تستعد 2015 للرحيل بعد ساعات، بعد أن كانت سنة الأحداث السياسية والأمنية والمجتمعية بامتياز. "اليوم 24" اختار عددا من الشخصيات المغربية التي بصمت المشهد في عام 2015. بنكيران.. محارب لا يضع "السلاح" لا يمكن الحديث عن سنة 2015 دون استحضار شخصية عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية. فالرجل، الذي حملته رياح 20 فبراير إلى السلطة، بعد دستور 2011، أبان عن قدرة تواصلية كبيرة، تعتمد على استعمال لغة قريبة من الفئات الشعبية، وقد استطاع توظيفها في معركة الانتخابات الجماعية والجهوية ضد "خصومه"، بحيث عمل على مهاجمتهم في كل المهرجانات الانتخابية التي أقامها حزب العدالة والتنمية في مختلف ربوع المملكة، مما جعل الكثيرين يمنحون أصواتهم للمصباح اقتناعا بخطاب بنكيران. ورغم انشغالاته الحكومية ومهامه، إلا أنه ظل حاضرا في كل أنشطة حزبه وهيآته الموازية، يصر على تأطير المهرجانات الخطابية في المدن والبوادي أيضا، كما يحضر الأعراس والولائم والجنائز، بحيث يثير الانتباه أينما حل وارتحل، مما أكسبه شعبية واسعة. بنكيران بتواصله وجرأته غير المعهودة في رؤساء الحكومات استطاع أن يصالح الكثير من المغاربة مع السياسة، على الرغم من قراراته غير الشعبية والمؤلمة أحيانا، باعترافه. الحموشي.. رجل المخابرات سنة 2015 هي سنة عبد اللطيف الحموشي بامتياز. في الخامس عشر من ماي الماضي عين الملك محمد السادس عبد اللطيف الحموشي مديرا عاما للأمن الوطني لتضاف إلى مسؤوليته كمدير للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (المخابرات المدنية DST). وقد كان الهدف من التعيين والجمع بين المسؤوليين في يد واحدة واضحا: مركزة القرار الأمني وضمان فعالية أكبر في التنسيق، في ظل تنامي الخطر الإرهابي. برز الحموشي أكثر في سنة 2014، بحيث ارتبط اسمه بواحدة من أكثر الأزمات حدة في تاريخ العلاقات المغربية الفرنسية. ففي بداية تلك السنة حل رجال أمن فرنسيين ببيت سفير المغرب بباريس، شكيب بنموسى، وفي أيديهم قرار استدعاء لشخصية أمنية رفيعة للتحقيق في مزاعم تعذيب. الاسم كان عبد اللطيف الحموشي، مدير المخابرات المدنية، والمدعي رياضي سابق اسمه زكريا المومني. الرباط اعتبرت واقعة الاستدعاء حدثا خطيرا، وأنها خرق لكل الأعراف الدبلوماسية، وأن استدعاء الحموشي نازلة لا يجب أن تمر مرور الكرام. حاولت باريس طَي الصفحة باعتذار لم يقنع الرباط، التي اختارت التصعيد وطالبت بضمانات حتى لا يتكرر ما وقع، بل عطلت العمل باتفاقية التعاون القضائي، وفي الكواليس خفضت التعاون الأمني، وأساسا الاستخباراتي، إلى حدوده الدنيا، إلى أن وقع هجوم "شارلي إيبدو" الإرهابي، الذي غير كل المعطيات، ما جعل أصواتا كثيرة ضمن النخبة الفرنسية تؤاخذ الحكومة على "تفريطها" بحليف كالمغرب. بعد الهجمات مدت فرنسا يدها إلى المغرب لإيجاد حل ل"المشاكل العالقة"، انتهت بتعديل اتفاقية التعاون القضائي، وتوجت بزيارة "المصالحة" التي قام بها الملك محمد السادس إلى قصر الإليزيه، وقبلها كان وزير الداخلية الفرنسي قد أعلن من الرباط قرار بلاده توشيح الحموشي بوسام رفيع. ومنذ توليه إدارة الأمن الوطني لم يتوان الحموشي عن معاقبة كل الأمنيين الذين يخرقون القانون، كما أحال عددا من المتورطين في الفساد على التحقيق، وحاول في المقابل تحسين شروط وظروف عمل رجال الأمن. إلياس العماري.. من الظل إلى الضوء كان لا يتردد في القسم بأنه لا يطمح إلى الجلوس على مقعد أية مسؤولية رسمية، لكن سنة 2015 كانت سنة خروج إلياس العماري، الرجل القوي في حزب الأصالة والمعاصرة والسياسي المثير للجدل، من دائرة الظل التي "قبع" فيها لسنوات إلى دائرة الضوء. كان حاسما أنه لن يترشح لأي انتخابات، لكن محطة الرابع من شتنبر كشف نوايا أخرى للرجل. وبرر ترشحه بما أسماه "قرار" الأمين العام للحزب، مصطفى باكوري، بترشيح كافة أعضاء المكتب السياسي. ورغم أن الجميع يعلم أن العماري رجل نافذ في الحزب و"خارجه"، فقد "امتثل" لقرار الباكوري ونافس على مقعد في جماعته القروية، وفيها فاز بدون عناء وبلا منافسة، ما جعل الطريق أمامه سالكا ليظفر برئاسة مجلس جهة طنجةتطوانالحسيمة. الرجل نال حظا وافرا خلال السنة التي نودع من هجمات عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية ورئيس الحكومة، الذي لا يتورع عن وصفه ب"عراب التحكم"، مرددا على مسامعه في كل مناسبة اتهام حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، له باستعمال أموال المخدرات في السياسية. العماري طيلة 2015 لم يرد على ما يوجه إليه من نقد لاذع، وتحاشى الاصطدام ببنكيران، وفضل إدارة الآلة الانتخابية لحزبه، قبل أن يطلق، في الأيام الأخيرة من السنة، مجموعة إعلامية كبيرة تضم موقعا إلكترونيا ويومية وشهرية وجريدة نسائية وجريدة ناطقة بالفرنسية. حتى المشروع الإعلامي للعماري، الذي يشدد على أنه مشرع استثماري لا علاقة له بحزب الأصالة والمعاصرة، وجهت إليه سهام النقد والتشكيك، بينها ما صرح به وزير التجهيز والنقل واللوجستيك، والقيادي في البيجيدي، عبد العزيز الرباح، الذي ذكر أن العماري مطالب بالكشف عن مصادر أموال إطلاق مجموعته الإعلامية. اليوسفي.. طائر الفينيق بعد أن حصل ما أسماه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية "الانقلاب على المنهجية الديمقراطية"، بتعيين التكنوقراطي ادريس جطو وزيرا أول عقب الانتخابات التشريعية في 2002، اختار اليوسفي اعتزال العمل الحزبي والنشاط السياسي، ومقاطعة وسائل الإعلام، ولم ينبس ببنت شفة، على الرغم من الأحداث الكثيرة التي عاشها المغرب، قبل أن يظهر، في أول حوار صحافي له مع صحيفة "العربي الجديد"، حيث تحدث عن رؤيته لأحداث الربيع العربي، كما كشف عن لقاءاته بالملك محمد السادس على الرغم من مغادرته الحكومة، وتكليفه بمتابعة بعض الملفات الدبلوماسية، كملف الصحراء. أما أول نشاط رسمي ظهر فيه مهندس حكومة التناوب التوافقي فقد كان في شتنبر الماضي، خلال حفل عشاء أقامه الملك محمد السادس بطنجة على شرف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والوفد المرافق له، حيث لقيت صورته إلى جانب الملك وهولاند انتشارا واسعا على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، كما اعتبرها متتبعون بداية لعودته التدريجية إلى عالم السياسة. أما الظهور الأبرز لليوسفي فكان خلال تنظيمه ندوة فكرية حول المهدي بنبركة، وتلاوته للرسالة التي بعثها الملك محمد السادس لأسرة بنبركة وأصدقائه، مما اعتبر تحولا جذريا في تعامل القصر مع قضية اختطاف بنبركة. اليوسفي، منذ تنظيمه لندوة المهدي بنبركة، وهو يظهر بين الفينة والأخرى في بعض الندوات والجنائز. رغم رفضه إعطاء تصريحات للصحافة، إلا أن عودته التدريجية للمشهد السياسي جعلت المغاربة يتذكرون فيه رجل المبادئ وأحد السياسيين الكبار في تاريخ المغرب. منيب.. امرأة كسرت احتكار الذكور لقيادة الأحزاب استطاعت نبيلة منيب، الأمينة العامة للاشتراكي، ومنسقة فدرالية اليسار، أن تفرض نفسها كواحدة من الوجوه السياسية التي طبعت عام 2015، على الرغم من هزيمتها الانتخابية في محطة 4 شتنبر بمقاطعة سيدي بليوط بالدارالبيضاء، باعتبارها المرأة الوحيدة التي تقود حزبا سياسيا، فضلا عن مساهمتها في تخليق الحياة السياسية من خلال حملتها الانتخابية النظيفة، وعدم تزكيتها لرموز الفساد طمعا في الحصول على عدد أكبر من المقاعد. نبيلة رغم معارضتها للحكومة ولبعض خيارات الدولة، إلا أن ذلك لم يمنعها من ترؤس الوفد اليساري الذي زار السويد من أجل توضيح موقف المغرب من النزاع في الصحراء المغربية، معتبرة الدفاع عن الوحدة الترابية يدخل ضمن أولويات الحزب الاشتراكي الموحد. ورغم كبوة الرابع من شتنبر، إلا أن قيادة منيب لحملة انتخابية نظيفة، وجرأتها المعهودة جعلتها تحافظ على مصداقيتها، وتحظى باهتمام كبير من قبل الإعلاميين والسياسيين، بمن فيهم رئيس الحكومة، الذي تنبأ لها ولحزب بمستقبل واعد على المستوى القريب والمتوسط.
الخيام.. "صيّاد" الخلايا الإرهابية تعرف عليه الإعلاميون والمغاربة بداية حين كان رئيساً للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وخاصة خلال اللقاءات الإعلامية السريعة التي كان يعقدها في مقر الفرقة بشارع ابراهيم الروداني في البيضاء، لتقديم مجرمين خطيرين أو للإعلان عن عمليات نوعية لجهازه، ومن هناك بدأ يسطع نجمه. لكن أكبر تحول في مساره هو إنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني. لم يكن تعيينه مفاجئا، بعد أن صار وجها أمنيا مألوفا وقد جرب الأضواء منذ سنوات. في كل عملية كبيرة ونوعية يستدعي الصحفيين إلى مقر جهازه "الزجاجي" بمدينة سلا. منذ البداية كان حريصا على التواصل، كما كان حريصا على تأكيد أن السياسات الأمنية في المغرب صارت تتمتع ب"الالتقائية" بعد تعيين عبد اللطيف الحموشي على رأس الأمن الوطني. يعرف جيدا أنه يشتغل في قطاع حساس، لذلك لا يتجاوز اختصاصاته في الكلام، ويجيب على أسئلة الصحفيين بما يجب أن يقوله، بلا زيادة. لكنه يتمتع بوجه آخر بعيد عن المسؤول الأمني المتحفظ، إذ ينقل عنه كثيرون أنه لازال يرتاد مقهى الحي في منطقة درب سلطان، وأنه يتواصل باستمرار مع أصدقائه القدامى، بل تناقلت شبكات التواصل صورا له خلال عيد الأضحى الأخير رفقة "ولاد الدرب".