و أشفق أساتذة القانون على طلبتهم لما أَسْهَبوا في شرح معنى المسؤولية الموضوعية، وهي الحالة التي يسأل فيها المرء عن قول أو فعل لم يأته أبدا، فأقرب مثال لها وأسهله على الفهم نسْبَة أخطائنا للشيطان وقذفه اليومي دونما ذنب جناه !! لا نؤدي واجبنا، فإذا ذكرنا به ذو المصلحة نَلْعَنُ الشيطان عَمّا بَدرَ منا من إغفال وإهمال وتجاوز!! فالممثلون ينسون الرسالة التي اضطلعوا بها حتى إذا سألهم عنها من انتخبوهم نَعَلُوا الشيطان !! والكسلاء الذين لا يفيقون، يلتمس لهم العذر من هم في أمس الحاجة إلى يقظتهم فيقولون: «إن الشيطان هو من يزين لكم النوم والعجز والكسل والإهمال»!! وإذا قاوم الفرد منا الجشع والإخلال بالحياء والفساد شجعناه على إتيان المنكر بقولنا، إن الحشمة والحياء والمروءة زوجات الشيطان، فالشيطان الرجيم له زوجة على خلق عظيم !! وفي قمة غضبنا، نأتي بنظرية الحلول فنجيبُ من أساء إلينا عندما يلعن الشيطان لتبرير إساءته بقولنا: «إن الشيطان هو بنو آدام»!! فالشياطين هي التي أضحت تَعِظُ الآن، وقد أثبت أحد الظرفاء للمصلين صدق إدعائه بأن الإمام الذي يؤمهم للصلاة شيطان، عندما تسلل إلى حيث ينام بالمسجد، فرسم على وجهه صورا بذيئة وفوجئ المصلون أثناء صلاة الفجر بوجه الإمام المزركش، ورفع الفاعل أصبعه ليطفئ غضبهم قائلا: «أردت أن أؤكد لكم أن إمامنا لا يتوضأ للصلاة، وها قد رأيتم ذلك فعلا» !! نحن نكيل الاتهام للشيطان في ما نقوم به من أفعال شائنة حتى نرفع عنا عبء السؤال، وقد استلقى أحدهم على قفاه من الضحك والحسرة عندما بشره رئيسه المنتخب أنه رُقيّ إلى درجة أعلى، بينما اعتذر لرفيقه ليتبين لِلْمُبَشَرِ أن اسمه لم يدرج أصلا بلائحة الترقية، في الوقت الذي أوضح رفيقه للكاذب أنه لا يشتغل بالقطاع !! ولم يعد الشيطان ذميم الخلقة، كما تصورته تلك المرأة التي طلب منها صانع المجوهرات أن تأتيه بصورة للشيطان التي تريد أن تضعها على خاتم فقدمت له الأديب الكبير الجاحظ ، بل أصبح الشيطان جميل الوجه، فارع الطول، أنيقا في لباسه ومأكله ومشربه، يسلب مريديه بدماثة خلقه ووعوده التي يسيل لها اللعاب، وأقواس قزح التي يرسم بها أحلام الناس وآمالهم !! صدق الله العظيم عندما أنظرَ الشيطان إلى يوم يُبْعَثُون فقال تعالى: «قال رَبّ فأنظرني إلى يوم يبعثون، قال فإنك من المنظرين». سورة (الحجر). صدق الله العظيم. نحن تنتظرنا محاكمة كبرى بالدار الآخرة، سيتحول فيها صك اتهام الشيطان بِلاَ ذَنْبٍ إلى مذكرة دفاعية يقول فيها لمن حرك متابعته: – أنت الإنسان الذي حكمت بالظلم ولم أحرضك عليه. – أنت من أسأت إلى فلان ولَسْتُ شريكا ولا مساهما بالإساءة. – أنت من أغفلت واجبك واستقويت ودُست على عقلك وآثرت هواك عليه. – أنت الذي كرمك الله عز وجل، فلم تكن في مستوى كرمه جلّ وعلا !! – أنت الذي أرغمت ضحايا ك على الصمت والخوف والفشل والإحباط والتملق والتكسب والانتقام، وأنا بريء مما نسبته إليّ. عند هذه اللحظة بالذات، سيذكر الإنسان أن لله عز وجل سوى النفس، وألهمها الفجور والتقوى، فهي نفس عاقلة تميز بين الخير والشر فيدرك أنه أخطأ الطريق، ويقول لخالقه: لقد أغفلت ونسيت، الله يلعن الشيطان!! لكن هيهات !!