يعد احمد الجلبي الذي توفي صباح الثلاثاء ابرز شخصية دفعت الولاياتالمتحدة الى غزو العراق, من خلال تشجيعها الدخول في هذه الحرب من دون توقعات حقيقية ما ادى الى كوارث وماس لا تحصى. توفي الجلبي عن عمر ناهز الواحد وسبعين عاما اثر سكتة قلبية في منزل في بغداد بعد اكثر من عقد على تحقيق حلمه في اسقاط نظام صدام حسين، دون ان يمارس اي سلطة سياسية كان يسعى اليها اثر نهاية النظام الدكتوري. وقال رئيس الوزراء حيدر العبادي ان الجلبي "كرس حياته لمعارضة الديكتاتورية ولعب دورا معها في اقامة الديموقراطية في العراق". وقد اعتمدت واشنطن على معلومات قدمها الجلبي لتبرير غزوها للعراق، وكان ايمانها الخاطىء به و بحزبه "المؤتمر الوطني العراقي" بان يحكم بعد سقوط النظام، الا ان ذلك في النهاية جر الولاياتالمتحدة الى مستنقع استمر تسع سنوات. لكن الجلبي "فقد تاثيره في العمل السياسي (…) بعد 2003 عندما كان في الذروة", بحسب كيرك سويل المسؤول عن نشرة انسايد ايراكي بوليتكس. ولد الجلبي من عائلة بغدادية ثرية, لكنه غادر البلاد منتصف الخمسينات، وقضى معظم حياته في بريطانياوالولاياتالمتحدة، حيث حصل على شهادة الدكتوراه في الرياضيات. قربه منفاه من مسؤولين غربيين, لكن اقامته البعيدة عن البلاد التي شهدت حكما دكتاتوريا وحروبا وحصارا جعلته بعيدا عن الناس, لكنه ادعى مع ذلك انه يمثلهم. واسس الجلبي المؤتمر الوطني العراقي مع شخصيات معارضة اخرى في مطلع التسيعنيات، ونسق لاحد الانتفاضات الكردية منتصف التسعينات, في شمال البلاد. لكن الانتفاضة فشلت, وقتل على اثرها المئات من السكان, وتمكن من الفرار والعودة الى الولاياتالمتحدة، ولم يعد الا مع الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة. وقد اعربت شخصيات اميركية في ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش عن املها ان يقود الجلبي ومؤتمره الوطني البلاد بعد سقوط نظام صدام. لكن بسبب سنوات غيابه الطويل عن البلاد, لم يكن حزبه معروفا بشكل كبير داخل العراق, فيما كان المخطط الاميركي انتقال الحكم بشكل سلس . وادت بعض الاجراءات الاميركية بينها حل الجيش العراقي الى عدم وجود قوات كافية لضمان امن البلاد امام التمرد والتصاعد في التوتر الطائفي، الامر الذي ادى بعد ذلك الى سنوات من اراقة الدماء ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا. وكان الجلبي الشخصية المفضلة لدى واشنطن عام ,2003 لكنه فقد موقعه بعد ان اكتشفت الولاياتالمتحدة ان المعلومات التي زودها اياها حول اسلحة الدمار الشامل وتنظيم القاعدة كانت كاذبة. واتهم الجلبي كذلك بتقديم المعلومات الى ايران. وتعرض منزل الجلبي في مارس عام ,2004 الى مداهمة من قبل الجيش الاميركي والشرطة العراقية، واستولوا على وثائق واجهزة حاسوب , والتهمة الوحيدة التي اعلنت بعد هذه العملية انهم عثروا على اوراق نقدية مزورة. في الاطار ذاته, لاحقت الجلبي شبهات متكررة بالفساد وأدين من قبل محكمة أردنية باختلاس أموال من بنك البتراء عام ,1992 وهي قضية يدعي بان وراءها دوافع سياسية. وبعد الاجتياح, تولى الجلبي رئاسة دورية لمجلس الحكم الذي شكلته واشنطن لادارة البلاد, وبعدها تولى منصب نائب رئيس الوزراء وتولى حقيبة وزارة النفط بشكل مؤقت , وكان يشغل رئيس اللجنة المالية في البرلمان قبل وفاته, لكنه لم ينل المناصب التي كان يأمل في توليها. وعمل الجلبي العلماني الشيعي, رئيسا لهيئة اجتثاث البعث التي تاسست بعد الاجتياح بشكل مباشرة لابعاد البعثيين عن المناصب في الدولة حتى اعفائه منها عام 2011. وقد غذى الاجتثاث تمرد العرب السنة ضد التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وادت سياسات الحكومة في السنوات اللاحقة الى المزيد من استياء في اوساط السنة ما ادى الى اغضاب الطائفة, ووضع في النهاية الاسس لاستيلاء تنظيم الدولة الاسلامية على اجزاء واسعة في شمال البلاد وغربها.