في السياق الذي عادت معه الهندسة الدستورية المغربية للثنائية المجلسية، العام 1996، كان الملك الرّاحل يُرتّب لموعد التناوب، لذلك طغت فكرة الغرفة الثانية كمؤسسة للفَرْملة والتوازن مقابل المجلس الذي يمثل سُلطة الاقتراع العام المباشر. كان التّقدير، ربما، أن تشكيل حكومة مُؤلفة من المعارضة السّابقة، أمرٌ يحتاج إلى طمأنة قوى المصالح والتعبيرات السياسية التقليدية. لذلك، وجد الديمقراطيون الذين كانوا يُطالبون بإلغاء الثلث المنتخب بطريقة غير مباشرة داخل مجلس نواب، أنفسهم أمام غُرفة بكاملها بيد النّاخبين الكبار، بل أكثر من ذلك، أمام غُرفة ثانية بصلاحيات في الرقابة والتشريع تُطابق أو تكاد صلاحيات الغرفة الأولى، بشكل يقترب من وضع [بَرلمانيْن مُتجاورين]، عوض صيغة [مجلسين في برلمانٍ واحدٍ]. وإذا كانت رياحُ الربيع العربي، وهبّة فبراير المغربي، لم تنفع في إلغاء مجلس المستشارين، فإنه في المُقابل مع دستور2011، تمت إعادة بناء توازن جديد للعلاقة بين مجلسي البرلمان، عبر تحجيم عددي للغرفة الثانية، وتهذيب لصلاحياتها، ومنح الغرفة الأولى الصدارة في التشريع والرقابة والمسؤولية السياسية للحكومة. وإذا كان الاتجاه الأول قد تَمثل في إعادة تعريف وظيفتها وطريقة تشكيلها باعتبارها غرفة للجهات، أو مجلسا للتمثيل الترابي، حتى لا تعيد إنتاج نمط التمثيلية الموجود في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فإن إصرار النقابات على الحضور داخلها، قد جعلها تحافظ على طبيعتها كمؤسسة لتمثيل وحدات اللامركزية الترابية، والشّرائح السوسيو مهنية المعبرة عن العالم الاقتصادي والاجتماعي. يظل الإشكال الرئيس، إذاً، الذي يطبع هذه الغرفة الثانية هو طبيعة تأليفها. لذلك، فإن الوضوح، اليوم، يقتضي القول إن العطب البنيوي الكبير لمجلس المستشارين، يتمثل في نمط الاقتراع غير المباشر الذي يجعل الولوج إليه – خاصة في فئة ممثلي الجماعات الترابية – مرتبطا في غالبية الحالات بالفساد وبالاستعمال المكثف للمال السياسي. وطبعاً، فإنه بالقدر الذي يؤثر على مصداقية الحياة السياسية ككُل، فإنه يمس بالأساس صورة المجلس، وصورة النُخب البرلمانية. كلُ هذه التوطئة، وهي من بديهيات الحياة السياسية، المليئة بحكايات ووقائع الملايير المُستعملة في شراء الناخبين /الفاسدين الكبار، لا تبرر تماما فضيحة البلاغ التشهيري الصادر عن اللجنة الحُكومية المُكلفة بمُتابعة الانتخابات، خلال الأسبوع الماضي، في شأن متابعة سياسيين في أفعال يُجرِّمها القانون ذات صلة بانتخابات مجلس المستشارين. بلاغٌ يعيد إلى الأذهان، منطق «الحَمْلات»، حيثُ يصبح القضاء مجرد وسيلة للانتقام السياسي أو الاقتصادي، ولا يصبح لاحترام القانون والمساطر أيُ معنى. بلاغٌ تُوجِّه فيه السُلطة التنفيذية اتهامات خطيرة لمواطنين في تطاول كبير على صلاحيات القضاء، وعبر خرق فاضح لسرية التحقيق وقرينة البراءة، وضرب بعرض الحائط للضمانات الدستورية والحقوقية للمحاكمة العادلة. بلاغٌ قُرِئ في النشرة الرئيسية ل»القناة الأولى» الأربعاء الماضي، حيثُ تُليت على الهواء أسماء المُتابعين، في خطوة تشهيرية شنيعة. إن شُبهة التسخير السياسي للقضاء بجعله أداة في خدمة التّحكم، تبقى أخطر من شبهة الفساد الانتخابي والسياسي. مع الآسف، من سيصدق بعد اليوم، خطاب إصلاح العدالة؟