موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصايل يكشف سر تعايشه مع الوزير الإسلامي ويقول: أنا موظف لدى الدولة
نشر في اليوم 24 يوم 10 - 11 - 2013

نور الدين الصايل من الأسماء التي ارتبطت المجال السمعي البصري وبالسينما المغربي حتى قبل أن يصير مديرا للمركز السينمائي المغربي. وفي هذا الحوار يكشف أراءه فيما يسمى ب»الفن النظيف» ودور القطاع الخاص في النهوض بالسينما المغربية، وعلاقته بوزير الاتصال.
أنت يساري علماني وناقد سينمائي فرنكفوني، تشتغل مع وزير إسلامي، ما هو سر هذا التعايش الذي دام سنتين بينكما؟
أنا لا أطرح القضية بهذه الكيفية بقدر ما أفكر في كوني موظفا لدى الدولة، وأتعامل بصفتي مديرا للمركز السينمائي مع شخص على رأس وزارة للدولة. أما قضايا الانتماء الفكري، المتعلقة بتاريخ كل شخص فلا دخل لها هنا، اللهم إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية بدائية جدا، فسنجد صراعات لا متناهية، والتي لا تشكل بأي شكل من الأشكال حلا لمشاكل المغرب. أعتقد أني أتصرف كموظف في خدمة المؤسسة التي يدير شؤونها الخلفي، والتي هي تحت وصاية وزارة يشرف عليها. بهذه الكيفية تخرج المسألة من إطار العلاقات الشخصية، ومن دائرة الصراعات الفكرية.

ارتباطا بانتماء الوزير الذي تشتغل معه، ما رأيك في فكرة الفن «النظيف» الذي يدافع عنه إخوان بنكيران وأنت على رأس أهم مؤسسة تعنى بالسينما في ظل حكومة يقودها الإسلاميون؟
لا أظن أن مفهوم «الفن النظيف» وصل مستوى يستحق معه أن يناقش كفكرة، ولا أعتقد أن هناك من يدافع عنه بكيفية جدية. وإذا هناك من يدافع عنه فهو مفهوم فارغ، لا مضمون له حتى نتصارع معه أو نقبله،
وهو متناقض داخليا بالمعنى الفلسفي العميق، ولهذا نمر عليه مرور الكرام. وعلى من يتحدث عنه أن يثبت معناه بكيفية دقيقية، إن كان له معنى.

علاقة بالسؤال نفسه، هل تعتقد أن السينما في العمق ضد التيارات المحافظة أم أنها فن تعددي يمكن أن يضم كل تيارات المجتمع؟
الإبداع الفني بكيفية عامة لا يمكن أن نحكم عليه مبدئيا لا بأنه محافظ ولا متمرد ثوري. الإبداع الفني هو تدفق داخلي للفرد، يمنح تصورا مطابقا للمجتمع كما هو أو غير مطابق، يفهم أو لا يفهم، يدان أو يصفق عليه. مثلا، بيكاسو حين كان بدأ في تصوير أشياء كانت ضد التيار السائد، الذي يصور الواقع كما هو، انقسم الناس بين مصفق له ومتهم إياه بقتل أصول فن الرسم.
وما يجعل من الفنان مع أو ضد التيار السائد هو مستوى وعي المجتمع ككل. فمستوى الوعي المعرفي والفني والمجتمعي هو ما يحدد مدى قبول أو رفض هذا المعطى الفني. والأكيد أن إرادة الفنان ليست هي ما يجعله مع أو ضد التيار السائد. فكثير من الأمور تبدو طبيعية في بلدان معينة في الوقت الذي تبدو فيه غريبة وصعبة التقبل في بلدان أخرى؛ لا نتحدث هنا عن مستوى كتابة الأفلام، افتراضا أنها جيدة، وإنما أخذا بعين الاعتبار الحدود المجتمعية التي هي في الآن نفسه حدود إديولوجية، تحدد أيضا هوية وطبيعة الفيلم، دون أن يكون الفيلم مسؤولا عنها، وإنما المجتمع هو المسؤول عن قبولها أو رفضها. وهذه أولويات على الشخص الانطلاق منها واستيعابها، قبل أن يتجه نحو فيلم أو السينما بشكل عام.
الظاهرة السينمائية، الآن، والتي لا تعتبر قديمة، حيث بدأت في القرن العشرين، حدت نفسها باعتبارها، أولا، فنا شعبيا، لا يستمتع به فرديا، فقد حكم عليه منذ البداية أن يكون جماعيا. ولم يوجد تعريف آخر للسينما.
وأعتقد أن الفيلم موجه لكل الفئات، وإن كان التحديد المكاني للقاعة السينمائية يحدد طبيعة جمهورها، هذه الفئات جميعها تتقاسم المتعة في مشاهدة الفيلم تبعا لطبيعة الخصائص الإنسانية المشتركة.

لكن هذه الفئات على اختلاف مشاربها لا يمكنها أن تستوعب الفيلم على نفس النحو.
مستويات فهم وقراءة الفيلم شيء آخر، فهناك من يتعمق في كل مستويات الفيلم، بينما هناك من يتوقف عند المستوى السطحي. ويبقى الفيلم الناجح جماهيريا هو الفيلم الذي يتعامل مع الجميع.

وما هي برؤيتك معايير نجاح هذا الفيلم؟
لو كان هناك من يتحكم في معرفة معايير نجاح فيلم ما، لاتجه إليها كل المنتجين. فالمعايير لا تتحدد إلا بعد إنتاج العمل، ونجاحه، إذ يبدأ تحليل وتفكيك أسباب نجاح هذا الفيلم. وهي من الأمور الجميلة في السينما. هناك بعض الأفلام التي فور خروجها تبهر الجمهور، ولا يستطيع أحد أن يكررها، مثال فيلم تيتانيك. لأن كتابته متحكم في سبكها بشكل جيد رغم كونها تقليدية. وذلك تبعا لتفرد العمل، الذي لا تدخل في نجاحه فقط، القصة والإخراج، فهناك أيضا بصمة الممثلة أو الممثل المميز ببراعة، وكيفية التصوير والإنارة، والموسيقى الداخلية لتصويره، ثم الأجساد التي تمثل هذه الأدوار، واجتماع هذه الوسائل كلها في فيلم فرد ناجح، تصعب إمكانية إعادة إخراج مثيل له.

السينما فن لا يمكنه التأليف بين فئات المجتمع، هذه هي الخلاصة باعتقادك؟
السوق مفتوحة ولا أحد يجبر أحدا على مشاهدته، ويبقى المراقب الأول للفيلم هو المتفرج نفسه، والفيلم بضاعة معروضة في القاعات، موجهة مبدئيا للجميع. هناك من يعرف مسبقا إلى أين يتجه، وطبيعة ما سيشاهد، وهناك من لا يعرف. وهناك أيضا شيء محدد آخر للمشاهدة، وهو مستوى متابعة الفيلم، تبعا لكونه أقرب إلى لغته وثقافته وإحساسه.
الفيلم مفتوح للجميع، لكن هذا الجميع يخضع لطقوسه التكوينية وانتماءاته المجتمعية المتحكمة في اختياراته السينمائية التي يراها الأقرب إلى إحساسه. وما أحب التأكيد عليه هو أن الجمهور المغربي أذكى مما يمكننا أن نحكم به عليه، إذ له القدرة على التأقلم مع كل الروايات والأنماط بطريقة ذكية.

بعض المخرجين المحافظين يتهمونك بالتشجيع على سينما لا تتوافق والخصوصية المغربية، وأنك مع الجرأة الزائدة التي انتشرت في الأفلام المغربية للسنوات الأخيرة، ما ردك؟
أنا لا أشجع على أي نوع من الأفلام، وإنما أضع نفسي في خدمة الإنتاج السينمائي المغربي بكل تلوناته واختلافاته وانتماءاته. لا أحكم على الأفلام انطلاقا من كونها لا تتفق مع المبادىء التي لا أومن بها. طبعا هناك ضغوط نوعية للمجتمع باعتبار خصوصيته التي وجب احترامها، ولا يمكن تجاوزها بلا مبالاة. وهذه قضية واضحة. أما الانتقال إلى «المنع والذبح» فهذا كلام غير مسؤول.
ويجب ألا نغفل أن العمل قبل أن يقدم يكون قد مر من عشرات التعديلات، من خلال مراقبة صاحبه له، فالمراقبة الذاتية في التشكيل الإنساني بشكل عام دائمة. غير هذا، فلا دخل لي في تحديد الأعمال التي تطلب دعما من الدولة، لأن هناك لجنة، منذ عشر سنوات، هي من تمنح تلك المساعدات، إذ تشتغل بمنطق فهم ماذا يريد أن يقول هذا المخرج.
وفي هذا السياق هناك العديد من الأفلام التي تبدو في بداية تقديمها حماسية وجميلة على مستوى كتابة السيناريو، لكن ما إن تخرج إلى الوجود حتى تكتشف أنها ضعيفة، تبعا لإخراجها الذي كان دون المستوى. وبالمقابل هناك أخرى تبدو للوهلة الأولى متوسطة على مستوى الكتابة، لكن ما إن تخرج حتى تكتشف أن الفيلم أكثر قوة وجودة تبعا لقوة الإخراج، فالأمر هنا يتعلق ببصمة المخرج. صحيح أن العمل جماعي، لكن تبقى مسؤولية المخرج أكبر.

كان لديك مشكلة «بريمات» أوقفها الخلفي عنك، هل حلت المشكلة؟
هذه قضايا داخلية بين الوزارة والمؤسسات الوصية عليها، ووجود بريمات من عدمه أمر لا يخص غير الوزارة الوصية، حلت المشكلة أو لم تحل، هذه قضية لا تعني أي فرد، وتبقى مسألة إدارية محضة، وإن كانت خلقت جدلا في فترة سابقة.

المهرجان المتوسطي، هل حان الوقت لتبتعد عنه، حتى لا تسقط في التعارض بين مهمتك على رأس المركز السينمائي المغربي ورئاسة مهرجان؟
هذه أمور يمكن التفكير فيها مستقبلا. لكن هذا المهرجان كان فكرة جميلة جدا لمحمد الأشعري حين كان على رأس وزارة الثقافة، وأعتقد أنه يستحق كل التنويه، نظرا لأهميته على مستوى البحر الأبيض المتوسط. فلا يمكن بين عشية وضحاها التفكير في توقيفه، والمركز السينمائي أخذ على عاتقه دعم هذا المهرجان بكل ما يستطيع، باعتباره مهرجانا لإبداعات الشباب المتوسطي، التي تشكل حياة المتوسط. ومستقبلا سنبحث في إمكانية أن تسهر هذه الهيئة (المركز السينمائي) عليه والمسألة هنا لا تتعلق بأنانية، وإنما بكون المهرجان يمنح المغرب إضافات هائلة جدا، ومن لا يستوعبها فإنه لا يفهم شيئا في محيط المغرب.
كما أن هناك لجنة حالية خاصة بالمهرجان تسهر على التفكير في الوسائل التي تمكنه من استقلالية حقيقية، بالإضافة إلى وسيلة دعمه من الدولة.

وكيف هي علاقة المركز السينمائي بجمعية نقاد السينما وجامعة الأندية السينمائية، أليست هناك خلافات؟
لا، ليست هناك خلافات والعلاقة بيننا علاقة عادية جدا. الجامعة لها تاريخها وتشتغل، وكلما احتاجتنا نكون إلى جانبها. وجمعية نقاد السينما لها أيضا تاريخها، وكنا نتعامل معها في إطار تمويل مجلة لها، وتوقف التمويل بعد ذلك لأن المنتوج بعد صدور أربعة أو خمسة أعداد منه لم يكن في المستوى المطلوب. واستمرت العلاقة عادية، ومؤخرا عقدت الجمعية جمعها العام والمركز السينمائي كان ممثلا هناك بعضو مهم.

وما هي الأوراش الكبرى للمركز السينمائي المغربي في الشهور المقبلة، هل سيتم الاكتفاء بالانخراط في مشاريع الحكومة للنهوض بالسينما؟
قبل ذلك أريد لفت الانتباه إلى أنه لو لم تكن هناك إرادة حقيقية للدولة، والإرادة هنا هي كل ما يمكن أن يخالف التخطيط المنطقي المحكم، تقول بأن الصورة السينمائية التي يقدمها المغاربة لديها قيمة مهمة داخليا وخارجيا، لما وصلنا إلى ما حققناه. إذن يبقى المنطق الإرادي طاغيا على المنطق التخطيطي المحض. ولهذا فالقرارات التي اتخذتها الدولة منذ أكثر من 10 سنوات كانت صائبة لأنها منحت المغرب مكانة على المستوى الإفريقي والعربي والدولي، وجعلت منه بلدا معترفا به سينمائيا على المستوى العالمي.
ومن الأهداف التي يطمح إليها المركز السينمائي أيضا، بعد حله تقريبا معادلة الانتاج بكيفية مقبولة، هي حل مشكل السوق السينمائية وهي المعادلة الأصعب، وأعني هنا الشاشات السينمائية المغربية التي لم يكن، مع الأسف، الاشتغال عليها من قبل القطاع الخاص في مستوى طموحات الدولة.

كيف ذلك؟
القطاع الخاص تنازل عن كثير من استثماراته، وابتعد عن مبدأ الاستثمار مقابل المبدأ الذي كان سائدا والمتعلق بالريع. الآن، القطاع الخاص إن لم يأخذ بجدية أن قطاع السينما صار مثمرا ومربحا، وإن لم يخض معركة تشييد إنشاء المركبات السينمائية باعتبارها الحل الوحيد لتكون لدينا سوقا سينمائية داخلية، فلن يستطيع المغرب الاستمرار في هذا الإنتاج وإن صار معروفا عالميا بكونه بلدا منتجا. فالسوق الداخلية هي المتنفس والملجأ الأول لاستمرار الفيلم المغربي.

برأيك كيف يمكن تحفيز القطاع الخاص للانخراط في الاستثمارات التي ذكرت؟
استثمار القطاع الخاص في المغرب ارتبط منذ زمن بالاستثمار سريع الربح، بينما كبريات الدول التي تقدم دروسا مهمة في الليبرالية والرأسمالية، استثمارها يمتد على مدى سنوات وقد يمتد إلى عقود في أحايين أخرى. تمشي بشكل تصاعدي في طريق النجاح، بخلاف الرأسمالية المغربية، التي تبحث عن ربح في اليوم الموالي للاستثمار، والتي يتجه جلها نحو العقار.

الأمر يتعلق إذن بثقافة مجتمع؟
صحيح أن الأمر يتعلق بثقافة مجتمعية، لكن أيضا بفهم مقلوب لأسس الرأسمالية واللليبرالية، لأنها غير مستوعبة من قبل هؤلاء الرأسماليين المغاربة التقليديين، المستمرين إلى حد الآن، بالشكل الذي من شأنه أن يخدم مصالح المغرب.
الآن، هناك جيل للمستثمرين يبحث في القطاعات الجديدة التي يمكن أن تكون مربحة، والسينما من بينها، هذا الجيل الذي نحن معه في اتصال منذ حوالي 3 أو أربع سنوات بدأ يقتنع بأن قطاع السينما يستحق الاستثمار، خصوصا على مستوى المركبات السينمائية.

ارتباطا دائما بالسينما المغربية، هل يمكن لها أن تعيش وتنمو بدون دعم من الدولة؟
لا، بدون دعم من الدولة بدل أن ننجز 25 فيلما سيكون لدينا فقط، 3 أو 4 أفلام. وغير مضمونة. ودعم الدولة له فلسفة جميلة، لأنه يعتبر أننا كدولة تريد أن تكون لها صورة خاصة ينجزها أبناؤها المغاربة. وهي فكرة قوية جدا، ولكي تنمو هذه الفكرة وتتطور وتكون لها مردودية حقيقية فلا بد من أنه بعد إرادة الإنتاج التي لدى الدولة، أن تتوفر بالموازاة معها إرادة خلق سوق داخلية، وهذه الأخيرة لا يمكن أن تكون ضمن واجبات الدولة الدولة، فلا أحد يستطيع منع الدولة من أن تتخذ قرار تشييد مائتي أو ثلاثمائة من الشاشات السينمائية عبر المغرب، لكنها ستصير حينذاك من يسير القاعات، ومن يتحكم في سيرورة الأفلام، وسيصبح المغرب حينها شبيها بالاتحاد السوفياتي سنوات الستينات، أن تتكلف الدولة بكل شيء، سيؤدي حتما إلى منع الكثير من الأفلام من العرض على الشاشات إذا جاءت بما لا يتماشى وخطوطها الرسمية، وهو ما لن يقع فيه القطاع الخاص الذي سيفكر في الاستفادة من كل الأفلام لتحقيق الربح.

أ لا ترى أن الدعم أصبح عاملا من عوامل فشل الصناعة السينمائية في المغرب، خاصة وأن جل المستفيدين من الدعم يشتغلون على الفيلم في حدود الميزانية الممنوحة له من الدولة، ما يحذو بهم إلى التخلي عن مبدعين سواء على المستوى الفني أو التقني؟
كما ذكرت سابقا، فإن السوق الداخلية إذا لم تتقو على المدى المتوسط، فسيكون لدينا بنية سينمائية عرجاء، السوي فيها هي قدم الانتاج، في ظل غياب القدم التي يمكن أن يستند عليها للمشي في السوق الداخلية. لكن هذا لا ينفي وجوب استمرار هذا الانتاج لأن قيمته الدولية أقوى بكثير من القيمة التي يمكن أن يجدها داخليا.
وكون المغرب حاضر في جميع المهرجانات العالمية وفي كل القارات، ودائما بأفلام جديدة منذ حوالي سبع سنوات، فهذا أمر ليس له ثمن. ذلك أن حضور التعبير الفني السينمائي المغربي في كل أقطار العالم مهم للمغرب كدولة. وإذا كانت الدولة تقدم ما تقدمه للسينما المغربية من دعم، فإن هذه الأخيرة ترد المقابل على المستوى العالمي، لذك يمكن اعتبار استثمار الدولة مقبول ورابح.
ولكن من جهة أخرى لا يمكننا الاكتفاء بوجود الفيلم المغربي خارجا، لهذا كما قلت سابقا انتقلنا إلى التفكير في السوق الداخلية. والمطلوب الآن، بعد أن ساهمت الدولة في الإنتاج، وبعد أن فتحت باب تشييد القاعات، أن تضمن للاستثمار الخاص في هذا المجال كل الحظوظ في أن يصير مربحا. حتى لا يخسر القطاع الخاص في حالة ما إذا لم تسر الأمور كما خطط له. وهذا ما تسير الدور الدولة في طريق لعبه، وما يؤكد ذلك الحوارات الجارية الآن ما بين المركز السينمائي والقطاع الخاص والوزارة الوصية التي تتبنى مشروع الدفع بالقطاع الخاص للاستثمار في تشييد المركبات السينمائية والشاشات.
ويجب أن نلفت الانتباه إلى أن تاريخ الانتاج في المغرب حديث العهد جدا، ولا يمكننا التعامل معه بالكيفية التي نتعامل بها مع الإنتاج في أمريكا أو أوربا مثلا، يعني أن شركات الإنتاج التي تحترم القواعد الحقيقية للانتاج قليلة جدا، والآن تتوسع شيئا فشيئا، لكن لم نصل بعد إلى الكثرة التي تضمن لنا بأن كل تسبيق يعطى لشركة معينة تضيف له هذه الشركة ما من شأنه أن يرتقي بالإنتاج ليكون أفضل.
وهنا أريد أن أشير إلى أن هذا الدعم الذي تحظى به هذه الأفلام، هو مصدر عيش عدد من الممثلين، والتقنيين، وغيرهم، ما يعني أن هذا الدعم يخدم النسيج الاقتصادي للبلاد. هذه الحركية مهمة جدا وإن لم تظهر في أول وهلة.

بخصوص الكتاب الأبيض، ألا ترى أن توصياته شملت نقدا ضمنيا لحصيلة عملك الطويل في المركز السينمائي، بانتقاده التوجه الكمي في الدعم السينمائي الذي كنت تراهن عليه للوصول إلى الجودة؟
أبدا، لست من ذلك النوع الذي لديه حساسية خاصة من كل ملاحظة توجه له ويعتبرها نقدا سلبيا. كل الملاحظات بالنسبة إلي مقبولة الإيجابي منها والسلبي، وآخذها كتكميل لعملي لا انتقاصا منها. لأن الخطة التي تبنيتها منذ البداية خطة سليمة أعطت نتائجها وستعطي نتائج أفضل مستقبلا.

ماذا بقي في نفسك من الطريقة التي غادرت بها القناة الثانية، وهل خلافاتك مع بنعبد الله أصبحت جزءا من الماضي؟
دوزيم كانت من المراحل المهمة في مساري المهني، وتربطني بها ذكريات جميلة جدا، وما حققناه في تلك الفترة كان جيدا، ومازالت القناة تستفيد منه. ولا تعليق لدي على ما حدث بعد رحيلي عن القناة الثانية، وأنا بطبعي أنظر أمامي وأحتفظ بالماضي في ذاكرتي، وهو حافزي للتطور نحو ما هو أقوى وأرفع.

نمر إلى الحدث، مهرجان مراكش الدولي الذي ينعقد نهاية هذا الشهر، ماذا يميزه هذه السنة؟
كون المهرجان يستمر بنفس المستوى، فهو أمر في حد ذاته جديد، لأن كثيرا من المهرجانات انطلقت مع مهرجان مراكش أو قبله أو بعده، بمستوى عال، لكنها تراجعت، بخلاف مهرجان مراكش الذي يحافظ على المستوى العالي الذي وصل إليه، بتقديمه الجديد، وذلك بمحفاظته على توازن ثلاثة أبعاد هي البعد التلقيني التنويري في السينما والبعد التشجيعي بالإضافة إلى بعد التباري.
وجديد المهرجان هذه السنة، الذي أوليناه أهمية كبرى هو دروس «الماستر كلاس»، والذي يتفرد به مهرجان مراكش، حيث استطاع تجميع خمسة أسماء عالمية وازنة ستلقي هذه الدروس تتمثل في كل من برونو ديم، مخرج وسيناريست من فرنسا، ودجيمس غراي، مخرج وسيناريست ومنتج أمريكي، وعباس كايروستامي، مخرج وسيناريست من إيران، ونيكولا ويندين ريفن، مخرج وسيناريست ومنتج من الدنمارك، والمفكر الفرنسي ريجيس دوبري.
كما أن مستوى أفلام هذه السنة غني جدا من حيث تنوعها وإخراحها، وإعادتها النظر في الكتابة السينمائية، فيها ما هو تقليدي محض.
ومستوى لجنة تحكيم أفلام المسابقة الرسمية جيد جدا، إذ يترأسها المخرج العالمي سكورسيزي. بالإضافة إلى لجنة أفلام المدارس التي يرأسها نور الدين لخماري وتضم عناصر مهمة جدا. ثم هناك لأول مرة تقديم المدشنين للسينما السكندنافية، وبينهم بركمان أكبر السينمائيين.

على ذكر سكورسيزي، ألا يمثل طابعا متكررا في المهرجان؟
هناك مهرجانات عالمية حلمها أن يكون سكورسيزي متكررا فيها، فهذه ميزة للمهرجان، كما كان الشأن مع الراحل يوسف شاهين، الذي كان يسألنا عن موعد المهرجان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.