلها العلمي إلى أن نالت شهادة ليسانس في الحقوق على غرار شقيقتها الكبرى. توجهت إلى باريس لإكمال دراستها الجامعية عبر الإلتحاق بالمدرسة الوطنية للإدارة، وهي أرقى الجامعات، التي تخرج كبار موظفي الدولة، بينهم رؤساء حاليون وسابقون للجمهورية، لكن جميع محاولاتها باءت بالفشل، لتستقر بعد ذلك في معهد باريس للعلوم السياسية. تقول نجاة فالو بلقاسم: "لا تغيب عن ذاكرتي، تلك الأيام حين كنت أرافق جدي لرعي الماعز، أو بحثًا عن الماء، لأنه لم يكن لدينا في المنزل، لا ماء ولا كهرباء". عندما وصلت بلقاسم إلى فرنسا، لم تكن تجيد اللغة الفرنسية، لكن مع المثابرة استطاعت الإلمام بلغة موليير في غضون أشهر، دخلت المدرسة الفرنسية التي تقول إنها تمثل عالمًا من الحرية، يدفعك نحو أحلام تصطدم سريعًا بواقع الحياة، فهي لم تنس يوما أنها إبنة عامل بناء لم يكن يجني الكثيرمن المال ووالدة هي ربة منزل، ونجاة بلقاسم هي، في الأصل، فتاة مغربية حصلت على الجنسية الفرنسية عند بلوغها 18 عامًا. كوزيت صحيحٌ أن حياة نجاة فالو بلقاسم، كما تقول، سلسلة من الصدف أو كما يُطلق عليها البعضُ لقب كوزيت تيمنا برائعة فيكتور هوغو "البؤساء"، عرفت كيف تصنع من المستحيل واقعًا عبر المثابرة وتطويع القدر. تستذكر نجاة فالو بلقاسم دائمًا عبارة مارك توين، الكاتب الأميركي، الذي قال في يوم ما: "كانوا لا يعرفون أنه أمرٌ مستحيل، لذلك فعلوه". عملت في مكتب محاماة، إلى أن اتت القطيعة مع القطاع الخاص التي رأت انه لا يلبي كل طموحاتها وقررت العمل في المجال السياسي عبر الالتحاق بصفوف الحزب الاشتراكي كمعظم أبناء جيلها، وهم الفرنسيون من أصول مهاجرة. تقول نجاة فالو بلقاسم في إحدى مقابلاتها: "فوز مؤسس حزب الجبهة الوطنية جان ماري لوبين في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية عام 2002 كان العامل الأساس الذي دفعها لخوض غمار العمل السياسي في صفوف الحزب الإشتراكي". تروض السياسي بدأت مسيرتها السياسية في الحزب الإشتراكي في مدينة ليون، حيث انتخبت على لائحة الحزب في انتخابات المناطق عام 2004، التي تقول عنها إنها تروض السياسي، إما أن يكون على قدر التحديات في المجتمع الفرنسي، فيعمل على تعزيز الحياة الإجتماعية بكافة مكوناتها واختلافاتها او يدفع باتجاه هوة فاصلة بين الأغنياء والفقراء. وهنا ينوه إدريس أجبالي، عالم إجتماع مغربي ومختص بشؤون الهجرة، ل"إيلاف" بأن نجاة فالو بلقاسم لا تمثل اليوم منتوجًا سياسيًا، لكنها إمرأة سياسية. يستطرد مسرعًا بأنه منذ عهد الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، تحاول الحكومات الفرنسية إدخال شخصيات فرنسية من أصول مهاجرة مثل صوفيا حمداوي وعادل عمارة ورشيدة داتي وراما يادا وهي وجوه جمعت بطريقة أو بأخرى كافة ألوان وشرائح المجتمع الفرنسي بينهم من يتحدر من أصول أجنبية. ماذا يميزها؟ يقول إجبالي: "ما يميز نجاة فالو بلقاسم عن الآخرين من الشخصيات الفرنسية من أصول مهاجرة أنها انضمت إلى الحزب الإشتراكي غداة فشل مرشحه آنذاك ليونيل جوسبان في الدورة الأولى من الإنتخابات الرئاسية عام 2002 لصالح مرشح حزب الجبهة الوطنية اليمين المتطرف جان ماري لوبين، وهو يعني أنه عندما قام بعض مناصري الحزب الإشتراكي بالهجرة منه، نرى أن نجاة فالو بلقاسم التحقت به وساهمت بطريقة أو بأخرى في إعادة هيكلته من جديد". يرى آخرون أن كونها من أصول مغربية ليس هو الأساس في مسيرة الوزيرة الفرنسية، منهم فرانسوا كزافييه بورمو، كبير مراسلي صحيفة لو فيغارو والمختص في شؤون الحزب الإشتراكي، يقول ل"إيلاف": "التحقت باكرًا جدا بالحزب الإشتراكي وعملت مع رئيس بلدية مدينة ليون جيرار كولومب ثم التحقت بفريق عمل سيغولين رويال في الحزب الإشتراكي ولم يُسند إليها في الحزب أي مناصب قيادية". اللعب مع الكبار شاءت الصدف مرة أخرى أن التقت بالمرشحة الإشتراكية آنذاك لرئاسة الجمهورية سيغولين رويال، فآمنت ببلقاسم وجعلت منها المتحدثة الرسمية باسمها إلى جانب أسماء كبار آنذاك منهم أرنو مونتبورغ، وزير الصناعة السابق. حط بها الرحال عام 2011 متحدثة رسمية باسم حملة المرشح الإشتراكي لرئاسة الجمهورية، الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند، الذي فاز في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2012، ما انعكس إيجابًا في مسيرتها السياسية لترى نفسها أصغر وزيرة في اول حكومة إشتراكية يرأسها جان مارك أيرولت في عهد هولاند، إذ أُسندت لها وزارةُ حقوق المرأة والمتحدثة الرسمية باسم الحكومة، وهو منصب يتطلب تمرسا في الشؤون السياسية. في عام 2014، اجبرت الخسارةُ المدوية، التي لحقت بالحزب الإشتراكي في انتخابات البلديات، رئيس الجمهورية على القيام بتعديل وزاري، فأتى بمانويل فالس رئيسًا للحكومة الذي جعل من نجاة فالو بلقاسم وزيرة حقوق المرأة والشباب والرياضة. بعد أربعة أشهر، تم تعيينها وزيرة التربية والتعليم العالي في تعديل وزاري جديد، لتُصبح بذلك أول امرأة تتبوأ هذا المنصب في تاريخ الجمهورية الفرنسية، ما أثار تنديد أحزاب المعارضة التي ذكرت بالأصول المغربية المسلمة لوزيرة الثقافة الفرنسية والتي رغم ذلك وضعتها إستطلاعات الرأي في غشت 2014 في المرتبة الثانية كأكثر شخصية سياسية محببة على قلوب الفرنسيين بعد ألان جوبيه. ابنة فرنسا وبلقاسم ليست الأولى والوحيدة في الحكومة الفرنسية من أصول مهاجرة. يضيف أجبالي: "كان لا بد من إجراء مقارنة بين نجاة فالو بلقاسم ورشيدة داتي وزيرة العدل السابقة في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي على سبيل المثال، فصحيحٌ أنهما شخصيتان فرنسيتان من أصول مغربية، لكن نرى أنه تمت ترقية رشيدة داتي لشيء ما كانت تمثله بينما استحقت نجاة فالو بلقاسم بجدارة كل المناصب التي تقلدتها وما زالت". البعض يتهمها بانها تستخدم شكلها الخارجي في مداخلاتها، فهي أصلًا من الريف المغربي الذي يُعرفُ سكانه بقربهم إلى الشكل الأوروبي مع وجه يتميز بمعالم ناعمة وبشرة ذهبية اللون، ويرى آخرون أنها تستحق ما وصلت إليه بعد سنوات من العمل الدؤوب، فيما انكب اليمين المتطرف على القول إنها صوت المغرب في فرنسا. يقول أجبالي إنها تلميذة الجمهورية الفرنسية، وهي فتاة لا تنكر أصولها المغربية ولا تتهاون في المقابل أبدا في الدفاع عن قيم الجمهورية والمجتمع الفرنسي وهي مسيرة امرأة تشرّف المغاربة. عن ( إيلاف)