باتت فكرة اعتماد الدارجة كلغة للمدرسة المغربية، وإخراج التعليم الأولي من طابعه الديني المتمثل في الكتاتيب، توصيات رسمية تتضمنها وثيقة صادرة عن ندوة دولية رُفعت إلى أعلى سلطات المملكة. قمتم بصياغة توصيات الندوة التي نظمتم حول التعليم ييومي 4 و5 أكتوبر الماضي، ماذا بعد الكشف عن هذه التوصيات؟ الكلمة للعمل الآن، على وزير التربية الوطنية أن يبدأ في العمل وهو شخص له إمكانيات كبيرة وتجربة في الميدان وحضر معنا أشغال هذه الندوة، وأعتقد أن عليه أن يبدأ في العمل ولا ينتظر. طبعا لا يمكنه فعل كل شيء دفعة واحدة، لكن عليه أن يبدأ بما هو سهل، وهناك أشياء كثيرة يمكن الانطلاق منها لأنها لا تتطلّب لا ميزانيات ولا أي شيء، وحتى التوصيات التي خلصت إليها الندوة، هي في مجملها سهلة وبسيطة وواضحة.
ما هي هذه الأشياء السهلة التي يجب البدء بها؟ أولا علينا أن نشرع فورا في تعميم التعليم الأولي. فقد مرت 15 سنة ونحن نتحدث عن هذا الهدف دون أن نحققه، وسبق لنا أن تحدّثنا عنه رفقة الراحل مزيان بلفقيه سنة 1999. اليوم نحن نطرح الفكرة وقدّمنا صيغة سهلة لتمويلها حيث لا يبقى الأمر عبئا على الدولة وحدها، بل يساهم فيه حتى المجتمع والقطاع الخاص. التعليم الأولي اليوم هو في مجمله تقليدي ويقتصر على الكتاتيب وبعض الأمور المشابهة، بينما التعليم الأولي لا يجب أن يبقى دينيا فقط، بل على أطفالنا أن يتعلموا الحياة ويغنوا وينشطوا ولا نوجههم إلى الحفظ فقط.
تحدثت بصراحة عن اعتماد الدارجة كلغة للمدرسة؟ نعم، وهذا هو الوضع السليم، لأن المدرسة يجب أن تبدأ باللغة الأم، وهذا ليس جديدا، بل كل التجارب العالمية خلصت إلى أن التعلم باللغة الأم يكون أفضل ويعطي نتائج أحسن. واللغة الأم الأساسية في المغرب هي الدارجة، وأكثر من 90 في المائة من المغاربة يتحدثونها، وبالتالي علينا أن نجعل هذه اللغة الأم أساسا في المراحل الأولى لتعليم أطفالنا...
تعرفون حساسية الأمر وما سيثيره من جدل خاصة من طرف المدافعين عن اللغة العربية؟ نعم نحن واعون بذلك وهذا تخوّف موجود، لكن علينا أن نتوقف عن إخفاء الحقيقة ونوقف هؤلاء الذين يدعون الدفاع عن اللغة العربية ويكذبون على المغاربة. أقسم لكم بالله أنني أعرف أشخاصا لا داعي لذكر أسمائهم، يتصدرون الدفاع عن اللغة العربية، بينما أبناؤهم يدرسون في مدارس البعثات الأجنبية ثم يكملون تعليمهم في الخارج. لماذا يستمر هؤلاء في كذبهم هذا؟ لقتل هذا الشعب؟ الدارجة هي اللغة التي يتحدثها أغلب المغاربة، وعلينا أن نعتني بهذه اللغة ونضع لها قواعد ونحو وقاموس ونقرّب بينها وبين اللغة العربية.
ما هي الأولويات الأخرى برأيكم؟ لقد تضمنت توصياتنا اقتراحات واضحة حول ادوار كل من مدير المؤسسة التعليمية والمدرّس. علينا أن نمد المدير بالوسائل والإمكانات الكافية، ولم يعد مقبولا أن يتوجه المدير إلى الرباط كي يحصل على الطباشير. اما المدرس فعلينا بذل مجهودات كبيرة لحل مشاكله، والمجهود الذي بدلته في السنوات الأخيرة مؤسسة محمد السادس للاعمال الاجتماعية، يجب أن تعممه الدولة. لا يمكن أن يبقى لدينا مدرّس يعاني من مشاكل في السكن او الصحة أو يبقى كايدابز مع الحياة.
ما هي الجهات التي وجّهت إليها توصياتكم؟ وجّهناها طبعا إلى رئيس الدولة، فالملك يولي اهتماما كبيرا لمسألة التعليم، ويكفي أنه عيّن مستشاره رئيسا للمجلس الأعلى للتعليم، كما وجّهناها إلى رئيس الحكومة ووزير التربية الوطنية وباقي وزراء الحكومة وجميع الأحزاب بل حتى الجمعيات. هذا الموضوع لا يهم وزيرا بعينه، بل هو شأننا جميعا.