لجأت الأسرة السورية عليشي إلى استعمال جوازات سفر مزورة لعبور الحدود الفاصلة بين الأراضي المغربية والمدينةالمحتلةسبتة، وفضلت هذه الطريقة المكلفة ماليا على المخاطرة بعبور مضيق جبل طارق على إحدى «الباطيرات» «كانت سوريا أفضل بلد عربي للعيش، الأكثر هدوءا، لكنها، اليوم، تحولت إلى جحيم»، تقول بشرى عليشي، البالغة من العمر ال45 سنة، رفقة زوجها أسامة وطفليهما البالغين ال15 وال12 ربيعا على التوالي. هي تحكي بحرقة مَن ترك الأهل والأحبة وراءه بحثا عن مكان آمن. حلت عائلة عليشي منذ الخميس الماضي بمركز إيواء المهاجرين واللاجئين في مدينة سبتة، حيث يتعايش أكثر من 650 شخصا، أغلبيتهم من إفريقيا جنوب الصحراء. وللوصول إلى هذا المركز، دفعت الأسرة 20000 درهم، أي 5000 درهم للفرد الواحد، مقابل الحصول على جوازات سفر مغربية مزورة للدخول عبر المعبر الحدودي « تاراخال» إلى سبتة. الهدف.. ألمانيا أو بلجيكا قصة هذه الأسرة لا تختلف عن قصص آلاف السوريين والسوريات الذين قرروا الهروب من سوريا الغارقة في حرب أهلية بطلها بشار الأسد والجماعات الإرهابية. لكن على عكس الآلاف الذي لقوا حتفهم هناك أو في الطريق، يبدو أن أسرة عليشي محظوظة وهي تدرك ذلك. خرجت الأسرة من درعا، المدينة القريبة من دمشق، بعد الهجمات الأولى لجنود بشار الأسد ضد المدنيين العزل قبل أربع سنوات، لكن رحلة الهروب من جحيم سوريا بدأت فعليا عندما غادرت الأسرة الأراضي السورية في رحلة جوية متوجهة إلى الجزائر، ومن هناك إلى المغرب، حيث مكثوا لمدة طويلة نسبيا حتى اشتدت آلام الإصابة التي يشعر بها زوجها أسامة في ركبته. «كنا في وضع جيد هناك في المغرب، تعاملوا معنا كأشخاص، حتى أبنائي تمكنوا من ولوج المدرسة، كما كنا نشتغل بشكل عادي لتأمين حاجيتنا، لكننا نريد السفر للاستقرار بألمانيا أو بلجيكا، حيث يوجد أفراد من عائلة زوجي، وأيضا بحثا عن حياة أفضل»، تحكي بشرى والدموع في عينيها، متذكرة مدينتها درعا وباقي أفراد العائلة الذين «لا نعرف إن كانوا على قيد الحياة أم لا». كانت أسرة عليشي في وضع مادي جيد قبل مغادرة سوريا، إذ كانت تمتلك منزلين وسيارة، بينما يدرس الأطفال في أفضل المعاهد، ما سمح لهم بالتحدث بالإنجليزية بشكل جيد. قبل اندلاع الثورة، كان زوجها أسامة يمارس التجارة في «بازار» دمشق، بل وكان كذلك يملك مطعما هناك. عندما سمعوا التفجيرات الأولى، غادروا بدون تردد بيتهم. باعوا كل شيء ونزحوا. « خسرنا كل شيء.. الأصدقاء والجيران.. لم يعد هناك وجود لمدينتي (درعا)، نحن أرض ميتة. فقدنا كل شيء، حتى مدينة الطفولة لم يتبق منها أي شيء». وتتذكر بشرى كيف كان المسلم والمسيحي «يتعايشان ويحترمان بعضهما البعض في بلدها». «كانوا يتعايشون في سلام ويتقاسمون كل شيء، من كان يرغب في تدميرنا بهذه الطريقة ولماذا؟»، تتساءل. تقول إن مدينتها كانت من بين المدن الأولى التي تمردت على النظام. «رأينا كيف كان جنود بشار يلقون رذاذ الفلفل داخل المنازل، وعندما تخرج الأسر من المنازل بفعل شدة الاختناق، تجد في انتظارها رصاصاتهم. كانوا يعاقبوننا، لا لشيء إلا لأن المعارضة فازت بأصوات الناخبين بالمدينة»، تقول وهي تتذكر تلك الأيام المؤلمة. نساء يغتصبن أمام أبواب المنازل بسبب هجمات بشار الأسد، قطعت بشرى على نفسها الوعد بأن لا تترك أبناءها هناك لرؤية مشاهد رجال يحاكمون أمام الملأ، أو نساء يغتصبن أمام أبواب المنازل. «الحياة في سوريا لا قيمة لها»، تقول بنبرة خاصة تبرر بها خروجها، بيد أن الخوف مازال يسيطر عليها رغم بعدها عن سوريا بآلاف الكيلومترات، إذ لم تخف توجسها من عواقب ظهور صورة جماعية للأسرة في صفحات الجريدة (الباييس)، واحتمال مشاهدتها، ووصول الصورة إلى سوريا، ويتم التعرف عليها وعلى أبنائها. في هذا الصدد، تقول بشرى: «لا أخاف على أسرتي، نحن في أمان، بل كل خوفي على من بقوا هناك»، مضيفة أن «الأنترنيت مفيد في مجموعة من الأشياء، لكنه سيء أيضا.. رأيت على صفحات الجرائد أناس أعرفهم لقوا حتفهم». فهاتفها الذكي يخول لها ولوج الشبكة العنكبوتية وتصفح الصحف الإلكترونية والإطلالة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد عَلِمت، بفضل هذه الهاتف، بسفر الآلاف من أبناء وطنها الذين يطرقون في هذه الأسابيع أبواب أوروبا، كما شاهدت أيضا الصورة الفظيعة للطفل السوري (أيلان الكردي) ذي الثلاث سنوات، الذي انتهى جثة هامدة على أحد الشواطئ التركية». أمر فظيع، لقد رأيت الكثير من الأطفال الموتى أو الذين بترت أحد أطرافهم جراء الحرب هناك في سوريا. عشنا في الجحيم»، ثم لخصت الوضع الذي أصبحت عليها سوريا قائلة «بلدي جحيم فوق الأرض». من جهة أخرى، تتذكر بشرى كيف عرضوا على زوجها تهريب الأسرة على متن قوارب الموت أو الدراجات المائية من الداخل المغربي إلى السواحل الإسبانية قائلة: «هذا فيه الكثير من الأخطار، البحر خطير. يجب علينا كآباء أن نكون مسؤولين، وأن لا نلقي بالأطفال في «الباطيرات»، ولهذا فضلنا انتظار الفرصة المواتية للقيام بذلك». تتأسف بشرى على برودة ردود أفعال العالم الغربي حيال الأزمة السورية، خاصة البلدان الأوربية، مشيرة إلى أنهم لم يحركوا ساكنا لمنع تدمير سوريا.» انتبهنا إلى أن سوريا لا يرغب فيها أي أحد، ليس لدينا ما نقدمه لهم، لهذا لا أحد يرغب في مساعدتنا. فقط أوروبا يمكنها وقف هذا النزيف، لكن رأينا كيف أنه لا أحد يهتم بنا». وترغب الأسرة في فتح مطعمها العربي من جديد، لكن هذه المرة في أوروبا. لهذا فهي الآن تفضل الإحجام عن تقديم أي طلب للجوء السياسي في إسبانيا. لأنه إذا قاموا بذلك، سيكون من الصعب عليهم السفر إلى بلد أوروبي آخر. فبعد كل ما عاشوه، كل ما ترغب فيه بشرى وزوجها وابناها هو الخروج من مدينة سبتة «بأي طريقة». موسم الدخول إلى سبتة تمكن حوالي 394 مهاجرا غير شرعي ولاجئا سوريا من الدخول إلى مدينة سبتةالمحتلة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، كما أن جلهم مختبئون في تجويفات محدثة دخل العربات، أو مختبئون أسفل لوحة القيادة أو أسفل مقاعد السيارات، أو على متن قوارب مطاطية صغيرة، حسب ما ذكرته مجموعة من المنابر الإعلامية الإسبانية، نقلا عن وكالة الأنباء «إيفي». كما أن شهر يونيو سجل أكبر عدد من حالات الدخول إلى سبتة، إذ ولج إليها حوالي 171 مهاجرا غير شرعي، متبوعا بشهر يوليو الذي عرف دخول 137 مهاجرا، بينما تمكن 86 مهاجرا فقط من دخولها في غشت الماضي. كما أن الأشهر الثلاثة الأخيرة شهدت دخول 13 مهاجرة غير شرعية و16 قاصرا إلى سبتةالمحتلة. 6000 سوري حاولوا دخول إسبانيا عبر المغرب في 2015 أمام تراجع محاولة مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء الراغبين في معانقة الحلم الأوربي عبر البوابة المغربية الإسبانية، التي تعتبر ثالث مسلك للمهاجرين واللاجئين القادمين من إفريقيا وسوريا، بعد البوابتين الليبية الإيطالية والتركية اليونانية، يلاحظ ارتفاع عدد السوريين الهاربين من مناطق الصراع في سوريا، الذين حاولوا في الأشهر الثمانية الأولى من السنة الجارية الدخول إلى الجارة الشمالية عبر المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، إذ بلغ عددهم حوالي 6000 سوري، حسب ما أوردته مجموعة من المنابر الإعلامية الإسبانية، نقلا عن المفوضية الإسبانية لمساعدة اللاجئين. في نفس السياق، أشارت المصادر ذاتها إلى أن اللاجئين السوريين تحولوا إلى بقرة حلوب للمافيات المتخصصة في تهريب البشر صوب أوربا، كما أن هذه الشبكات الإجرامية تقتات من معاناة اللاجئين الهاربين من الحرب الأهلية التي تدور رحاها في سوريا. في هذا الصدد، أكدت الكاتبة العامة للمفوضية الإسبانية لمساعدة اللاجئين، استريا غلان، أنها ستعمل بإلحاح على دفع الجهات المعنية من أجل السماح للسوريين بالدخول إلى إسبانيا بطريقة قانونية، تحت الحماية الدولية، في إطار اللجوء». في علاقة بالموضوع، دافع وزير الخارجية الإسبانية، خوسي مانويل مارغايو، عن السياجات الحدودية للمدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، مؤكدا على أنه لولا وجود هذه السياجات، لكان بإمكان الجميع السفر إلى ألمانيا، ولشاهدنا ما نشاهده في مناطق حدودية أخرى. كما أرجع ماراغايو امتناع إسبانيا قبول حصة أكثر من 3000 لاجئ سوري إلى ارتفاع معدل البطالة بين الإسبان، بالإضافة إلى استثمار إسبانيا الكثير من الأموال في البلدان المصدرة للمهاجرين، مثل المغرب وموريتانيا والسنغال. بتصرف عن «الباييس»