التجارب الإصلاحية والمشاريع التغييرية عبر التاريخ الطويل للبشرية مليئة بالدروس والعبر، لكن من المؤكد أن التغيير عملية معقدة تخضع للعديد من الشرط والقواعد السببية (السننية) وليست عملية اعتباطية أو فجائية غير متحكم فيها. التغيير ممكن، والتطور نحو الأفضل ممكن دائما مادام الإنسان يمتلك قدرات عقلية ومادية يستطيع بواسطتها تطوير أدائه باستمرار. كان شعار باراك أوباما في حملته الانتخابية الأولى: «yes; we can» «نعم نستطيع»، وهو شعار يستبطن شحنة معنوية قوية ملؤها الإرادة والطموح الكبير لصناعة التغيير.. لكن بصيغة الجمع وليس بصيغة المفرد، وهذا من أهم أسباب النجاح، أي كيفية تفجير الطاقات الجماعية الموجودة في قلب المجتمع، وعدم الاكتفاء بتمجيد سلطان الفرد بطريقة تتجاوز حدود المعقول.. ورغم أن التاريخ خلد أسماء العديد من الزعامات، فإن ذلك لا يعني بالتأكيد أنها نجحت بمفردها في صناعة الأحداث، والتاريخ لا يمكنه أن يعيد كتابة القصة الحقيقية لنجاح العظماء، لأنه -بكل بساطة- هناك وقائع وأحداث دقيقة لا يستطيع علم التاريخ أن يعيد كتابتها. لنعد إلى سؤال التغيير، إن توفر إرادة التغيير لا يعني القدرة على التغيير، فهناك دائما مساحة شاسعة بين الإرادة والقدرة، كما أن هناك دائما فرقا بين الرغبة في التغيير والقدرة على التغيير. إن توفر عناصر الإرادة والرغبة يعتبر شرطا ضروريا في كل المشاريع التغييرية، لكنه ليس شرطا كافيا لتحقيق النجاح في عملية التغيير، ولذلك لا بد من توفر شرط الخبرة والعلم وامتلاك القدرة على استيعاب آليات التغيير كيفما كانت نوعية الظاهرة المراد تغييرها. كما أن التغيير ليس هدفا يتحقق بأسلوب الطفرة أو الثورة، ولكنه مسار تراكمي تدريجي يخضع لبناء حقيقي، ويتطلب الكثير من الصبر والتروي والأناة. إن زمن الإصلاح والتغيير مرتبط بتوفر شروط معينة ينبغي العمل على تحقيقها قصد تحقيق فهم أفضل لأسباب تعثر العديد من المشاريع الإصلاحية في واقعنا. لكن من جهة أخرى، وسواء تعلق الأمر بتغيير الظواهر الاجتماعية السلبية، أو تعلق الأمر بتطوير المؤسسات السياسية وإصلاحها، أو تعلق الأمر بتغيير النصوص القانونية فإن شرط الخبرة والكفاءة والفهم والإلمام بالأسباب المؤدية لهذه الظواهر يعتبر المدخل الضروري لإحداث التغيير المطلوب في البنيات المراد تغييرها نحو الأفضل... في كثير من الأحيان قد نعلق فشلنا في معالجة بعض المشاكل على أسباب خارجية، لكن قد يكون السبب الحقيقي مرتبطا بعجزنا عن فهم طبيعة المشكل وعدم قدرتنا على اتخاذ القرار المناسب بناء على المعرفة العميقة والخبرة الدقيقة. الخلاصة، إن إخفاق العديد من المبادرات الإصلاحية، يقابله في الضفة الأخرى نجاح أمم أخرى في تحقيق تقدم كبير على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي. وهو ما يفرض علينا أن نتواضع لقراءة هذه التجارب بهدف الاستفادة منها واستخلاص العبر والدروس التي تساعد صناع القرار والفاعلين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني الراغبين في تقدم بلدانهم ورخائها وازدهارها على الاختيارات الصحيحة في الوقت المناسب.