في الوزارات، كما في باقي المناصب السامية الأخرى، قد يجلس على مقاعدها الأمامية ويمسك مفاتيحها الرئيسية أبناء العائلات الكبرى الذين ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب كما قد تؤول مسؤوليتها إلى أبناء الشعب من الفقراء الذين ذاقوا الحرمان والعوز، وكانت أبعد نقطة يمكن أن يصل إليها تفكيرهم هي أن يصيروا وزراء في يوم من الأيام. فعلى الرغم من أن المناصب الكبرى، بما فيها الوزارات، عرفت في فترات سابقة هيمنة المنحدرين من عائلات ميسورة وأوساط ثرية، فإنه منذ تسعينات القرن الماضي أضحت متاحة أكثر لبعض أولاد الشعب، الذين كسروا القاعدة، وأصبحت لهم حكايات مع الاستوزار والمناصب. ولم تعد أسماء العائلات المعروفة والنافذة وحدها من تتصدر لوائح الاستوزار، بل صار لهم منافسون جدد... إنهم أبناء الشعب. ولعل أكبر تجسيد لهذا التحول، هو الحكومة الحالية التي ضمت وزراء كثيرين من أبناء الشعب... وزراء عاشوا حياة بسيطة كالتي يعيشها عموم المواطنين... منهم من اشتغل في طفولته، ومنهم من كافح ليحصل على وظيفة بعد انتهاء فترة دراسته، قبل أن تنقلب الأمور ويتغير كل شيء بعد حمل صفة «وزير». وزراء من عائلات بسيطة ومتواضعة وفقيرة أحيانا، لم يولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، بعضهم عاش في خصاص وذاق لسعات الفقر وضائقة الحرمان. عاشوا حياة أبناء الشعب في المدارس العمومية والأحياء الشعبية، وكافحوا من أجل شهادات جامعية تؤمن لهم وظائف محترمة... من البوادي والمداشر البعيدة، ومن الأحياء الهامشية الفقيرة، تخرج عدد من الوزراء، الذين رسمت لهم الأقدار مصيرا مختلفا عما رسموه لأنفسهم أحيانا. ومنهم من غير نمط حياته رأسا على عقب بعد ذلك، ومنهم من حافظ على جوهر نمط عيشه، وظل مرتبطا بأصوله الشعبية رغم تغير واقع حاله المادي، ومنصبه الاجتماعي. على رأس هؤلاء رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، رجل التعليم وخطيب المسجد، ومن ضمن هؤلاء، محمد مبديع الوزير المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة الذي اضطر في طفولته إلى الاشتغال أيام العطلة، تارة في الفلاحة، وتارة أخرى مع شركات خاصة. ويقول :«أتذكر أنني اشتغلت في إحدى الشركات وعمري 16 سنة، وهي شركة الأشغال الفلاحية بزايو بالناظور، وذلك سنة 1972». ويضيف: «كان هذا أول أعمل أحصل عليه، وامتد لمدة شهرين من أيام العطلة الصفية، وكنت أحصل على مقابل لا يتعدى 7 دراهم في اليوم». وأيضا وزير السياحة لحسن حداد الذي التحق بسوق الشغل مبكرا، وكان يشتغل في صباه لدى والده وبمقابل. يقول: «كنت أحرث الأرض مقابل عشرة دراهم في اليوم». كما أنه اشتغل في أفرنة «الجير» بأبي الجعد رفقة ثلة من أصدقائه. «كنا نشتغل من السادسة صباحا في أفرنة الجير، وكنا نصنع الكوشة حتى نحصل على مصروف يمكننا من الذهاب إلى السينما وشراء طبق المعقودة». أما شرفات أفيلال، الوزيرة المنتدبة الجديدة المكلفة بالماء، فقد كانت مضطرة إلى تخصيص أول أجر حصلت عليه لتسديد الديون التي تراكمت بسبب الكراء، ولم يبق منه إلا مبلغ بسيط جدا. في حين تربى أوزين في حي اليوسفية الشعبي بالرباط، وكان «فتوة» الحي بكل ما للكلمة من معنى... يتعارك ويتشاجر، والكثيرون يهابونه إلى درجة أن «بعض العائلات كانت تحذر أبناءها من مرافقته»، على حد تعبيره. ويضيف: «لكن ما كان يشفع لي هو تفوقي الدراسي، إذ كنت أنجح دائما بامتياز». إنها حكايات مختلفة لوزراء الحكومة الجديدة... وزراء لا عهد لعائلاتهم بالمناصب، بل كانوا هم من أدخل أسماءها عوالم الاستوزار والشهرة.
شرفات أفيلال..ابنة الشمال التي خصصت أول أجر تناله من وظيفتها لدفع الديون المتراكمة عليها سمية بنخلدون..ابنة مدير الأملاك المخزنية التي تتقن لغة الأرقام وتهوى العمل الجمعوي بسيمة الحقاوي.. الابنة الروحية لعبد الكريم الخطيب التي تكره وسائل الإعلام مبديع.. «سرحت الغنم واشتغلت ب7 دراهم في اليوم وأنا ابن 16 سنة» الخلفي.. من المجلة الحائطية إلى كرسي الوزار الضريس.. حكاية «بدوي» أمسك بعصا السلطة أوزين.. «فتوة الحومة» الذي كانت العائلات تحذر أبناءها من مرافقته!