ظاهرة جديدة في عمليات الاستقطاب والالتحاق بتنظيم «داعش» تشمل هذه المرة موظفين في الدولة. وحتى الآن، نجح أربعة موظفين، على الأقل، في الوصول إلى معاقل «داعش» في سوريا والعراق، والتحول إلى مجندين ضمن كتائبها هناك. وكان من المعتاد أن يرحل شبان لا يملكون عملا قارا، أو يعانون من نقص في الموارد، أو يعيشون في ظروف قاسية، نحو معاقل التنظيمات المتطرفة بالشرق الأوسط، لكن تصنيف الملتحقين ب»داعش» يظهر أنه حتى الأشخاص الذين يملكون قدرا معقولا من الدخل القار، أو الأعمال الجيدة والوظائف المريحة بشكل نسبي، يملؤهم العزم نفسه في الالتحاق بالقتال إلى جانب تنظيم «داعش». مراد الدرادري، واحد من هؤلاء، فهو مدرس في السلك الإعدادي بمدرسة بمنطقة أزلا نواحي تطوان، و«أحواله جيدة على ما يبدو»، كما يقول محمد بنعيسى، رئيس مرصد حقوق الإنسان في الشمال ل»اليوم24». وكان مراد يهيئ نفسه لتطوير مساره المهني بأن سجل نفسه في سلك الماستر في جامعة عبد المالك السعدي في علوم الأرض والحياة، وكان منسق باقي الطلاب في هذه الوحدة، وهي درجة زائدة، وبمجرد أن حصل على شهادة الماستر، وبدل أن يستمر في مساره، قرر أن يغيره ويلتحق الأسبوع الفائت ب«داعش». وكما يلاحظ بنعيسى، فإن «مظاهر الغلو كانت بادية على مراد في العام الأخير، لكن لم يكن متوقعا أن يكون واحدا من كوكبة الملتحقين بتنظيم داعش». هناك أيضا أشخاص آخرون مثل مراد، مثل موظف بالمحكمة الابتدائية بتطوان يدعى (م.ر.أ)، كان مكلفا بمكتب الإكراه البدني. ويقول مصدر يعرفه «إن الموظف حتى وإن كانت تبدو عليه بعض ملامح الارتياح المادي، إلا أن ضغوطا نفسية رهيبة كان يعيشها، ثم أصبح أكثر تشددا، قبل أن يغادر في مارس الفائت إلى سوريا». وقيل إن الموظف قد لقي مصرعه هناك، لكن لم يتسن ل»اليوم24» التأكد من ذلك. وكل ما فعله هذا الموظف هو أن حجز لنفسه رحلة سفر إلى تركيا عبر وكالة للأسفار، بتذكرة ذهاب وإياب، لكنه لم يعد بتاتا. في يوليوز الفائت، قرر موظف في مكتب البريد بمدينة طنجة أن يغير مساره في المهنة والحياة أيضا، حينما قرر أن يترك منصبه ويلتحق بمعاقل تنظيم «داعش» في سوريا. وكي يزيل أي شكوك من حوله بخصوص مخططه، حجز هذا الموظف تذكرة له نحو تركيا ضمن رحلة جماعية تنظمها إحدى وكالات الأسفار، وأدى سعر تذكرتي الذهاب والإياب، لكنه هو أيضا لم يكن يخطط للعودة ولم يعد. وقبل هؤلاء جميعا، كان هناك موظف بقطاع الصحة في مدينة المضيق، يعمل ممرضا بمستشفى هناك. وهو أول من أطلق عملية رحيل الموظفين «أو شجعهم على ذلك من دون أن يكون هناك تنسيق بينهم»، بحسب ما يقول بنعيسى. وكانت مغادرته مفاجأة للسلطات حينها، «لأننا لم نكن نتوقع أن يغادر موظف في الدولة عمله كي يلتحق بالقتال»، كما يقول مسؤول أمني تحدثت إليه «اليوم24». ليست هنالك أخبار مؤكدة عن مصير هذا الممرض، حتى وإن كانت بعض الأنباء كما قال بنعيسى تتحدث عن عودته إلى البلاد وتوقيفه وسجنه. ويظهر أن تسلل الموظفين عبر مطارات المملكة نحو «داعش» أسهل مما يعترض طريق الآخرين، وبينما يشق المتشددون مسارهم وحيدين أو برفقة عوائلهم كما حدث لشخص يدعى عبد القادر العمراني حينما غادر مطار محمد الخامس بالدار البيضاء هو وزوجته وابناه، فإن الموظفين لا يلقون أي عقبات أمنية. وكما يقول مسؤول أمني بمطار محمد الخامس، فإن «هؤلاء يلجون إلى المطار ضمن رحلات جماعية تنظمها وكالات أسفار معتمدة، وليست لديهم سوابق، ولا يمكن الشك في نواياهم، باعتبارهم موظفين يسافرون خلال عطلهم السنوية.. إنهم العابرون الأكثر أمانا من المغرب نحو داعش». وبحسب بنعيسى، فإن «السلطات يجب أن تراقب حركة الموظفين أكثر فأكثر، لاسيما الموظفين الصغار أو المرتبين في درجات متوسطة، المنحدرين على وجه الخصوص من مناطق شمال المملكة، ممن لا يظهر أنهم يكتمون توجهاتهم المتشددة»، منبها إلى أن «بعض هؤلاء الموظفين كان من السهل اعتراض طريقهم لو كانت هناك مراقبة لحساباتهم على الفايسبوك. بمجرد أن تلقي نظرة، ستفهم أنك في مواجهة متشدد، وإن رأيته يقتني تذكرة نحو تركيا، فاعرف بأن هدفه هو «داعش» بكل بساطة، وهذا ما حدث مع بعض الملتحقين». وفي كل الأحوال، فأن يقرر موظفو الدولة الالتحاق أيضا بتنظيم «داعش» فهو «ما لم يكن متوقعا، ولم تكن هناك إجراءات مناسبة لمواجهته في الحدود»، كما يؤكد مسؤول أمني.